الزِّنا : هو وطءُ الرَّجلِ للمرأة التي لا تَحِلُّ له . : الزنا من أعظم الحرام وأكبر الكبائر ، وقد توعد الله المشركين والقتلة بغير حق والزناة بمضاعفة العذاب يوم القيامة والخلود فيه صاغرين مهانين لعظم جريمتهم وقبح فعلهم ، كما قال الله سبحانه : وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فعلى من وقع في شيء من ذلك التوبة إلى الله سبحانه وتعالى التوبة النصوح ، واتباع ذلك بالإيمان الصادق والعمل الصالح ، وتكون التوبة نصوحا إذا ما أقلع التائب من الذنب ، وندم على ما مضى من ذلك ، وعزم عزما صادقا على أن لا يعود في ذلك ، خوفا من الله سبحانه ، وتعظيما له ، ورجاء ثوابه ، وحذر عقابه ، قال الله تعالى ك وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى فالواجب على كل مسلم ومسلمة أن يحذر هذه الفاحشة العظيمة ووسائلها غاية الحذر ، وأن يبادر بالتوبة الصادقة مما سلف من ذلك ، والله يتوب على التائبين الصادقين ويغفر لهم .
ومما يدل على عظم شأن الزنا أن الله سبحانه خص حده من بين الحدود بخصائص ،
قال ابن القيم ، : (( وخص سبحانه حد الزنا من بين الحدود بخصائص )) :
أحدها : القتل فيه بأشنع القتلات ، وحيث خففه جمع فيه بين العقوبة على البدن بالجلد ، وعلى القلب بتغريبه عن وطنه سنة
الثاني : وهذا وإن كان عاماً في سائر الحدود ، ولكن ذكر في حد الزنا خاصة لشدة الحاجة إلى ذكره ؛ فإن الناس لا يجدون في قلوبهم من الغلظة والقسوة على الزاني ما يجدونه على السارق والقاذف وشارب الخمر ؛ فقلوبهم ترحم الزاني أكثر مما ترحم غيره من أرباب الجرائم ، والواقع شاهد بذلك ؛ فنهوا أن تأخذهم هذه الرأفة وتحملهم على تعطيل حد الله .. وسبب هذه الرحمة : أن هذا الذنب يقع من الأشراف والأوساط ، والأرذال ، ووفي النفوس أقوى الدواعي إليه ، والمشارك فيه كثير ، وأكثر أسبابه العشق ، والقلوب مجبولة على رحمة العاشق ، وكثير من الناس يعد مساعدته طاعة وقربة ، وإن كانت الصورة المعشوقة محرمة عليه ، ولا يستنكر هذا الأمر ؛ فإنه مستقر عند من شاء الله من أشباه الأنعام
الثالث :وأيضاً فإن هذا ذنب غالباً ما يقع مع التراضي من الجانبين ؛ ولا يقع فيه من العدوان والظلم والاغتصاب ما تنفر النفوس منه ، وفيها شهوة غالبة له ، فيصور ذلك لها ، فتقوم بها رحمة تمنع من إقامة الحد ، وهذا كله من ضعف الإيمان وكمال الإيمان أن تقوم به قوة يقيم بها أمر الله ، ورحمة يرحم لها المحدود ؛ فيكون موافقاً لربه تعالى في أمره ورحمته
الرابع:أنه سبحانه أمر أن يكون حدهما بمشهد من المؤمنين ، فلا يكون في خلوة بحيث لا يراهما أحد، وذلك أبلغ في مصلحة الحد ، وحكمة الزجر !!
