370 ألف دولار هي الغرامة المالية التي يتوجب على صحفيين مغاربة دفعها لفائدة الزعيم الليبي معمر القذافي بعد حكم القضاء المغربي لصالحه في سابقة من نوعها، حيث تعتبر هذه المرة الأولى في المملكة التي يرفع فيها رئيس دولة دعوى قضائية ضد صحفييه بتهمة المس بشخصه وكرامته. "" النقابة الوطنية للصحافة المغربية، قالت في بيان إنها: "أول مرة في تاريخ المغرب يرفع فيها ممثلو دولة أجنبية دعوى ضد الصحافة المغربية بموجب الفصل 52 من قانون الصحافة المغربي". هذا الفصل يتضمن، حسب النقابة، عبارات فضفاضة إذ يعاقب على "المس بصفة علنية بشخص رؤساء الدول وكرامتهم ووزراء الشؤون الخارجية للدول الأجنبية" بالحبس لمدة تتراوح بين شهر وستة شهور وبغرامة من 10 آلاف إلى 100 ألف درهم أو بإحدى العقوبتين. ويضيف نفس المصدر أن الفصل 52 يتضمن "عبارات فضفاضة تسمح بالمتابعات والعقوبات على نشر مجرد ما يعتبر من قبيل التحليل أو النقد المباح كما تعاقب حتى على إيراد معلومات صحيحة لا جدال فيها ولكن نشرها لا يروق لأصحابها". يومية المساء التي تصنف الأكثر مبيعا في المغرب، يومية الأحداث المغربية التي كانت في يوم من الأيام الأكثر مبيعا، ويومية الجريدة الأولى التي لم يمض وقت كبير على ظهورها في الساحة الإعلامية للمملكة، ثلاث صحف مستقلة رفع ضدها مكتب الأخوة العربية التابع للسفارة الليبية دعوى قضائية باسم الزعيم، حكم فيها لصالحه، وخلفت سخطا بين أغلب الصحفيين المغاربة تستنكر ما أسمته تراجع حرية الصحافة بالمملكة، وردود فعل عربية تناهض ما أسمته تكميم أفواه الصحفيين، وردود غربية تتساءل لماذا لم تقدم السفارة الليبية في الدول الأوروبية وأمريكا الشمالية على رفع مثل هذه الشكاوى حيث وصف الزعيم الليبي في صحف هذه الدول بصفات مهينة مثلما فعلت الصحف الإيطالية في يونيو الماضي أثناء زيارته لروما؟ مصدر ليبي مسؤول فضل عدم نشر اسمه، قال لنا في حديث خاص إن السبب الذي حمل الرئيس القذافي على رفع دعواه في المغرب وليس في غيره، هي أن"الزعيم القذافي كما لقب نفسه ذات يوم يعتبر نفسه ملك ملوك إفريقيا، ويولي كل اهتمامه للشأن الإفريقي، ويروج لمشروع بناء ولايات متحدة إفريقية، وهو بالتالي يهتم بالحفاظ على قدسية صورته في العالم الإفريقي أكثر من اهتمامه بها في العالم الغربي، فأن تقوم الصحف الإيطالية أو غيرها بوصفه صفات مهينة لا يثير غضبه، بالعكس فهو يعتبرها محاولة إحباط لما يراها جهودا فعالة تقاوم المد الليبرالي الغربي كما يسميه، لكن هذه اللامبالاة التي يقابل بها سخرية الغرب تتحول إلى غضب عندما تمارس في إفريقيا بشكل خاص، فهو له مشروعه وهدفه من القارة السوداء وليس مستعدا لخسارته مهما كان الثمن". إذا كانت يد الزعيم الليبي طويلة في بعض الدول الإفريقية، فهل معنى هذا أن له نفس النفوذ في المغرب؟ يجيب نفس المصدر قائلا "أكيد أن ليس له نفس النفوذ، لكن له ثقل كبير وقدرة على لي ذراع المغاربة، فهناك ملف الصحراء الذي من أجله المملكة العلوية مستعدة للتنازل عن حرية الصحافة، وهناك العمال المغاربة الذين يشكون منذ فترة من سوء المعاملة، وفرض رسوم مالية على كل مغربي يريد التنقل من ليبيا إلى وطنه، هذه الرسوم مفروضة على المغاربة دون غيرهم". هل معنى هذا أن المغرب عقد صفقة مع ليبيا ومن دفع الثمن هم الصحفيون المتهمون؟ "يمكن الجزم بذلك، وأشير هنا إلى أن الدعوى القضائية لم تكن لتعرف طريقها إلى النور لولا اختيار حكومة عباس الفاسي الحياد وعدم التدخل في هذا الأمر وتركت الصحفيين المتهمين يواجهون مصيرهم، فقد كان بإمكان الحكومة التدخل دبلوماسيا لفض الأمر بشكل ودي، لكن الحكومة الحالية وجدت في مصلحتها أن تكسب ليبيا إلى صفها على حساب حرية الصحافة، كما وجدتها فرصة سانحة لرد الاعتبار والضرب على يد القائمين على هذه الصحف والذين يتفنون في التهكم على الحكومة ووزرائها وعلى رأسهم الوزير الأول عباس الفاسي. هذه المحاكمة نتيجتها كانت معروفة سلفا، وأتت كمصلحة مشتركة بين الطرفين، وأكاد أجزم أن فكرة رفع دعوى قضائية ضد الصحفيين المغاربة مصدرها مسؤول مغربي وليس ليبيا". يذكر أن من طرائف هذه القضية أن واحدا من الصحفيين المتهمين كان يتحدث في مقاله الذي حوكم بسببه عن الرئيس الفنزويلي تشافيز وليس عن القذافي. يقول -يونس مسكين المعني بهذه الواقعة- في تصريح لإحدى الصحف: "كانت مفاجأتي كبيرة وأنا أتلقى استدعاء الشرطة من أجل الخضوع للتحقيق، وازدادت مفاجأتي حين علمت أن موضوع التحقيق هو الرئيس الليبي وتهمة الإساءة إليه...المقال الذي توبعت من أجله ليس مقال رأي ولا عمودا ولا افتتاحية، كما أنه لا يتحدث عن ليبيا ولا عن زعيمها العقيد معمر القذافي، بل يتحدث عن موضوع الأزمة الدبلوماسية التي حصلت بين كل من المغرب وفنزويلا مستهل العام الحالي والتي أدت إلى إغلاق المغرب لسفارته في كراكاس، وحمل المقال بعض المعطيات الجديدة حول خلفيات تلك الأزمة...ومن أجل تسليط مزيد من الأضواء على تلك المعطيات السياسية والعسكرية، اتصلت بالصحافي والكاتب محمد العربي المساري، وزير الاتصال السابق والسفير السابق، كي يقوم بالتعليق على الموضوع، فاعتبر هذا الأخير أن الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز يعبر عن بعض المواقف الطفولية في بعض الأحيان، مثل الرئيس الليبي معمر القذافي. هذا كل ما تضمنه المقال حول القذافي، وهذا ما ارتأى القضاء المغربي أن يعاقبني عليه بغرامة تفوق المائة مليون درهم". تساؤلات يونس مسكين وغيره من الصحفيين الذين استهجنوا هذا الحكم تبدو غير منطقية في أعين رجال السياسة، حيث تنقلب كل الموازين أمام المصالح.