يلجأ السجناء عادة إلى ثلاث طرق أساسية من أجل تجاوز مشكلة الجنس داخل المؤسسات السجنية· فهناك مجموعة تفضل المقاومة ومجموعة تفضل الاستهامات الجنسية في حين تفضل أخرى الممارسة· ونقول هنا تفضل لأن الحسم في شكل واحد من الممارسة غير وارد ويمكن للسجين أن يمارس هذه الأشكال جميعها· كما أن مسألة الاختيار غير موجودة، فالسجين لا يفكر في ما يجب أن يكون بل يحاول التأقلم مع ما هو كائن· - مقاومة إلحاح الشهوة الجنسية بالرياضة والصوم المجموعة التي تفضل المقاومة وتجاوز إلحاح الشهوة الجنسية، لها عادة ميول رياضية تعلمت من خلالها أن ممارسة النشاط الرياضي ينقص من الشهوة الجنسية· إن الرياضة تحافظ على الحالة الصحية من جهة والنفسية من جهة أخرى فمزاولتها تمثل الطريقة المثلى لتجنب الكآبة التي تتردد بشكل كبير في مجال مغلق كالسجن· إلا أنها تعني شيئا واحدا عند السجين هو القهر· قهر الرغبة الجنسية التي هي عبء لا يطاق· هناك أيضا من لهم معرفة دينية تجعلهم يفضلون الحل القرآني الذي يدعو إلى الصيام في حالة عدم القدرة على الزواج، أي تحقيق الطريق الشرعي الوحيد للممارسة الجنسية· إن النظرة الدينية داخل السجن تتغاضى عن العلاقات الجنسية المسماة شاذة ولاتعترف بوجودها، رغم أن الجميع يقر أن شباب اليوم "ضايع في حقه"، وأن "النفس أمارة بالسوء"، والجنس رغبة ملحاحة "مصيبة الفرج واعرة"· كما أن العديد من كتب الأدب الجنسي القديم تقتحم أسوار السجن على أنها كتب دينية مثل "الروض العاطر في نزهة الخاطر للعالم العلامة الشيخ سيدي محمد النفزاوي"· ستختلط الذاكرية الجماعية بالمقروء فتتدخل لتضيف وتحذف وتعصرن وتبسط اللغة والأسلوب لتصبح قصة صالحة للحكي والتأثير تحكى لملء فراغ ليالي السجن الطويلة· إن هذه المجموعة على العموم تحاول تجاوز المنع الجنسي من خلال قهر الجسد ليكون حقلا من المقاومة· - في جنة الخيال ونعيم الاستهامات المجموعة الثانية تفضل الاستيهامات الجنسية، من خلال سبل عدة تساعد على الحلم وتخيل ما هم ليسوا قادرين أو ممنوعين من الوصول اليه وتحقيقه· فمراقبة بنات الموظفين والنساء في الزيارات للتزود بالصور تساعدهم على ممارسة العادة السرية· وعلى مشاهدة الجنس الآخرالمفقود· كما أن النكتة أداة من أدوات التعبير الشعبي تستغل هي الأخرى نماذج رجالية ذات قوة جنسية وفحولة وضخامة في الأعضاء التناسلية· إنها طريقة احتجاجية لطيفة وأداة من أدوات الافصاح العلني عن رغبات وآمال وآلام أفرزتها آليات القهر والإكراه داخل المؤسسة والمجتمع ككل· وانطلاقا من هذا فالنكتة تعد خطابا يحمل ما وصلت اليه حالات التذمر البشري· النكتة الجنسية عند السجين لها بعدان: الأول يكمن في القوة الجنسية الهائلة والفحولة كحلم رجالي قديم· أما البعد الثاني في أنها في كونها وسيلة لإعلان السجين لحقه في ممارسة الجنس· أي ما يجب أن يكون· فالسجين دائم البحث عن الجديد والمختلف، ارتباطا بموضوع واحد: الجنس· فالأحداث تختلف والشخوص تتغير، ويضفي