ومما يحسن التنبيه عليه في هذا الشأن : أن فاحشة الزنا تتفاوت بحسب مفاسدها ؛ فالزاني والزانية مع كل أحد أشد من الزنا بواحدة أو مع واحد ، والمجاهر بما يرتكب أشد من الكاتم له ، والزنا بذات الزوج أشد ن الزنا بالتي لا زوج لها ؛ لما فيه من الظلم ، والعدوان عليه ، وإفساد فراشه ، وقد يكون هذا أشد من مجرد الزنا أو دونه
والزنا بحليلة الجار أعظم من الزنا ببعيدة الدار ، لما يقترن بذلك من أذى الجار ، وعدم حفظ وصية الله ورسوله
وكذلك الزنا بامرأة الغازي في سبيل الله أعظم إثماً عند الله من الزنا بغيرها ، ولهذا يقال للغازي : خذ من حسنات الزاني ما شئت
وكذلك الزنا بذوات المحارم أعظم جرماً ، واشنع ، وأفظع ؛ فهو اللهك بعينه
وكما تختلف درجات الزنا بحسب المزني بها ، فكذلك تتفاوت درجاته بحسب الزمان والمكان ، والأحوال ؛ فالزنا في رمضان ليلاً أو نهاراً أعظم إثماً منه في غيره ، وكذلك في البقاع الشريفة المفضلة هو أعظم منه فيما سواها
وأما تفاوته بحسب الفاعل : فالزنا من المحصن أقبح من البكر ، ومن الشيخ اقبح من الشاب ، ومن العالم أقبح من الجاهل ، ومن القادر على الاستغناء أقبح من الفقير العاجز
وقد يقترن بالفاحشة من العشق الذي يوجب اشتغال القلب بالمعشوق ، وتأليهه ، وتعظيمه ، والخضوع له ، والذل له ، وتقديم طاعته وما يأمر به على طاعة الله ، ومعاداة من يعاديه ، وموالاة من يواليه ، ما قد يكون أعظم ضرراً من مجرد ركوب الفاحشة
أحكام الزنا في الاسلام :
1 مفاسد الزنا : الزنا حرامٌ ، وهو من كبائر الذُّنوب ، حتى إن الله عزَّ وجلَّ قد قَرَنَهُ مع الشرك بالله والقتل في قوله تعالى : (( والذينَ لا يَدْعونَ معَ اللهِ إِلهاً آخرَ ولا يَقتُلونَ النَّفسَ التي حرَّمَ اللهُ إلا بالحقِّ ولا يَزْنونَ ، ومَنْ يفعلْ ذلكَ يَلْقَ أَثاماً * يُضاعَفْ لهُ العذابُ يومَ القيامةِ ويَخْلُدْ فيهِ مُهاناً * إلا مَنْ تابَ وآمنَ وعَمِلَ عملاُ صالحاً فأُولئكَ يبدَّلُ اللهُ سيئاتِهم حسناتٍ وكانَ اللهُ غفوراً رحيماً )) الفرقان 68 – 70 .
والزنا فعلٌ يُسيء للمجتمع أشدَّ الإساءة فهو يؤدي لاختلاط الأنساب ، وينتهي إلى خراب البيوت وهو من أكثر العوامل التي تدفع إلى الجريمة ، فكم من جنين أُجهض لأنه كان ثمرةً للزنى ! وكم من بنت قُتلت دفاعاً عن شرف العائلة وسُمعتها ! وكم من زوج قَتَلَ زوجتَهُ أو عشيقها أو قتلهما معاً ، وكم من زوجة قتلت زوجها وعشيقته أو قتلتهما معاً انتقاماً للخيانة الزوجية !
