انطلقت بالعاصمة الأذربيجانية باكو فعاليات المنتدى العالمي السادس للحوار بين الثقافات، الذي يحاول أن "يمضي قدما بالسلام العالمي والتوافق حول نبذ مختلف أشكال التعصب الطائفي وحماية التعددية الثقافية"، حسب ما أفادت به مصادر من اللجنة المنظمة لهسبريس؛ وبذلك تم التركيز في الجلسة الافتتاحية على "الحوار من أجل السلام والأمن العالميين.. التعاون والقيادة في الترابط". وفي انطلاق الحفل، الأربعاء، تم عرض مقطع فيديو يُعرّف ب"جهود الدولة الأذربيجانية في حفظ السلام العالمي"، ليتناول الرئيس إلهام علييف الكلمة بعد العرض ليقول: "نحن سعداء بعودة المنتدى الذي توقف بسبب الجائحة وما بعدها.. فهو سيواصل اعتبار نفسه منصة عالمية بالنسبة لرجال الدين والمثقفين والسياسيين وصناع القرار والصحافيين والشباب، ليتعاونوا من أجل خلق عالم أكثر أمانا"، وأورد: "لقد شهد العالم تصدعات خطيرة منذ آخر لقاء لنا". ملف للتدبير اعتبر الرئيس الأذربيجاني أن باكو تقدم "مثالا فاق التوقعات بخصوص تحقيق السلام والتضامن والتعايش داخل المجتمع الأذربيجاني"، مؤكدا أن "جميع الحساسيات التي تعيش في هذه الدولة، وتقدم عقائد مختلفة وأعراق حاضرة، هي تتنفس كأسرة واحدة، بوصفهم مواطنين داخل دولتهم التي تقوم بكل ما يلزم من أجل تعزيز الاتجاهات الإيجابية للحوار الثقافي وتدبير التنوع". وأضاف: "لدينا تجربة ممتدة في عصور سابقة، وهو ما أثمر إطلاق عملية باكو". ولفت الرئيس الأذربيجاني، الذي أعيد انتخابه في فبراير الماضي، إلى أن "الحوار بين الثقافات داخل أذربيجان تَمسك بإيجابيته حتى داخل الحياة اليومية؛ فعندما نتحدث عن التعددية الثقافية لمواطني أذربيجان، فهذا ليس متخيلا، بل هو واقع موضوعي نعيش داخله. إنه أسلوب حياتنا. ونحن فخورون بذلك، ونعتز أيضا بأننا تمكنا من حماية هذه القيم، لا سيما في هذا الوقت المضطرب من الصدامات والصراعات والحروب التي تحدث بالقرب من حدودنا". وشدد عليف، في كلمته التي ألقاها على هامش إطلاق المنتدى، على "ضرورة تقاسم هذه القيم مع العالم، وهذه هي مهمة منتدى حوار الثقافات التي يحاول من خلالها ترسيخ مسار بلد والتعبير عن التزاماته بهذا الخصوص". واسترسل مستطردا: "أنا متأكد أن نجاح أية دولة يكمن في قدرتها على تدبير القضايا الداخلية المتصلة بالاختلاف؛ لأن تهيئة مناخ يشعر فيه الجميع، مهما كان توقيعهم العقدي، بالأمان والكرامة هو ضرورة". وهو يعرض "نموذج دولة وطنية علمانية تمكنت من احتواء أصوات الجميع"، أوضح رئيس الدولة النفطية قائلا: "نتصور أنه إذا كانت السياسات المعمول بها مختلفة عن نموذج يشعر الجميع بالاحترام، فهذا سيخلق تعابيرا قبيحة من التمييز وانعدام الثقة، وفي النهاية سيؤدي إلى مطبات اجتماعية وفي كثير من الحالات سياسية، من شأنها أن تمزق أي بلد"، وقال: "تجربتنا دليل على تعبير جيد حصن شروط استمرارنا منذ الاستقلال". عالم ملتبس ميغيل أنخيل موراتينوس، الممثل السامي للأمم المتحدة لتحالف الحضارات، اختار أن يسائل مصداقية العالم أمام استمرار الحرب في أوكرانيا وفي قطاع غزة المحاصر، وقال: "نجتمع هذه السنة في وقت تسود فيه الأخبار السيئة واليأس كل يوم تقريبا"، وأفاد: "يتعين وضع حد لهذه الأزمات والصراعات، والسعي نحو إقرار السلام أفقا لهذا العالم سواء في أوروبا أو في الشرق الأوسط؛ ولذلك آمل أن تقود المفاوضات الجارية بشأن غزة إلى نبأ إيجابي ووقف الحرب". موراتينوس وهو يتحدث ثمّن الوصول إلى اتفاق بشأن ترسيم الحدود بين أريمينيا وأذربيجان، معتبرا ذلك "خطوة إيجابية