في أول خرجة إعلامية لها بعد أشهر أماطت أسر الضحايا الذين باتوا يعرفون ب"مغاربة ميانمار" اللثام عن طريقة تدبيرها الملف خلال الأسابيع الماضية، والتنسيق في ما بينها، وطرق أبواب المؤسسات المغربية لبحث حلول إنقاذ أبنائها من معسكرات الاحتجاز بميانمار، وأداء الفدية التي ظلت تُطالِب بها العصابةُ الواقفة وراء فعل الاحتجاز. وأوضحت الأسر، التي ظهرت عليها علامات المعاناة النفسية خلال حضورها ضمن ندوة احتضنها مقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمدينة الرباط، أنه "لم يكن من السهل الظهور بوجه مكشوف للإعلام، إذ كان ذلك منها بمثابة جرأة تخاف أن تكون لها تداعيات أمنية على سلامة ذويها المعتقلين"، مبرزة أنها "باتت مُطالبَة بأداء فدية تتراوح ما بين 7 آلاف و10 آلاف درهم مغربية بغية تحريرها أبنائها الذين يتراوح عددهم ما بين 158 و200؛ وهي أرقام غير رسمية". الخروج الإعلامي للأسر والقيام بوقفتين رمزيتين تلا مباشرة إعلان وكيل الملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، أمس الأربعاء، "فتح بحث قضائي في الموضوع عُهد به إلى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، بعد أن جرى الاستماع إلى بعض الضحايا وعائلات البعض الآخر منهم"، فضلا عن تأكيد سفير المغرب بتايلاند بدوره "متابعة السفارة عن كثب وضعية المواطنين المغاربة ضحايا تهريب البشر بميانمار". تدخل رسمي مستعجل كريم، من ذوي المحتجزين بميانمار، قال: "إن بداية الملف تعود إلى شهر نونبر الماضي، بعد علمنا كأُسر بدخول أول مغربي إلى مخيمات الاحتجاز بميانمار، غير أنه خلال تلك الفترة لم يكن هنالك تواصل في ما بيننا، ولم نكن نعرف بعضنا البعض، قبل أن ننسج علاقات ويتضح لنا أن الأمر يتعلق بعملية اتجار بالبشر واحتجاز تعرض لها أبناؤنا الذين جرى استدراجهم إلى هناك، ما يشكل جرائم عابرة للقارات". وأضاف كريم ضمن مداخلته في الندوة: "جرى بعد التنسيق الجماعي وضعُ شكايات لدى السلطات الأمنية والقضائية التي باشرت تحرياتها في ما بعد، غير أنه بعد عدم وجود تحركات رسمية في هذا الإطار لجأنا إلى منظمات إنسانية دولية ساعدتنا في تحرير أول مغربية جرى تسليمها لمنظمات أجنبية تكفلت بها في بادئ الأمر"، متابعا: "التعاون مع هذه المنظمات مكننا من أداء الفدية تقريبا عن 7 مغاربة؛ اثنان غادرا المحتجز، فيما خمسة لم يغادروه بعد رغم قيامهم بأداء المطلوب". وسجل المتحدث ذاته ما أسماها "عدم جدية من قبل السفارة المغربية ببانكوك"، مردفا: "لم تجد العائلات أي مخاطَب، فضلا عن كون الشباب الذين تم تحريرهم لم يلقوا العناية التامة اللازمة بعد نجاتهم من العصابة المتخصصة في النصب والاحتيال، قبل أن يعود المركز الدبلوماسي المغربي المذكور للإقرار بوجود الملف الذي بتنا نتحدث عنه لأسابيع، ونتمنى أن يكون هذا الإقرار مصحوبا بجدية في تصفية الموضوع". وزاد كريم: "بعد أن كنا عائلات فقط، ونتواصل بشكل غير رسمي، ارتأينا