وقد تحدث الإمام ابن القيم عن مفاسد الزنى فقال رحمه الله تعالى : ( والزنا يجمع خلال الشرِّ كلها ، من قلة الدين وذهاب الوَرَع ، وفساد المروءة وقلة الغَيرة ، فلا تجد زانياً معه ورع ولا وفاء ولا صدق في حديث ولا محافظة على صديق ولا غيرة تامة على أهله ! ومن موجباته غضب الربِّ بإفساد حرمة عياله ، ومنها سواد الوجه وظلمته وما يعلوه من الكآبة والمقت ، ومنها ظلمة القلب وطمس نوره .. ومنها أنه يذهب حرمة فاعله ، ويسقط من عين ربه ومن أعين عباده ، ومنها أن يسلبه أحسن الأسماء ويعطيه أضدادها ، ومنها ضيق الصدر وحرجه ، فإن الزناة يعامَلون بضدِّ قصدهم ، فإنَّ من طلب لذة العيش وطيبه بما حرَّمه الله عليه عاقبه بنقيض قصده ، فإن ما عند الله لا يُنال إلا بطاعته ، ولم يجعل الله معصيته سبباً إلى خير قطّ )(1)
وقد باتت المجتمعات التي حادت عن طريق الهدى تعاني اليوم أشدَّ المعاناة من انتشار فاحشة الزنى ، بعد أن انهارت هناك الأعرافُ الأخلاقيَّةُ ، ناهيك عن الأعراف الدينية ! وصدق رسولُ الله e الذي أخبر عن هذه الحال المُزْريَةِ التي تردَّى فيها كثيرٌ من أمم الأرض ، فقال : ( لا تقومُ السَّاعةُ حتى يَتَسافَدوا في الطريق تَسافُدَ الحميرِ ، قلتُ : إنَّ ذلك لكائنٌ ؟! قال : نعم ليكونَنَّ )(2)
ولهذه الأسباب نجد المجتمعات التي حادَتْ عن فطرة الله عزَّ وجلَّ ، وانطلقت وراء شهواتها بلا ضابط من دين ولا أخلاق ، قد باتت اليوم تعاني من الضُّمور السُّكاني ، وأمست مهدَّدةً بالانهيار وربما الانقراض ، بسبب العزوف عن الزواج ، والسعي لإشباع الغريزة الجنسية بالحرام بعد أن فقدت الثقة هناك بين الأزواج والزوجات !
( الحواجز التي يمكن أن تحول ما بين الإنسان والوقع في فواحش )
- خشية الله
- الانهماك في العمل والرياضة
- الخوف من الوالدين والأقارب والمعارف
- الخوف من حدوث الحمل
- الخوف من الأمراض الجنسية
- الخوف من الفضيحة
- الخوف من عقوبة القانون
- الفواحش
2 درجات الزنا : والزنا ليس درجة واحدة بل هو درجات بعضها أشد من بعض ، فالزنى بالمحارم هو أشد أنواع الزنى ، وفيه يقول النبي e : ( مَنْ وَقَعَ على ذاتِ محرمٍ فاقتلوه )(4) ، والزنا بذات الزوج أعظم من الزنا بمن لا زوج لها ، إذ فيه انتهاك لحرمة الزوج وتعليق النَّسَب عليه ، فإن كان الزوج جاراً للزاني كان الذَّنْبُ أعظمَ لانضمام الإساءة إلى الجوار ، فإن كان الجارُ قريباً انضمَّ إليه قطيعة الرَّحم فإن كان الجارُ غائباً في طاعةٍ أو طلبِ علمٍ أو جهادٍ ونحوه كان الإثمُ أعظمَ ، فإن كان في الأشهُر الحُرُم أو البلد الحَرام تضاعف الإثمُ !
3 الدفاع عن العِرْض :
ونظراً لما يترتب على الزنا من مفاسد عظيمة فإنَّ الموتَ دفاعاً عن العرض هو كالشَّهادة في سبيل الله عزَّ وجلَّ ، كما بيَّن النبيُّ e ، فقال : ( من قُتل دون أهله فهو شهيد )(5) ويجب على المرأة أن تدافع عن عرضها إن أمكنها ذلك ، ولا يجوز لها أن تُمَكِّنَ من نفسها أحداً إلا زوجَها ، ولو أدى دفاعُها عن نفسها إلى قتلها ، ولها أن تقتل من يعتدي عليها إذا لم تستطع دفعه بغير القتل ، وإن قتلتْهُ كان دَمُهُ هَدْراً ، وعلى الرجل إذا رأى أحداً يعتدي على امرأة أن يدفعه ولو بالقتل ولا قصاص عليه في ذلك ولا دية(6) ، لأن الأعراضَ حرماتٌ للهِ عزَّ وجلَّ لا يجوز أباحتُها بأيِّ حال من الأحوال .
4 الزنا الموجب للحدّ : هو الوطء المحرم الذي يكون في غير مُلك الواطئ ، وركنه التقاء الختانين ومواراة الحشفة أو رأس الذكر ( Glans ) أي تحقق الإيلاج والوطء ، ولا يشترط الإنزالُ ولا الانتشار عند الإدخال ، فيجب عليه الحدُّ سواء أّنْزَلَ أم لم يُنْزِل ، انتشر ذَكَرُه أم لا ، ويشترط فيه أيضاً(7) :
* العقل : فلا حدَّ على المجنون ومَنْ في حكمه .