هائلة، وإشارة قوية، تبعث أملا بوصول كافة القضايا العالقة ضمن الأجندة العالمية إلى حل ممكن"، ثم عاد ليتحدث عن المنتدى قائلا: "هذا الدور الطلائعي الذي يمنح الفرصة لعدد غير هين من القادة الدينيين والجهات الفاعلة، ويضع صوتهم جنبا إلى جنب مع الفاعلين الحكوميين والبرلمانيين والمنظمات الدولية والشباب مهم". ودعا الممثل السامي للأمم المتحدة لتحالف الحضارات الحاضرين إلى التأمل بعمق كلمة "حوار" الواردة في التسمية الرسمية للملتقى، وأهميتها في مجتمعات متعددة الأعراق والثقافات والأديان واللغات. فالحوار، حسب ميغيل أنخيل موراتينوس، "أصبح تعبيرا لصيقا بالسلام والأمن والتعاون والترابط. بهذا المفهوم نحن نعضد بعضنا ونمضي قدما نحو التغيير. الحوار قوة ناعمة لا يستهان بدورها في صد الصراعات وتخفيف التوترات". ولم ينكر المتحدث أن "الحوار ليس إلا توطئة تستدعي تحالفا حقيقيا من أجل السلام"، مؤكدا ضرورة "توطين فرص التعاون وتوسيع نطاقات المشاركة المجتمعية"، وقال: "أنا مقتنع بأن تعقيد التحديات العالمية اليوم يتطلب نهجا جديدا، ينهل من مختلف الحضارات الإنسانية في الشرق والغرب والشمال والجنوب، بشكل يستحضر الاختلافات، (...) وهذا ضروري لوقف التمييز المبني على الدين أو المعتقد أو العرق أو الجندر". تحديات مختلفة ضمن "الحفل الضخم" تناول الكلمة أيضا سالم بن محمد المالك، المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، الذي نبه إلى ارتفاع معدلات الفقر والوفيات في العالم إلى مستويات مقلقة، إضافة إلى تراجع إنتاج الموارد في مناطق النزاع، وضعف نماذج التربية والتعليم، قائلا: "هناك خصاص كبير في عدد الأساتذة والمدرسين، وثمة حاجة إلى ملايين المدرسين بحلول 2026، لتحقيق تعليم جيد في كل مناطق العالم". وثمّن محمد المالك التعاون مع حكومة أذربيجان ومع اليونسكو والذي "يغطي الكثير من البرامج والفعاليات والمشاريع في المجال الثقافي والتربوي وغيرها من المجالات"، وزاد: "أسلوب التعاون لم يأت من فراغ، فهو متجذر في الفهم المتبادل للتحديات المطروحة، والتعاطي مع الهموم المشتركة والطموحات المشتركة من أجل تحقيق الأهداف التي نتقاطع فيها". ومن جهتها، لفتت غابرييلا راموس، المديرة العامة المساعدة للعلوم الاجتماعية والإنسانية باليونسكو، إلى أهمية المساواة بين الجنسين لضمان حوار جيد وقوي، مبرزة أن "أصواتا عديدة لا بد من الاستماع إليها. وإذا أردنا معالجة التحديات العالمية فلا بد أن نجتمع. وحتى نقوم بذلك، نحن نحتاج إلى قيادة تتمتع بالشعور بفداحة الوضع عاطفيا. يجب ألا يغفو الشرط الإنساني المشترك في جوهر أساليبنا لمعالجة مختلف المعضلات". وشددت على أن "التحيز لم يعد محتملا" في وقت يحتاج تعاطيا مختلفا"، وأضافت: "نحتاج إلى إعادة بناء الثقة والفهم المشترك بين مجتمعاتنا، وضمان ألا يتم استغلال التنوع للتفرقة، بل يجب استثماره كقيمة مضافة واعتباره مصدرا للأمل وللابتكار". وزادت: "الحوار لا ينحصر في خانة النزاعات فحسب، بل هو أيضا وسيلة من أجل بناء السلام والتنمية المستدامة، وهذا أمر مهم للغاية". وفي ختام الحفل الذي أطلق المنتدى، المُمتد إلى غاية 3 ماي الجاري بالعاصمة الأذربيجانية باكو، ركزت زوريتسا أوروسيفيتش، المديرة التنفيذية لمنظمة السياحة العالمية، في كلمتها، على أهمية السياحة في التبادل الثقافي وفتح العقول على آفاق جديدة وتعزيز التلاقح، مؤكدة على ضرورة البحث عن أشكال وصيغ لإعادة البناء في المناطق التي تعرف نزاعات مسلحة، وفقا لمنطق السياحة لتكريس دورها.