أكدت دراسة أكاديمية أنجزها الباحث يان فان بيك من جامعة أمستردام في أطروحته التي دافع عنها أخيراً أن هولندا لا تريد البحث في تكاليف الهجرة، ولو أن هذه الخلاصة لم تلق الترحيب من لدن الجميع. وقالت مصادر إعلامية إن أحد زملاء فان بيك بعد الانتهاء من مناقشة أطروحته وجه إليه هذا السؤال «هل أنت يميني متطرف؟». وأشارت المصادر ذاتها أن بحثه عزف على وتر حساس، حتى انه وصف في بعض الأحيان بالنازي أو الفاشي. وأضافت أنه أثناء التحضير لأطروحته حول سياسة اللجوء عام 1999، اكتشف فان بيك أن المعطيات الاقتصادية حول الهجرة في هولندا شبه منعدمة، وهو ما اعتبره أمرا غريبا لأن هولندا أصبحت منذ الستينيات بلدا للهجرة بامتياز، فقرر في بحثه لنيل درجة الدكتوراه دراسة أسباب ذلك. ولاحظ بيك أنه منذ السبعينيات لم يجرِ أي بحث في هولندا حول التأثيرات الاقتصادية للهجرة، ولا جمعت الحكومة بيانات إحصائية حول البطالة على سبيل المثال، والاستفادة من المساعدات الاجتماعية بين المهاجرين. وأوضح أنه منذ بدايات الثمانينات تم تبرير هذا النقص من قبل ما صار يسمى فيما بعد «الصوابية السياسية»، وفي ذلك الوقت لوحظ تنامي «حزب الوسط» اليميني الذي كان يتزعمه هانس يانمات، والذي أيقظ عند الكثيرين في هولندا صدمة الحرب العالمية الثانية. واختارت النخبة الهولندية تجنب كل شيء يمكن أن يستخدمه اليمين المتطرف كورقة سياسية. وكان هانس يانمات يستخدم على الدوام الحجج الاقتصادية ضد المهاجرين. وهكذا أصبح البحث الاقتصادي حول الهجرة من المحرمات. وأكد تقرير صحفي أن بيك تجنب في أطروحته مصطلح «الصوابية السياسية»؛ وفضل المصطلح الأكاديمي «القراءة الأخلاقية»لأن ما حدث في الواقع هو أن المعرفة العلمية لم يتم التعاطي معها بناء على مدى صحتها، وإنما بتأثيرها الاجتماعي والسياسي المتوقع، ووصف هذا بالأمر المخجل إذا اعتقد أن مؤسسة علمية ما تسعى فقط وراء معرفة الحقيقة. ولا يخفي بيك عدم تحمسه للمهاجرين ذوي التعليم والتدريب المتدني «في بلد يعتمد على الاقتصاد المعرفي كهولندا، وقال إنه ليست هناك حاجة لاستقدام مهاجرين ذوي مهارات متدنية. ولو أجرينا منذ البداية مزيدا من البحث، لاستخلصنا بلا شك منذ مدة طويلة نتيجة أننا بحاجة إلى نهج سياسة انتقائية فيما يتعلق بمستوى التحصيل العلمي لدى المهاجرين. وبالمقارنة مع بلاد غربية أخرى، يتضح اليوم أن المهاجرين في هولندا أقل حظا في سوق العمل». ومع ذلك لا يريد بيك أن يصنف ضمن مناصري معسكر خيرت فيلدرز الذي دعا إلى طرد ملايين المسلمين ليهدد بها هولندا باعتبارها دولة القانون. ورغم ذلك فإن بيك اعتقد أن هناك رابط بين ميل النخبة في هولندا إلى عدم الرغبة في معرفة كل شيء، وبين نجاح حزب الحرية اليوم. وبإمكان البحث حول التأثيرات الاقتصادية للهجرة التخفيف من التشنج السياسي في هولندا. ويذكر أنه في عام 2009 طالب فيلدرز الحكومة بإجراء بحث حول تكاليف الهجرة، إلا أن الحكومة رفضت معتبرة «الأجانب جزءا من المجتمع الهولندي، وقال فان إن وجود المهاجرين لا يمكن قياسه بعملية حسابية بسيطة. ومن جهته استنتج فيلدرز آنذاك أن «المواطن على ما يبدو لا يسمح له بالإطلاع على ما تكلفه الهجرة». وقدر الهجرة من إحدى البلدان غير الغربية كلفت خزينة الدولة مقدار مائة مليار يورو. وبالنسبة للهجرة المغربية إلى هولندا فإن دراسات في هذا الإطار تفيد أن الوجود المغربي هناك، بدأ في مطلع الستينيات من القرن الماضي، مع مجاميع العمال خاصة من منطقة الريف، ويعتبر تاريخ هجرة المغاربة إلى هولندا تاريخ حديث نسبيا، مقارنة مع هجرة المغاربة إلى فرنسا. ولكن الوجود المغربي في هولندا، أصبح واقعا في المجتمع الهولندي من كل جوانبه. فإقدام المغاربة رسخت في ميادين لعبة كرة القدم. والكتاب المغاربة يعرفون بإبداعاتهم المتواصلة في القصة والشعر والرواية. كما أن المشهد السياسي ليس غريبا عن مشاركتهم، سواء على مستوى التمثيل في البرلمان أو مجالس البلديات، بل وحتى رئاسة البلدية نفسها، كما هو الشأن في روتردام مع عمدتها أحمد أبو طالب.