* البلوغ : فلا حدَّ على الصبيِّ والبنت اللذين لم يبلغا بعد .
* تعمُّد الوطء : أي أن يرتكب الزاني الفعل وهو يعلم أنه يطأ امرأة محرَّمة عليه ، أو أن تُمَكِّنَ الزَّانيةُ من نفسها وهي تعلم أن من يطأها مُحَرَّم عليها ، فلا حدَّ على الجاهل والناسي كما يُعذر الجاهل بتحريم الزنا إن كان قريب عهدٍ بالإسلام ، أو نشأ بعيداً عن العلماء ، أما السَّكرانُ المُتَعَدِّي بسُكْرِهِ إذا زنى فقد اتفق الفقهاء أنه يقام عليه الحدُّ .
* انتفاء الشبهة : عملاً بقاعدة درء الحدود بالشبهات .
* عدم الإكراه : بأن يكون الزاني والزانية مُخْتارَيْن غير مُكْرَهَيْن ، وهذا عند الشافعية والحنفية ، وأما الحنابلة والمالكية فقد ذهبوا إلى أنَّه يجب الحدُّ على الرجل المُكْرَه ، لأن الزنى لا يتحقق من الرجل عادةً بغير طواعية واختيار منه ، لأن الفعل يحتاج من الرجل انتصاب ( Erection ) القضيب ، وهذا يتعذَّر فعلُهُ بغير طواعية ، وكذلك المرأة المُكْرَهَةُ على الزنا فقد أوجب المالكية في مشهور مذهبهم الحدَّ عليها أيضاً
* أن تكون المواطئةُ حيَّةً : فلا يجب الحدُّ عند الجمهور بوطء الميتة ، إلا المالكية فيجب الحدُّ عندهم بوطء الميتة سواء كان في دبرها أو في قبلها ، واستثنوا منه الزوج فلا يُحَدُّ عندهم بوطء زوجته الميتة .. ويجب حدُّ الزنا على من أتى امرأةً أجنبيَّةً في دُبُرها أيضاً ( الجمهور وصاحبا أبي حنيفة ) وخصَّ الشافعيةُ الحدَّ بالفاعل فقط ، أما المفعول بها فإنَّها تُجلد وتُغَرَّب مُحْصَنَةً كانت أم غير محصنة ، واشترط أبو حنيفة أن يكون الوطءُ في القُبُل ، وإلا يكفي التعزير .
5 حدُّ الزنا : نظراً لما يترتب على الزنا من انتهاكٍ للأعراض ، واختلاط في الأنساب ، وخراب للبيوت ، وتهديد للمجتمع بالانهيار كما بيَّنا ، فقد كان حدُّ الزنا هو الرَّجْمُ بالحجارة حتى الموت ، وعلى مشهدٍ من الناس بقصد الردع ، هذا إذا كان الزاني مُحْصَناً ، سواء كان رجلاً أم امرأة ، أما الزاني البكر غير المحصن فحدُّه مائة جلدة ، سواء كان ذكراً أم أنثى ، لما جاء في قوله تعالى : (( الزَّانيةُ والزَّاني فاجلِدوا كلَّ واحدٍ منهما مائةَ جلدةٍ ، ولا تأخذْكُمْ بهما رأفَةٌ في دينِ اللهِ إنْ كنتم تؤمنونَ باللهِ واليومِ الآخرِ وليشهدْ عذابَهُما طائفةٌ من المؤمنين )) النور 2 ، واختلف الفقهاء في تغريب الزاني عاماً أو حبسه على أقوال لهم لا مجال لبسطها هنا .
ويحصل الإحصان الموجب للرجم في الزنى بتوافر الشروط الآتية : البلوغ والعقل والحرية والإسلام والوطء في نكاح صحيح ، ولا يشترط الفقهاء إحصان كل من الزانيين ، فإن كان أحدهما محصناً والآخر غير محصن ، رُجم المحصن ، وجُلد غير المحصن .
