بتنظيم مشترك بين رئاسة الوزراء الماليزية ورابطة العالم الإسلامي، انطلقت، الثلاثاء في العاصمة الماليزية كوالالمبور، أعمال المؤتمر الدولي للقادة الدينيين، برعاية وحضور الداتو سري أنور بن إبراهيم، رئيس وزراء ماليزيا، ومحمد بن عبد الكريم العيسى، الأمين العام للرابطة، رئيس هيئة علماء المسلمين، إلى جانب حضور نحو 2000 شخصية دينية وفكرية من 57 دولة. وأوضح المنظمون أن "المؤتمر يأتي في إطار جهود ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي لتأسيس منصة دينية عالمية، تعزز سبل التعاون الحضاري القائم على مشتركات جامعة، وتضع خارطة طريق لترسيخ الوئام بين أتباع الأديان الذين يشكلون غالبية شعوب العالم وحل مشكلات التعايش برؤية تضامنية، مشبعة بروح المسؤولية". وفي بادرة تجسد روح المؤتمر وأهدافه، استهل المؤتمرون أعمال مؤتمرهم بوقفة تضامنية مع شهداء غزة، تلا ذلك كلمة ترحيبية للوزير في رئاسة مجلس الوزراء الماليزي السيناتور داتو حاج محمد نعيم بن حاج مختار، أشار فيها إلى أن "هذا الحضور يدل على أن دولة ماليزيا وشعبها يدعمون دائما جميع المبادرات الرامية إلى تحقيق الوحدة والوئام بين جميع أطراف شعوب العالم وأطيافه". وأعرب الوزير الماليزي عن شكره وتقديره لأمين عام رابطة العالم الإسلامي الذي تعاون مع الحكومة الماليزية لتنظيم هذا المؤتمر، لافتا إلى أن "تنظيم مثل هذا المؤتمر يعكس العلاقة الوثيقة بين رابطة العالم الإسلامي والحكومة الماليزية"، مشددا على أن بلاده ستعمل بكل حرص واهتمام على استمرار هذا التعاون في المستقبل. وبالنيابة عن الحكومة الماليزية والرابطة، رحب الوزير بضيوف المؤتمر الذين قدموا من أكثر من 57 دولة إلى جانب ماليزيا، مؤكدا أن "مشاركة القيادات الدينية والسياسيين والأكاديميين من حول العالم في هذا المؤتمر تبرهن على أن التنوع الديني لا يمنع من الجلوس معا لتحقيق الوحدة والتناغم في المجتمع". وعقب ذلك، ألقى محمد العيسى، الأمين العام للرابطة، رئيس هيئة علماء المسلمين، الكلمة الرئيسية للمؤتمر، مؤكدا أن "المؤتمر اختار مجموعة متميزة من القيادات الدينية الفاعلة في تعزيز الوئام بين أتباع الأديان، ومواجهة أفكار التطرف، وبخاصة مخاطر الصدام الثقافي والحضاري". وقال العيسى إن "عالمنا المتنوع بحاجة إلى قيادات دينية لها أثر ملموس، تسهم من خلال جهودها الصادقة والفاعلة في تعزيز سلامه ووئام مجتمعاته"، محذرا من أن "هذا الوقت يمثل زمنا حساسا مثقلا بالمتاعب والمخاطر ولا يحتمل أية لحظة إهمال أو تقصير". وبصفته أمينا عاما لرابطة العالم الإسلامي، استعرض العيسى موقف الإسلام في هذا الصدد، مؤكدا في الوقت ذاته أن "الإسلام لا يمثله إلا من يعمل بتعاليمه، وليس فيه أحد معصوم إلا نبي الإسلام، وأن الأخطاء الصادرة عن بعض المحسوبين على الإسلام تمثلهم وحدهم ولا تمثل الإسلام". واستعرض العيسى جانبا من جهود الرابطة ومؤتمراتها الدولية في تعزيز الحوار والوئام بين أتباع الأديان، مؤكدا أن "الرابطة خطت خطوات مهمة تتعلق بتعزيز الوئام بين أتباع الأديان، من خلال بناء الجسور بين الحضارات لتعزيز تفاهمها وتعاونها لتحقيق صالحها المشترك". وحذر المتحدث من "التراجع الذي يشهده العالم في سلم القيم وفي سلم عزيمته الدولية"، مضيفا أن "حرب غزة الدامية لنا فيها أكبر شاهد على فشل المجتمع الدولي في إيقاف نزيف الإبادة هناك"، مؤكدا، في هذا الخصوص، على تقدير الجهود الكبيرة والمتواصلة التي تقوم بها الدول العربية والإسلامية بقيادة المملكة العربية السعودية. وبدوره، ألقى الداتو سري أنور بن إبراهيم، رئيس وزراء ماليزيا، كلمة أكد فيها أن "المؤتمر يمثل فرصة مهمة للقادة الدينيين ليأخذوا بزمام الأمور ويقدموا النصائح، سواء على الجانب الاجتماعي أو الديني"، مشددا على أنها "لمسؤولية عظيمة، وأمانة حقيقية". وحذر رئيس الوزراء الماليزي من "الادعاءات الثقافية حول الصدام الحضاري والسياسي والتي تعمل على تقسيم البشرية"، مبينا أن "الناس سئموا من غياب العدالة"، ومضيفا: "فلندع القادة الدينيين يأخذون مكانهم الذي يستحقونه، وليكونوا أكثر تأثيرا وفاعلية". واستجابة لمقترح الأمين العام للرابطة بخصوص اعتماد هذا المؤتمر ليكون قمة سنوية تحت مسمى "قمة كوالالمبور للقادة الدينيين"، أكد رئيس الوزراء الماليزي ترحيبه بالفكرة وتقديره لها، واعتماده المؤتمر قمة سنوية تستضيفها كوالالمبور، مشددا في هذا الصدد على أنه من المهم لبلاده أن تدعم الفهم الصحيح للإسلام، وأن تدعم جميع رسائل السلام، وأن تدعم مفهوم "رحمة للعالمين" الذي جاء به الإسلام. وواصل المؤتمر مداولاته بمداخلات من القيادات الدينية والفكرية المشاركة من حول العام، في إطار محاور المؤتمر وقضاياه، ثم أصدر المؤتمرون بيانا ختاميا أكدوا فيه أن "كل إنسان مخلوق متميز في هذا الكون، وهو مشمول بالتكريم الذي لا يقبل سلبية التمييز ولا يعرف المحاباة، مهما كان دينه أو جنسه أو لونه أو عرقه".