قبل 1912 لم يكن امتلاك العبيد في بلادنا حراما ولا ممنوعا، والدليل على ذلك انتشار أسواق النخاسين في كل مكان، لماذا تم تحريم استعباد البشر اليوم؟ لماذا تم تحريم ما لم يُحرم بنص صريح من القرآن والسنة؟ الجواب بسيط: لأن الزمن تغير والعالم تبدل والقيم والأخلاق والعادات والتقاليد لا تتجمد أبدا مهما كانت قوة وعدد الرجعيين المدافعين عن العتيق منها. المرأة في الجاهلية وفي فجر الإسلام ليست هي المرأة في القرن الواحد والعشرين، كان الأب والزوج والأخ وحتى الابن مُعيليها (من ثم كلمات العيال والعيالات والعواول وغيرها) المرأة اليوم في المغرب تنفق وتعيل الأسرة وتساهم في الحياة المدنية وفي تسيير البلاد سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، والنصوص الدينية القديمة خصت المرأة في فجر الإسلام بمجموعة من القوانين والتشريعات لا تنسجم مع عصرنا اليوم. تماما كما لم تعد العبودية مقبولة، حتى ولو أنها مستقوية بالنصوص القطعية. نحن اليوم أمام حالات قهر للمجتمعات الإسلامية بطرق مختلفة، منها بلدان سيطر فيها رجال الدين على الحكم فتمّ إخضاع المجتمعات فيها لِما قطعت به النصوص القديمة، مثلما هو جار اليوم في أفغانستان أو إيران أو غيرها. ومنها بلدان تعاني من قوة المتطرفين فيها، فتجد الدولةُ نفسَها خاضعة لابتزازهم وتهديداتهم لأنهم يستطيعون تحريك الشارع والمجتمع نحو العصيان وقلب نظام الحكم، وهو الأمر الذي تعرفه بعض بلدان الخليج وباكستان والسودان وغيرها. ومنها أخيرا مجتمعات ذات توازن مقبول بين قوة الدين ومقاومة المجتمع المتحضر، حيث لا تستطيع الدولة أن تقحم نفسها في صدام صريح مع المجتمع التقليدي لكنها تفرض عليه منطق التحول والمعيار الإنساني العالمي خارج الحدود، ومن ذلك مثلا، المغرب وتونس (قبل 2011). أعداء المرأة المغربية يُحصَوْن بالملايين، لأن جزءا من النساء يصطفّ إلى جانبهم. هذا عددا، أما نوعاً، فهم المنافقون الذين يقولون ما لا يفعلون، الذين يملؤون الدنيا ضجيجا في الحلال والحرام وهم لا يزيلون حجرا من الطريق. هم البيدوفيليون الذين يعشقون إيلاج الطفلة بمجرد احتمال الوطء سواء أكانت بنت التسعة أو الثمانية عشرة، هم الساديون الذين يعشقون الدم فيتخيلون حور العين في الجنة دائمات العذرية يخلُف الله بكاراتِهن بعد كل شهوة، ومنهم أهل المال الذين يتزوجون العذراء ليوم واحد بملايين الملايين. لو سألنا الفقيه السياسي المغربي أن يعطينا رأيه الحقيقي دون خوف من تهمة التطرف في بعض الأمور التشريعية لكان جوابه الصادق كالتالي: يجب إحياء الحدود كما في النصوص القطعية، هذا كلام الله المنزل الذي لا تبديل فيه، تُقطع يد السارق وتُفقأ عين الفاقئ وتؤخذ روح القاتل، ومن ملك عبدا فلا تتريب عليه إلا إذا أراد عتقه وهذا أمر مستحب وواجب، ومن شاء أن يستر طفلة صغيرة فليحفظ عرضها بالزواج، ومنها ألا يطأها إلا مع علامات البلوغ، وأما المرتد عن دين الله فيقام عليه الحد. والذي يسب الرسول يقتل حالا ولا يستثاب ولا يدفن في مقابر المسلمين. نعم هذه هي أجوبة أهل السنة المتشددين لو كانت أيديهم غير مغلولة بقوة القانون اليوم. مثل هذا الفقيه لا يستطيع أن يجهر بحب الشرع والشريعة وبما يخفيه في باطنه وما يداريه أتباعُه وأتباع الأحزاب والجماعات التي تتاجر بالدين وتزايد به على المغاربة وتهدد بالخروج ملايينَ تزلزل الشوارع والبيوت. ولو لم يكن بيننا وبين هؤلاء سدٌّ كَسدِّ ذي القرنين، لفتكوا بحياتنا الهادئة المتسامحة المتحضرة، وربما قفزوا بنا خطوات إلى وراء الوراء في عمق ما قبل الجاهلية.