قال السيميائي سعيد بنكراد إن التوجيه الذي يخضع له الإنسان في العصر الحالي، وهو منغمس في الفضاء الرقمي، أخطر من التوجيه الذي كانت تمارسه السلطة قبل ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، لافتا الانتباه إلى أن السيبرانية لم تأت بغية تسهيل حياة الناس، بل بهدف جعلهم كائنات طيّعة ومستهلكة. جاء ذلك في لقاء حول موضوع "الرقمي بين الحرية والعبودية الجديدة" بفضاء المعرض الدولي للنشر والكتاب بمدينة الرباط حيث قال بنكراد إن الاعتقاد بأن العالم الرقمي يوفر الحرية غير صحيح، مضيفا "ليس صحيحا أن الشباب الذين يلجون إلى مواقع التواصل الاجتماعي يتحركون بحرية. كل شيء داخل هذا الفضاء محسوب بدقة، وكلما ولجه المرء يكون مراقبا من طرف برامج توجهه". وذهب بنكراد إلى القول إن "التوجيه الذي يخضع له الإنسان في العالم الافتراضي أخطر بكثير من التوجيه الذي كانت تمارسه السلطة؛ فقديما كان يمكن للسلطة أن تراقبنا في الشوارع وأماكن أخرى، لكن ظلت هناك مناطق في ذواتنا عصية على الطغاة، والآن يعرفون عنّا ما لا نعرفه عن أنفسنا، بل يعرفون حتى الميولات التي نشعر بها". ووصف السيميائي المغربي الخضوع الذي يتعرض مستعملو مواقع التواصل الاجتماعي ب"العبودية الطوعية، أي أنني أدخل إلى شبكات الاجتماعي لكي أتخلص من كل أسلحتي النقدية وأعطيهم كل بياناتي ليتصرفوا فيها وليبيعوها للشركات والمخابرات، وفي نهاية المطاف فأنا لست زبونا، بل منتوجا (produit)". وبالرغم من أن العالم الرقمي يعد ثورة أكبر من الثورات التي شهدها العالم المعاصر، فإن بنكراد، الذي كشف أنه لا يتوفر على أي حساب في مواقع التواصل الاجتماعي، يرى أن الأنترنت له جوانب سلبية عديدة، خاصة إذا لم يُحطْ مستعملُه بتوجيه سليم. وتوقف عند فكرة الذكاء الاصطناعي، مبرزا أنه سيساعد كثيرا على تقديم حلول لمعضلات في مجالات عدة كالصحة والأمن...، "غير أنه في العلوم الإنسانية سيدمر كل شيء لأنه سيحرمنا من التفكير"، على حد تعبيره. واسترسل قائلا: "الذين يدرسون اليوم في الجامعات يعرفون أن جزءا كبيرا من الأبحاث يُنجز من الفضلات التي يقدمها الذكاء الاصطناعي، بينما كان الطالب في السابق يقرأ كتابا للبحث عن معلومة". وأشار بنكراد إلى أن المخزون المعجمي لدى الطلبة في تناقص مستمر بسبب قلّة القراءة وطغيان الصورة. واعتبر أن ظهور السيبرانية، التي تعني فن التحكم في الآلة وفي الكائن البشري، كنتيجة للصراع بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي، لم تكن الغاية منها تسهيل حياة الناس، بل كانت الغاية منها "تحويل البشر إلى كائنات طيعة لا تقوم سوى باستهلاك ما يتم إنتاجه".