ويثبت الزنا بشهادة أربعة شهداء ، أو إقرار الزاني إقراراً صريحاً لا لَبْسَ فيه ، أو وجود قرينة أكيدة تدلُّ على الزنا ، ولا يُعدُّ الحملُ قرينةً أكيدةً على الزنا عند جمهور الفقهاء لاحتمال أن يكون الحملُ نتيجةَ وطءٍ بالإكراه أو أيَّة شُبهة أخرى تَدْفَعُ الحدَّ ، إلا إذا أقَرَّت الحاملُ نفسها بالزنا صراحةً فإنه يثبت عليها ويقام عليها الحدُّ بعد أن تضع حملها
ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن حد الزنا المفضي إلى الموت ينفذ حتى على البييضة التي تلقح بأكثر من نطفة واحدة ، وهذا ما لاحظه علماء الأجنة ، فإن كل بييضة يباشرها نطفتان أو أكثر مآلها اللهاك هي والنطاف التي باشرتها ، مما يشير إلى أن سنة الله عزَّ وجلَّ هي سنة عامة تسري على كل من يخالف فطرة الله في الخلق .. ولله في خلقه شؤون !
بيان لمفاسد الزنا والخيانه:
1- الزنا يجمع خلال الشر كلها من : قلة الدين ، وذهاب الورع ، وفساد المروءة ، وقلة الغيرة ، ووأد الفضيلة
2 يقتل الحياء ويلبس وجه صاحبه رقعة من الصفاقة والوقاحة
3 سواد الوجه وظلمته ، وما يعلوه من الكآبة والمقت الذي يبدو للناظرين
4 ظلمة القلب ، وطمس نوره
5 الفقر اللازم لمرتكبيه ، وفي أثر يقول الله تعالى : (( أما مهلك الطغاة ، ومفقر الزناة)
6 أنه يذهب حرمة فاعله ، ويسقطه من عين ربه وأعين عباده ، ويسلب صاحبه اسم البر، والعفيف ، والعدل ، ويعطيه اسم الفاجر ، والفاسق ، والزاني ، والخائن
7 الوحشة التي يضعها الله في قلب الزاني ، وهي نظير الوحشة التي تعلو وجهه؛ فالعفيف على وجهه حلاوة ، وفي قلبه أنس ، ومن جالسه استأنس به ، والزاني بالعكس من ذلك تماماً
8 أن الناس ينظرون إلى الزاني بعين الريبة والخيانة ، ولا يأمنه أحد على حرمته وأولاده
9 ومن أضراره الرائحة التي تفوح من الزاين ، يشمها كل ذي قلب سليم ، تفوح من فيه ، ومن جسده
10 ضيقة الصدر وحرجه ؛ فإن الزناة يعاملون بضد قصودهم ؛ فإن من طلب لذة العيش وطيبه بمعصية الله عاقبه الله بنقيض قصده ؛ فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته ، ولم يجعل الله معصيته سبباً إلى خير قط
11 الزاني يعرض نفسه لفوات الاستمتاع بالحور العين في المساكن الطيبة في جنات عدن
12 الزنا يجرئ على قطيعة الرحم وعقوق الوالدين ، وكسب الحرام ، وظلم الخلق ، وإضاعة الأهل والعيال وربما قاد إلى سفك الدم الحرام ، وربما استعان عليه بالسحر والشرك وهو يدري أو لا يدري ؛ فهذه المعصية لا تتم إلا بأنواع من المعاصي قبلها ومعها ، ويتولد عنها أنواع أخرى من المعاصي بعدها ؛ فهي محفوفة بجند من المعاصي قبلها وجند من المعاصي بعدها ، وهي أجلب شيء لشر الدنيا والآخرة ، وأمنع شيء لخير الدنيا والآخرة
13 الزنا يذهب بكرامة الفتاة ويكسوها عاراً لا يقف عندها ، بل يتعداها إلى أسرتها ؛ حيث تدخل العار على أهلها، وزوجها ، وأقاربها ، وتنكس به رؤوسهم بين الخلائق
