كشفت توقعات جديدة عن تباطؤ النمو الاقتصادي إلى 2.7 في المائة خلال ثاني فصول 2024، مقابل 2.9 في المائة برسم الفصل الأول من السنة الجارية، وذلك نتيجة الانخفاض المرتقب في القيمة المضافة الفلاحية بنسبة 4.1 في المائة، رغم النمو المتوقع للقيمة المضافة للأنشطة غير الفلاحية بنسبة 3.7 في المائة، حسب التغير السنوي، خلال الفترة ذاتها. وأفادت المندوبية السامية للتخطيط، في موجز نشرة الظرفية الاقتصادية، باستمرار الطلب الداخلي محركا أساسيا للاقتصاد الوطني، إذ يرتقب أن يدعم تحسن القدرة الشرائية المترتب على انخفاض التضخم، والاعتماد المتزايد على المدخرات، زيادة في استهلاك الأسر بنسبة 2.6 في المائة خلال الفصل الثاني من السنة الجارية، فيما يرجح أن تحافظ نفقات الاستثمار على زخم نموها على خلفية زيادة الإنفاق العمومي، واستمرار تنامي استثمار الشركات في ظل انخفاض أسعار استيراد مواد التجهيز الصناعية. وفي المقابل من المتوقع أن يستمر تراجع استثمار الأسر في السكن بسبب ارتفاع تكاليف الاقتراض مقارنة بفترة ما قبل سنة 2022. وأكدت المندوبية تحقيق الاقتصاد الوطني نموا بنسبة 2.9 في المائة، حسب التغير السنوي خلال الفصل الأول من السنة الجارية، إذ واصل النشاط الاقتصادي تحسنه، رغم تراجع القيمة المضافة الفلاحية، مدعوما بشكل أساسي بدينامية القطاعات الثانوية وتعزيز الخدمات. تباطؤ معدل التضخم أشار موجز الظرفية الصادر عن مندوبية التخطيط إلى تباطؤ مؤشر أسعار المستهلك (التضخم) ليصل إلى 1.1+ في المائة خلال الفصل الأول من السنة الجارية، بانخفاض 2.7 نقط عن الفصل السابق، موضحا أن هذا التوجه ارتبط بتقلص ملحوظ في أسعار المواد الغذائية، إذ تراجعت وتيرة تطورها إلى 1.4+ في المائة على أساس سنوي، بعد أن بلغت 7.7+ في المائة خلال الفصل السابق. وربط منير المستاري، خبير اقتصادي متخصص في المالية العمومية، تباطؤ التضخم خلال الفصل الأول من السنة الجارية باستقرار أسعار المواد الغذائية في الأسواق، بعلاقة مع تراجع طفيف لأسعار الحبوب والزيوت النباتية على المستوى العالمي، موضحا أن الأشهر ثلاثة الماضية شهدت ارتفاعا مهما في واردات المواد المصنعة، إضافة إلى تأثيرات تعليق تصدير مجموعة من المنتجات الطازجة، إذ سجلت تراجعا في أسعارها في الأسواق المحلية. وأوضح مستاري، لهسبريس، أن تباطؤ التضخم يظل هشا خلال الفترة الحالية، التي تتسم بتسارع متغيرات السوقين المحلية والدولية، مؤكدا أن التوترات الجيو-سياسية العالمية تواصل تغذية ارتفاع الأسعار وتفاقم اضطرابات سلاسل الإمداد، وأن استمرار تطور الطلب الداخلي يمثل سيفا ذا حدين، إذ سيساهم في المحافظة على أسعار مواد استهلاكية في مستويات عالية، كما سيحافظ على ارتفاع كلفة الاقتراض، وتكريس لجوء الأسر إلى الاستدانة من أجل تمويل الاستهلاك. خسائر الموسم الفلاحي أظهرت المعطيات الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط انخفاض الأنشطة الفلاحية بنسبة 3.9 في المائة خلال الفصل الأول من 2024، حسب التغير السنوي، بعد ارتفاعها بنسبة 6.9 في المائة برسم الفترة نفسها من السنة الماضية، وربطت هذا التراجع بالظروف المناخية غير المواتية التي عرقلت زراعة المحاصيل الخريفية والشتوية. ويرجح أن تنخفض المساحة المزروعة بالحبوب بنسبة تقدر ب 42.5 في المائة مقارنة بمتوسط خمس سنوات، إذ اقتصرت بشكل أساسي على المناطق المواتية في سهل سايس وسهل لوكوس وجزء من سهل الغرب، فيما أثرت درجات الحرارة المرتفعة التي سجلت في منتصف يناير 2024، إلى جانب العجز في هطول الأمطار الذي بلغ 46.2 في المائة نهاية فبراير مقارنة بالفترة نفسها من الموسم الطبيعي، على نمو معظم المحاصيل خلال مراحلها الخضرية المبكرة والمتقدمة، وفق المصدر ذاته. وشددت توقعات مندوبية التخطيط على مساهمة عودة الأمطار في مارس الماضي، التي قلصت عجز التساقطات المطرية إلى حدود 20.6 في المائة متم الأشهر الستة الأولى من الموسم الفلاحي، في تحسين مردودية محاصيل الورديات والخضروات الموسمية، لكنها لن تعوض الخسائر المسجلة في المحاصيل المبكرة. تفاقم نقص السيولة سلط موجز الظرفية الاقتصادية الجديد الضوء على تسارع وتيرة نمو الكتلة النقدية خلال الفصل الأول من السنة الجارية، بارتفاع نسبته 4.4 في المائة، بعد زيادة قدرها 3.9 في المائة خلال الفصل السابق، حسب التغيرات السنوية. فيما عرفت حاجيات البنوك للسيولة ارتفاعا ملحوظا، وذلك بالموازاة مع تسارع تداول النقود الائتمانية وضعف نمو احتياطيات النقد من العملة الأجنبية. وبهذا الخصوص، أوضح محمد يازيدي شافعي، خبير اقتصادي، أن بنك المغرب رفع حجم تدخلاته في السوق النقدية من أجل إنعاش السيولة بشكل قياسي منذ بداية السنة الجارية، موضحا أن استمرار تنامي تداول الأوراق النقدية (الكاش)، وضعف قيمة التغطية من العملة الصعبة، من شأنهما مفاقمة مشكل نقص السيولة البنكية خلال الفصل الثاني والثالث من السنة الجارية، وبالتالي تزايد الحاجة إلى التمويلات الخارجية. وأضاف يازيدي شافعي، لهسبريس، أن الوضعية الحالية للسوق المالية تشجع على تحفيز القروض الموجهة لتمويل الاقتصاد، من أجل المحافظة على توازنات المالية العمومية، وضمان تدفق النقد في القطاع الخاص، خصوصا لفائدة المقاولات الصغرى والمتوسطة، مشددا على أن الفترة المقبلة ستشهد استمرار تطور قروض التجهيز وتسهيلات الخزينة بالنسبة إلى المقاولات. إلى ذلك، عزا تقرير المندوبية السامية للتخطيط زيادة القروض المقدمة للاقتصاد بنسبة 6.5 في المائة خلال الفصل الأول من السنة الجارية (5.2 في المائة خلال الفصل السابق) إلى التحسن التدريجي للقروض الخاصة بتسهيلات الخزينة بالنسبة للشركات، وتسارع قروضها الموجهة للتجهيز، بما يتوافق مع نتائج التحليل المشار إليه.