جاؤوا إليها وزادهم أحلام صغيرة، وغادروها عائدين من حيث أتوا وفي حقيبتهم وعودا كبيرة. إنها قصة المنسيين العائدين من هولندا إلى المغرب. شكرا هولندا. ليتنا لم نفعل. "" وبعد، أعادت ذكرى توقيع اتفاقية العمل الثنائية بين هولندا والمغرب في 14 من أيار/مايو 1969، إلى الواجهة تاريخ هجرة المغاربة نحو هولندا. وبهذه المناسبة صدرت كتب، تنظم أنشطة ثقافية، تعرض أفلام وثائقية، وتقام معارض ثابتة ومتنقلة. في بلدية دينهاخ (لاهاي) يقام معرض بالأبيض والأسود عن مغاربة في عنفوان الشباب. تراهم يعملون في مصانع، وعلى وجوههم ابتسامات الأمل. أو مستلقون في بينسيون‘ (مأوى جماعي) وكأنهم في قاعة ترانزيت‘ يستعدون لرحلة أخرى. صور تمثل عائلات في البيت. المرأة بلا غطاء رأس وتنورة قصيرة. والزوج بجانب التلفاز بشعر طويل وكأنه المغني الشهير جيمي هاندريكس. كانوا شبابا مقبلين على الحياة، صاروا الآن شيوخا مدبرين عنها. ماذا تغير؟ إنه الزمن الذي تغير. أما هم فما زالوا يحلمون. رومانسية هولندا في مخيال المغاربة كانت جذابة، فاتنة، مفتوحة، حاضنة، رومانسية. "لماذا لا تجرب الذهاب إلى هولندا؟ العمل فيها متوفر وأهلها لطفاء". كان هذا ما يسمعه المغاربة في قراهم القاحلة، الطاردة وهم يحلمون بالهجرة. "كان شخص من مدينتنا يحكي لنا حكاية فريدة كلما عاد من ميناء روتردام. كان بحارا، وكانت حكاياته عن هولندا تدغدغ الخيال والأحاسيس. قال لنا ذات مرة: حتى الحليب في هولندا بالمجان! ذات يوم حط بي عصا الترحال في إحدى مدن هولندا، وأول ما شاهدته في أول صباح لي هنا، قنينتين من الحليب أمام إحدى البيوت. أخذت القنينتين ورجعت بهما إلى البيت. فالحليب يوزع بالمجان!" كان هذا أول "عمل" يقوم به محمد الرباع في هولندا، والذي سيصبح لاحقا أول برلماني هولندي من أصل مغربي. ما يستعيده مغاربة الجيل الأول عن هولندا بنوع من الحسرة، وكأنهم "فقدوا" شيئا عزيزا تعودوا عليه في السابق، هو حفاوة استقبال الهولنديين لهم واحتضانهم ومساعدتهم. رجال الشرطة أكثر من يوجه القادمين الجدد نحو أماكن العمل. "نزلت من القطار. كان معي عنوان أحد معارفي في مدينة هارلم. سألت عن مكتب الشرطة، فدلوني عليه. قام الشرطي بإجراءات التسجيل وختم على جواز سفري. ولما هممت بالمغادرة، قال لي بالفرنسية: عمل! قلته له: نعم، عمل! لبس جاكيته الجلدي وخوذته، وأركبني خلفه على الدراجة النارية. توجهنا إلى مكان ما .. إلى مطعم. تكلم مع رب المطعم قليلا ثم أدخلت إلى المطبخ. وهكذا حصلت على عملي". هذه حكاية أحد العائدين إلى المغرب. زارته الصحافية الهولندية، سيتسكه دي بور، المقيمة في الحسيمة (شمال المغرب) وسجلت روايته. ولكنه رفض نشرها. ندم القصص التي دونتها الصحافية دي بور، ونشرتها في كتاب صدر مؤخرا، تتشابه بداياتها، وتختلف خواتيمها. والعبرة في الخواتيم كما جاء في المأثور. "أشعر أن هولندا تخلت بعض الشيء عن هؤلاء"، تقول دي بور في تصريح للإذاعة. لقد وعدت هولندا العائدين بضمان معاشاتهم إلى أن يصلوا سن التقاعد. وبعد ذلك يشملهم قانون التقاعد كغيرهم من الهولنديين. لكنهم بعد سنوات قليلة، وجدوا أنفسهم أمام عراقيل يستحيل تجاوزها. ورغم التظلمات والشكاوى، يضيع صوتهم في دواليب الإدارات، إلا من "فطن" واحتفظ بجواز سفره الهولندي. هؤلاء يستطيعون العودة لزيارة أبنائهم متى شاءوا. ولذلك حمل الكتاب عنوان: مغربي في هولندا، هولندي في المغرب. فكل العائدين لهم ذرية في هولندا. صفحة منكتاب الصحافية الهولندية، سيتسكه دي بور "مغربي في هولندا ، هولندي في المغرب" أغلب من زارتهم دي بور يعانون من أمراض نفسية وجسدية. "اتصلي بي في يوم الأحد فقط، وما عداه فأنا جد مشغول"! سألتُ دي بور عما يشغل هذا الشخص طيلة الأسبوع. فقالت: إنه "يعتقد" أنه ما يزال مشغولا. إنه يعاني من مرض نفسي. آخرون عبروا صراحة عن "ندمهم"، وأحسوا بأن هولندا خدعتهم. يتعلق الأمر ببضعة آلاف، تقول دي بور، ولكنهم يعانون الأمرين في سبيل زيارة أبنائهم في هولندا. فالأغلبية الساحقة عادت دون الأبناء. "شكرا بياتريكس، لن أنسى هولندا"، قال أحدهم وهو يستعيد حياته حينما كان قويا ومفعما بالحيوية. والآن فضلت زوجته البقاء إلى جانب أولادها، بينما عاد هو إلى المغرب. "إنه لأمر صعب أن تعيش دون أولادك. قد أكون اتخذت القرار الخطأ .. لكنني لا أريد الحديث عن الموضوع". نشرت دي بور 15 صورة. وراء كل صورة تختفي حكاية تروي البدايات وتتلمس ملامح النهايات. محمد سيدالي، أحد رواد العمل الاجتماعي في هولندا، ختم حكايته كمن يعلن أمام الملأ أنه أنهى مهمته بنجاح: "أستطيع أن أموت وأنا مطمئن البال". أنقر هنا لزيارة موقع إذاعة هولندا العالمية ومن هنا للاستماع لبرامج هنا أمستردام ومن هنا للاستماع لبرامج هنا أمستردام