يعيش مغربنا على ظاهرة الموسمية منذ قديم الزمان. ونحن هنا لن تكلم عن موسم عبد الله بن أمغار وموسم علي بن حمدوش وغيرهما من المواسم، بل سنبقى قريبين منها و نتكلم عن الاسترزاق الموسمي، حيث تنشط الحركة الاقتصادية لمنطقة ما أو منتج ما، بحلول موسم ما! لنحاول توضيح ظاهرة غريبة وإعطائها بعض الشرعية الزائفة، و هي ظاهرة الدكاكين الانتخابية، "كاراجات" الأحزاب الموسمية. "" فجميع الأحزاب بدون استثناء تعمد خلال "موسم" الانتخابات إلى اكتراء "محلات" لا تستحي أن تكتب عليها مقر الحملة الانتخابية، معلنة بذلك للجميع بأن "المحل" سيقفل بعد "الموسم". لكن ما لا تعرفه الأحزاب أن الدكان لا يقفل بانتهاء "سبع يام لباكور" الحزبية، بل هناك مواسم أخرى سيفتح فيها. فبحلول شهر رمضان تفتح الدكاكين أبوابها "لمالين شْبَّاكية" و قبل عيد الأضحى تعود نفس الدكاكين لفتح أبوابها هذه المرة في وجه بائعي الغنم و مع حلول عاشوراء تفتح أبوابها من جديد "لمالين شْريحة" و لُعب الأطفال، كل واحد منهم يقضي مدة موسمه و يرحل عن الناس ضاربا لهم الموعد في الموسم المقبل و هو الشيء نفسه الذي تقوم به الأحزاب. فأين الغريب في الأمر؟ الغريب أن لا أحد يستغرب هذا الفعل عندما يصدر عن الباعة سابقي الذكر، لكن الجميع يستنكر فعل الأحزاب و يطالبهم بالعمل خارج موسمهم، وهذا خطأ في نظري، فهم جاؤوا لعرض بضاعتهم الموسمية و من حقهم أيضا أن "يترزقو الله" كما يفعل أصحاب المواسم التي تأتي بعدهم. فالمسألة لا تعدو أن تكون تجارة يحكمها مبدأ الربح و الخسارة، و سيكون من الخسارة بيع بضاعة في غير موسمها، و كذالك الشأن بالنسبة للأحزاب، فهي تبيع نفسها خلال الحملة الإنتخابية في تلك الدكاكين الوضيعة التي لا تُضاء فيها الأنوار إلا في المواسم كما هو حال الأضرحة. ما يعجبني في المغاربة أنهم يحسنون لعب دور "الدمدومة" الساذج الذي يسهل خداعه، في حين يستغلون فتح الحزب للدكان ويستغفلون أصحابه، فيقصدونه لشرب الشاي و ازدراد الحلوة متظاهرين بالإصغاء للخطب العصماء من ممثلي الأحزاب، قبل أن يذهبوا إلى دكان آخر يستمعون فيه و يستمتعون. الأحزاب تضن أنها تستقطب المصوتين بخطبها و برامجها الانتخابية، في حين أن أغلب الحاضرين يأتي بهم "كعب غزال" و "غْرَيْبَة". و في الحقيقة هذا الأمر يحسب للأحزاب لا عليها، فهي لم تعد تعطي للمواطن "الهدرة" فقط، بل أصبحت تنفق عليه بعض المال، حتى تلك التي تدعي أنها لا تشتري الأصوات أخذت تنهج نفس المنوال، و بالتالي لا يخرج المواطن من هذا المهرجان "بكبوطه" فقط. يرى أغلب المواطنين أن فترة الحملة الانتخابية قصيرة جدا، ليس لأنها غير كافية لمعرفة برامج الأحزاب كلها و لكنها غير كافية لزيارة جميع دكاكين "الموسم" و أخد "الباروك" منها. يقول أحد "المقلوب عليهم القفة" أن هذه وصمت عار في جبين الأحزاب التي تحترم نفسها، فعمل الحزب ليس موسميا كعمل "مول الشباكية" بل إن دوره هو تأطير المواطنين و التواجد معهم طوال السنة، أما أنا فأرى أن الأحزاب المغربية قامت بدورها على أحسن وجه و رسخت مبدأ العمل الموسمي الذي هو أساس سياستها، فأصبحت "الخدمة" إما موسمية أو منعدمة. فمن قال أن الأحزاب لم تنجح في تخليق المجتمع؟ [email protected]