أن نقوم بتشكيل لجنة، في وقت كان منا مخاطرة أن نَظهر بالوجه المكشوف لدواع أمنية، إذ نخاف من الانتقام من ذوينا المحتجزين بعد اطلاع العصابة على تحركاتنا الإعلامية؛ فيما ستكون الخطوة المقبلة بعد اليوم هي انتظارُ ما ستُسفر عنه التحركات الرسمية المُعلنة". وجوابا عن سؤال يخص مدى استفادة المحتجزين من راتب نظير الأعمال الشاقة التي يقومون بها، بيّن المتدخل سالف الذكر أن "هنالك مغاربة استفادوا منه في الشهر الأول داخل المحتجز، قبل أن يختفي فجأة، فيما يتم أداء الفدية المطلوبة عبر نظام 'الكريبتو ماني'"، لافتا إلى أن "المغرب مطالبٌ بالضغط على الجانب الصيني والتايلاندي تزامنا مع بداية الحديث عن إمكانية ترحيل ساكنة المحتجزات إلى كمبوديا". تعذيبٌ وإكراهٌ وصعقٌ بالكهرباء سارة، عائدة إلى أرض الوطن بعد أن أمضت ثلاثة أشهر داخل المحتجز بميانمار، قالت إن "من بين الجنسيات العربية التي كانت ضمن المُحتجز اليمن ولبنان، فضلا عن محتجزين روس وأوكرانيين وطاجاكستانيين، بعد أن كانت تونسيةٌ هي الأخرى محتجزة هنالك قبل الإفراج عنها بعد أن أدت الفدية"، وزادت: "تلك المحتجزاتُ شاهدة على جرائم الاتجار بالبشر والتعذيب المفضي إلى الموت". وأضافت الشابة الناجية: "خلال مرحلة تواجدي هنالك شاهدت انتحار مواطن صيني إلى جانب شابتين صينيتين جرت تصفيتهما بدم بارد، فيما الآخرون يتعرضون للاضطهاد وسوء المعاملة؛ إذ يتم صعقهم بالتيار الكهربائي ودفعهم نحو الوقوف تحت أشعة الشمس الحارقة لمدة يوم كامل، في كل مرة لا يقومون فيها بعملهم المتعلق أساسا بالنصب على الأمريكيين تحديدا عبر الأنترنيت"، متابعة: "كنت شخصيا أتقاضى وقتها 4 آلاف دولار شهريا ووعدوني برفع هذا المبلغ بخمسمائة دولار كل شهر". ولفت المتحدثة إلى أنها تعرضت للاستدراج من قبل مغربي بتركيا خلال دراسته الماجستير في إدارة الأعمال، وهي التي تتوفر على إجازة في اللغة الفرنسية، في حين أن العصابة الميانمارية يشتغل معها مغربيان ولبناني كذلك مهمتهم الأساسية استدراج التواقين إلى الاشتغال في التجارة الإلكترونية، قبل أن تتمكن من الخروج من المحتجز بعد أن ساعدتها منظمات إنسانية. وزادت سارة: "كنا نشتغل كل يوم لمدة 12 ساعة على الأقل، وقد تصل المدة إلى 17 ساعة نقضيها مكرهين وتحت حراسة مشددة وطائلة التعذيب، وكنا نتعلم النصب على الأفراد عبر الأنترنت، بينما لم تكن بتاتا تراودنا فكرة الهروب لأن المحتجز مُسور ويتوفر على كاميرات للمراقبة ترصد كل تحركات مشبوهة". وأوردت الناجية: "لا مصطلحات وتعابير يمكنها أن تعبر عن حجم المعاناة هنالك؛ فالأمر يجسد الاتجار بالبشر في أوضح تجلياته، ونأمل اليوم أن نتمكن من تحرير المغاربة المحتجزين إلى حدود الساعة هنالك، الذين يتراوح عددهم ما بين 158 و200 مغربي جرى استدراجهم من قبل مهربين"، داعية وزارة الخارجية والمؤسسات الرسمية الوطنية إلى "التحرك بشكل مستعجل من أجل إعادتهم قبل أن يتم الانتقام منهم".