مع إنهائهم مناسك الحج واستعدادهم للعودة إلى ديارهم بمختلف بقاع الأرض، يحرص مئات الآلاف من ضيوف الرحمان على اقتناء هدايا لأقربائهم وأصدقائهم تكون في الغالب عبارة عن تذكارات صغيرة في حجمها؛ لكنها تؤرخ لأكبر رحلة روحية وإيمانية يمكن أن يقوم بها المسلم في حياته. فمن المجسمات المضيئة للكعبة المشرفة والمسجد النبوي الشريف إلى العطور الأصيلة المعبئة في قوارير أنيقة من مختلف الأحجام، ومرورا بالسبح وسجادات الصلاة وحوامل المفاتيح وعلب التمور وأنواع البخور، وليس انتهاء بالأقمشة والملابس التقليدية، تتعدد التذكارات والهدايا التي يقتنيها الحجاج سواء لتقديمها كهدايا لمن يحبون أو ليحتفظوا بها ذكرى لحلولهم بالديار المقدسة وأدائهم للركن الخامس من أركان الإسلام. وتشهد المحلات التجارية بأسواق مكةالمكرمةوالمدينةوالمنورة وكذا مدينة جدة اكتظاظا كبيرا لضيوف الرحمان الذين يخصصون ميزانية خاصة لاقتناء هذه الهدايا التي تتباين أسعارها وتتنوع أحجامها بشكل يلبي حاجيات الجميع حسب إمكاناتهم المادية. وحسب ملتقى السفر والاستثمار السياحي السعودي، فإن حجم سوق الهدايا التذكارية التي يقتنيها الحجاج والمعتمرون خلال موسم الحج والعمرة يبلغ 30 مليار ريال سعودي (8 مليارات دولار). وفي محل لبيع الأثواب بسوق البلد الواقع بمدينة جدة، كانت الحاجة المغربية أمينة تجتهد في انتقاء أقمشة قالت في تصريح صحافي إنها ستهديها لزوجات أبنائها؛ بينما كان زوجها يتفاوض مع صاحب المحل حول ثمن قماش يريد أن يخيط به جلبابا عند عودته إلى المملكة. "اقتنيت أيضا سبحا وبخورا وسجادات وعطورا متنوعة لأهديها لجاراتي" قالت هذه المرأة الستينية، مؤكدة "ضروري ناخد ليهم شوية دالباروك". من جهته، حرص الحاج عبد العزيز من تونس (52 سنة) على اقتناء عباءة لزوجته بعدما انتقتها من بين عباءات كثيرة أرسل إليها صورها على الهاتف. كما اقتنى أقمصة له ولابنيه، وبعضا من البخور والسبح لأقربائه. قال عبد العزيز، في تصريح مماثل، إن هذه الهدايا على صغر حجمها تظل تذكارا يؤرخ لزيارة الديار المقدسة وأداء مناسك الحج. وأشار إلى أنه هو نفسه حصل على لباس الإحرام الذي أدى به مناسك الحج هذا العام من عند والد زوجته الذي أدى به مناسك الحج هو الآخر قبل 34 سنة، مضيفا: "إنها قطعة ذات قيمة رمزية عالية وتؤرخ لذكرى غالية". وكما هو الشأن بسوق البلد بجدة، تشهد المحلات التجارية بالمدينةالمنورة أيضا إقبالا كبيرا لضيوف الرحمان من كل الجنسيات الذين يحرصون على الخصوص على اقتناء أنواع التمور التي تشتهر بها المدينة. ولهذا الغرض، لم تجد الشابة الأندونيسية نبيلة وعدد من رفاقها في رحلة الحج كانوا على متن حافلة في الطريق إلى مطار جدة بعد زيارتهم للروضة الشريفة، بدا من التوقف في إحدى مزارع التمور المحيطة بالمدينةالمنورة لاقتناء بضعة كيلوغرامات من تمر العجوة. قالت نبيلة، في تصريح صحافي، وهي تضع علبتين من هذا التمر في حقيبتها: "قيل لي إن تمر العجوة مبارك، وقد أوصى رسولنا عليه الصلاة والسلام بتناوله". وأضافت: "ليست هناك طريقة أفضل لتقاسم البركة التي حصلناها في الحج مع أهلنا عند العودة من إهدائهم شربة من ماء زمزم وبضع حبات من تمر العجوة". هكذا إذن، يبدو أن رحلة الحج الكبرى لا تكتمل لدى كثير من ضيوف الرحمان دون اقتناء بعض الهدايا على صغرها حتى إذا عادوا إلى ديارهم وفتحوا حقائب سفرهم فاحت بعبق المكان الذي أتت منه، وبقيت ذكرى لتجربة روحية يتوق كل مسلم لخوضها ما استطاع إلى ذلك سبيلا.