14 أن العار الذي يلحق من قذف بالزنا أعلق من العار الذي ينجر إلى من رمي بالكفر وأبقى ؛ إلا إن التوبة من الكفر على صدق القاذف تذهب رجسه شرعاً ، وتغسل عاره عادة ، ولا تبقي له في قلوب الناس حطة تنزل به عن رتبة أمثاله ممن ولدوا في الإسلام، بخلاف الزنا ؛ فإن التوبة من ارتكاب فاحشته وإن طهرت صاحبها تطهيراً ، ورفعت عنه المؤاخذة بها في الآخرة يبقى لها أثر في النفوس ، ينقص بقدره عن منزلة أمثاله ممن ثبت لهم العفاف من أول نشأتهم وانظر إلى المرأة ينسب إليها الزنا كيف يتجنب الأزواج نكاحها وإن ظهرت توبتها ؛ مراعاة للوصمة التي أُلصقت بعرضها سالفاً ، ويرغبون أن ينكحوا المشركة إذا أسلمت رغبتهم في نكاح الناشئة في الإسلام 0
15 إذا حملت المرأة من الزنا ، فقتلت ولدها جمعت بين الزنا والقتل ، وإذا حملته على الزوج أدخلت على أهلها وأهله أجنبياً ليس منهم ، فورثهم ورآهم وخلا بهم ، وانتسب إليهم وهو ليس منهم إلى غير ذلك من مفاسد زناها
16 أن الزنا جناية على الولد ؛ فإن الزاني يبذر نطفته على وجه يجعل النسمة المخلقة منها مقطوعة عن النسب إلى الآباء ، والنسب معدود من الروابط الداعية إلى التعاون والتعاضد؛ فكان الزنا سبباً لوجود الولد عارياً من العواطف التي تربطه بأدنى قربى يأخذون بساعده إذا زلت به فعله، ويتقوى به اعتصابهم عند الحاجة إليه ،، كذلك فيه جناية عليه ، وتعريض به ؛ لأنه يعيش وضيعاً في الأمة ، مدحوراً من كل جانب ؛ فإن الناس يستخفون بولد الزنا ، وتنكره طبائعهم ، ولا يرون له من الهيئة الاجتماعية اعتباراً ؛ فما ذنب هذا المسكين ؟ وأي قلب يحتمل أن يتسبب في هذا المصير؟!
17 زنا الرجل فيه إفساد المرأة المصونة وتعريضها للفساد والتلف
18 الزنا يهيج العداوات ، ويزكي نار الانتقام بين أهل المرأة وبين الزاني ، ذلك أن الغيرة التي طبع عليها الإنسان على محارمه تملأ صدره عند مزاحمته على موطوءته ، فيكون ذلك مظنة لوقوع المقاتلات وانتشار المحاربات ؛ لما يجلبه هتك الحرمة للزوج وذوي القرابة من العار والفضيحة الكبرى ، ولو بلغ الرجل أن امرأته أو إحدى محارمه قتلت كان أسهل عليه من أن يبلغه أنها زنت قال سعد بن عبادة (( لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح )) فبلغ ذلك رسول الله فقال : (( أتعجبون من غيرة سعد ! والله لأنا أغير منه ، والله أغير مني ؛ ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن )) [ أخرجه البخاري ومسلم ]
19 للزنا أثر على محارم الزاني ، فشعور محارمه بتعاطيه هذه الفاحشة يسقط جانباً من مهابتهن كما مر ويسهل عليهن بذل أعراضهن إن لم يكن ثوب عفافهن منسوجاً من تربية دينية صادقة بخلاف من ينكر الزنا ويتجنبه ، ولا يرضاه لغيره ؛ فإن هذه السيرة تكسبه مهابة في قلوب محارمه ، وتساعده على أن يكون بيته طاهراً عفيفاً
20 للزنا أضرار جسيمة على الصحة يصعب علاجها والسيطرة عليها ، بل ربما أودت بحياة الزاني ، كالإيدز ، والهربس ، والزهري ، والسيلان ، ونحوها
21 الزنا سبب لدمار الأمة ؛ فقد جرت سنة الله في خلقه أنه عند ظهور الزنا يغضب الله عز وجل ويشتد غضبه ، فلا بد أن يؤثر غضبه في الأرض عقوبة قال ابن مسعود : (( ما ظهر الربا والزنا في قرية إلا أذن الله بإهلاكها ))