السجين على النكتة كل استهاماته ويبدع ويضيف، يتخيل ويحكي ليضحك الآخرين ويتلذذوا جميعا وينددوا جميعا من خلال الجنس والنكتة· وهذا ربما ما يجعل صاحب أو مؤلف النكتة مجهولا لأن الاستعداد النفسي لسماع النكتة يستدعي هضم الأحداث لإعادة إنتاجها· إن المؤلف الحقيقي هو الذات الجماعية المقهورة· لأن النكتة نتاج للمجموعة وللوضع الذي أنتجها· من جهة أخرى تمثل صور المجلات خزانا يمكن استغلاله في خلق الأحلام واستحضار الذكريات· وتدخل السجن إما في الزيارات خلسة أو برضى الحارس كامتياز، ويحوم حولها نوع من الصمت والتكتم · ومع أن الصاق الصور على الجدران ممنوع لدواع مرتبطة بنظافة السجن، إلا أنه يسمح بهاته العملية في بعض الغرف حيث توجد صور على الحائط من مجلات ك "سيدتي"، و"الموعد"، و"الجميلة"، لعارضات أزياء أو لقطات إشهارية وصور لنساء من مجلات متخصصة في كمال الاجسام· نساء يجمعن بين بروز العضلات: القوة، القانون الأول داخل السجن والأنوثة، الجنس المفقود داخل المؤسسة الجنسية· إن الهدف الأساسي لإلصاق هاته الصور هو إعطاء الإيحاء بوجود نسائي· كما تعتمد هذه المجموعة على الذكريات القديمة التي يتشبث بها السجين أكثر من أي شيء آخر باعتبار الزمن قد توقف عند دخوله الباب الكبير للسجن· فيتلذذ السجناء بتبادل التجارب الجنسية ويتفننون في وصف أدق التفاصيل· ما كان يفعله مع العشيقة والزوجة والعاهرة إنها مجموعة تواجه مشكلة المنع الجنسي من خلال استحضارجسد الآخر لتكون حقلا من الاستهامات الذاتية· - الممارسة بين المباح والممنوع هذه المجموعة تفضل الممارسة وهي نوعان ممارسة شعورية وممارسة لاشعورية· وتتوزع الممارسة اللاشعورية بدورها إلى قسمين : أ - العادة السرية: وهي ممارسة الهدف منها الوصول إلى اللذة الجنسية عن طريق الاثارة اليدوية، وتعرف انتشارا واسعا داخل السجن لسهولة ممارستها في أي مكان وأي زمان· والممارسة ليست لها الدلالة نفسها عند كل الفاعلين فمنهم من يعتبرها الحل الوحيد كي لا "يتطرطق"، ومنهم من يعتبرها وسيلة لإفراغ الطاقة - الشهوة والتخلص منها، كما هناك من يعتبرها هروبا من الوقوع في علاقات جنسمثلية· وقد حاول السجناء ابتداع تقنيات جديدة في الممارسة رغبة في التغيير والشعور بلذة مختلفة مستعينين بالصور والتخيل والتذكر· ب- العلاقات الجنسمثلية يرى ميشال بون أن التعريف الأولي للجنسمثلية هو ربط علاقة جسدية مع شخص من الجنس نفسه، هدفها الوصول الى الرعشة الكبرى· ويلاحظ بون أن هذا التعريف غير مضبوط لأن هناك العديد من العلاقات الجسدية لا تؤدي لتلبية جنسية كاملة كما أن هناك علاقات عاطفية تبدأ بحب عذري وتصل الى غيرة حادة· هناك إذن العديد من الافعال والعلاقات التي نختلف ونحتار في تصنيفها جنسمثلية· ويرى بون إذن ضرورة تغيير هذا المصطلح بآخر أكثر دقة وهو Homophilie الذي يجمع بين العلاقة الجسدية والعاطفية بين فردين من الجنس ذاته· بجانب السبب الأساسي للممارسات الجنسمثلية داخل المؤسسة