في فرنسا نجمان من أصول مغربية يتربعان على عرش الكوميديا، الأول اسمه جمال الدبوز، مغربي في أواخر الثلاثينات، لا يجيد اللهجة المغربية كثيرا، ترعرع في الضواحي الفرنسية لمهاجرين فقيرين، نحت في الصخر حتى وصل إلى المجد، جمع بين الحذق في إضحاك الفرنسيين والناطقين بلغتهم، وبين البراعة في إدارة الأعمال، فقد صاحب كبار رجال الساسة، على رأسهم نيكولا ساركوزي. "" والثاني اسمه جاد المالح، مغربي في أواخر الثلاثينات أيضا، يتقن اللهجة المغربية كثيرا، ترعرع في بيئة متوسطة بإحدى أحياء الدارالبيضاء، عرف بشغبه عندما كان تلميذا، وهروبه من مدرسة البعثة الفرنسية عندما كان مراهقا ليرافق المشاغبين مثله لكن في الأحياء الشعبية، يشاركهم مغامراتهم، وانطلاقهم، وأيضا عزفهم على آلة القيثارة، تنبأ له أساتذته بالفشل، لكنه خيب ظنهم، حيث أصبح من كبار الكوميديين في فرنسا، وخارجها. في المغرب، يشبَّه جمال الدبوز بالفنان المصري محمد هنيدي، لاعتماده ألفاظا ومفردات ونماذج مستقاة من بيئته الشعبية، بينما يشبّّه صديقه وزميله في المهنة وشريكه في إدارة الأعمال، جاد المالح، بالفنان أحمد حلمي، لأنه هادئ في إضحاك الحضور من دون صخب، وأنيق في اختيار مفرداته، وسريع البديهة من غير تكلف. مؤخرا علا النقاش والهجوم على جاد المالح بحجة تاييده لاسرائيل، بناء على تصريحات مؤيدة لها أطلقها خلال حرب غزة، وهو ما أدى إلى الغاء حفلاته. إسحاق واكنين، مغربي مقرب من جاد المالح، رفض رفضا قاطعا في اتصال هاتفي مع "الرأي" أن يكون جاد متعاونا مع إسرائيل، وردّ معددا ما أسماها "أدلة" على براءة جاد من التهم التي وجهت إليه، قائلا: - جاد المالح مغربي قبل أن يكون يهوديا أو حتى فرنسيا، وافتخاره بمغربيته حاضر بقوة في حفلاته، وأيضا في زياراته المتكررة للمغرب، فهنا يملك منزلا، وهنا عدد من أفراد عائلته يعيشون في أمان بالدارالبيضاء حيث نشأ، فجاد مغربي منذ آلاف السنين، وأجداده ووالداه لم يجرفهم تيار الهجرة إلى إسرائيل، وبقوا في أرض الوطن إلى يومنا هذا، فماذا كان سيمنع جاد أو أسرته من الالتحاق بإسرائيل، وهو الأمر الذي لم يحدث ولن يحدث أبدا. - في كل الحفلات الكوميدية التي قدمها جاد يتحدث عن مساره كإنسان مغربي انتقل في سنه السابعة عشرة إلى الكيبيك الكندية لدراسة العلوم السياسية ليختار بعدها فرنسا لدراسة المسرح وهناك لمع نجمه ككوميدي. خلال كل هذه الحفلات، وأثناء هذا المسار لم يتحدث جاد نهائيا عن أية رحلة أو مقام في إسرائيل. - خلال مقامه بفرنسا لبى جاد دعوة التلفزيون الفرنسي اليهودي للحديث عن أعماله الفنية فقط لا أكثر، وقدم نفسه كمغربي يهودي يعيش في فرنسا، جاد لم يتنكر لمغربيته ولا تنكر ليهوديته، ولا تنكر للبلد الذي أصبح فيه نجما، وأن يكون يهوديا أو يستضاف من قبل تلفزيون يهودي في فرنسا لا يعنيان أنه متعاطف من إسرائيل. - جاد واع بشكل جيد لوضعه كيهودي مغربي يتقاسمه حبه لوطنه الأم، وحبه لرفاقه ومعجبيه المغاربة المسلمين، وصلة الدم مع أقربائه الذين انجرفوا إلى الهجرة نحو إسرائيل دون أن ينسيهم ذلك بلدهم المغرب، لأنه لم يقفل باب العودة في وجههم ولا تابعهم بتهم الجاسوسية والعمالة، ووعي جاد بهذا الأمر يجعله حريصا على التوفيق بين الطرفين، وعدم إدخال نفسه في متاهات خلقتها الصراعات الإقليمية، هذه الصراعات وقع أخيرا جاد ضحية لها خلال الزوبعة التي أثيرت ضده في لبنان، والسؤال الذي يرفض المناؤون لجاد المالح طرحه هو "هل كان القائمون على مهرجان بيت الدين الشهير سيقبلون بحضور فنان متعاون مع إسرائيل إلى أرض لبنان؟". سؤال إسحاق واكنين يجر سؤالا آخر "هل كان مناهضو التطبيع مع إسرائيل في المغرب سيلزمون الصمت ويتركون جاد المالح يصول بحفلاته ويجول بأفلامه في أجراء المملكة لو لم يكونوا متأكدين من أن جاد المالح مغربي أولا وأخيرا؟". وهنك سؤال آخر، كيف يسمح لجمال الدبوز بإحياء حفلاته الكوميدية في لبنان، ويغض الطرف عن صوره مع زوجته الفرنسية معتمرا الطاقية اليهودية أمام حائط المبكى، في حين يرفض وجود جاد المالح على اعتبار أن كل يهودي عميل لإسرائيل.