الجنسية والذي يكمن في غياب علاقات جنسية مرأة - رجل هناك أسباب أخرى تساعد على الميل إلى هذه الممارسة· فالنظام الصارم الذي يجعل هاته المؤسسة خالية من العاطفة الشيء، تجعل السجين يبحث عن نوع من السكينة في مثل هاته العلاقات أو ما يسميه "رايموت رايش" التعلق المازوخي والغرامي للرجل الأضعف بالرجل الأقوى· كما أن الازدحام داخل الغرف يساعد على مثل هذه الممارسات· فالغرفة المؤهلة لاستيعاب 20 فردا يوجد فيه 40 أو 50 سجينا وهذا ما يسهل الاحتكاك أثناء النوم· بالإضافة إلى أن السجين ذي السوابق في العلاقات الجنسمثلية سيعيد حتما الكرة فالسجن هو المكان الانسب لذلك· تبقى الاشارة إلى أن الممارسة الجنسمثلية داخل السجن ليست دائما مطلقة، بل يمكن أن تكون ظرفية أي للمدة الحبسية فقط لا بالنسبة إلى الفاعل ولا إلى المفعول به· - الطريق إلى الجنسمثلية استطاع مختصون في علم الاجتماع تصنيف 5 درجات لمرور السجين من الاستهامات الجنسية إلى العلاقات الجنسمثلية· الدرجة الأولى يكون فيها السجين يمارس العادة السرية مع الشعور بعقدة ذنب قاهرة مصحوبة باستهامات جنسية طبيعية· الدرجة الثانية: الاستهامات الجنسمثلية تأخذ بالتدريج مكان الاستهامات الجنسية الطبيعية· الدرجة الثالثة: تكون الساحة مواتية وملائمة لظهور ميولات جنسمثلية عابرة· الدرجة الرابعة: إذا دامت هاته المرحلة طويلا تتحول الميولات الجنسمثلية العابرة إلى جنسمثلية اعتيادية· الدرجة الخامسة: يصل فيها السجين إلى أن العلاقات الجنسمثلية هي نهاية في حد ذاتها وليست علاقة جنسية تعويضية· - اختطاف أم استمالة قبل أن يتم استقطاب أي سجين لممارسة الجنس يخضع في البداية لعدة استعدادات· في أول الأمر يجب ملاحظة هيأته ومعطياته الجمالية: الوسامة، البشرة البيضاء، المؤخرة الممتلئة··· يرمى به في الغرف المزدحمة بالقوادين لتحطيم أعصابه وقدراته الدفاعية ثم تتم مراقبته في الزيارات· من الأحسن أن لا يزوره أحد وبالتالي لن يكون عليه أي وصي وسيحرم من المؤونة والمتطلبات غير المتوفرة داخل السجن· تم يتم الانقضاض على الفريسة المنتقاة بالعنف تارة وبالاستمالة تارة أخرى· - ماذا بعد؟ لقد قدمت عدة حلول لهذه الإشكال من بينها، تفتقر لبعد النظر كتشديد المراقبة على السجناء من خلال هندسات معينة للمؤسسة وبنيات إدارية خاصة· هناك أيضا عزل كل من اشتبه في ممارسته أو ميله إلى العلاقات الجنسمثلية في زنزانات فردية، وهذا يحدث بصورة خاصة للمتشبهين بالنساء لكن بماذا سنحدد هاته النزعة؟ هل سنعتمد دائما على سليقة الحراس؟ السؤال الجوهري إذن هو: هل يستطيع المجتمع الاعتراف بحق السجين في الجنس؟ في انتظار كل هذا تبقى العلاقات الشاذة هي السائدة حول المؤسسة السجنية وتبقى في المقابل الثورات التي تشهدها السجون ثورات للاجساد ضد عقاب يمارس على الأجساد، ليكون السجين المفضل لدى السلطة هو ذاك الملاك الكائن اللاجنسي الذي يجلس في ركن ما في انتظار انقضاء سنة أو عشر سنوات أو عشرين سنة·