توقعت معطيات واردة ضمن تقرير حديث حول السياسة النقدية بالمغرب أن يشهد الاقتصاد المغربي، بعد الديناميات القوية في العامين الماضيين، "عودة الواردات إلى انكماش بنسبة 2.6 في المائة مع متم عام 2023، مدفوعة بانخفاض فاتورة الطاقة وشراء المنتجات نصف المصنعة". في الوقت نفسه، من المتوقع أن تجد الصادرات طريقها إلى "منحى مستقر تقريباً"، وفق التقرير الرسمي ذاته الصادر إثر أشغال الاجتماع الرابع (الأخير) لأعضاء مجلس بنك المغرب برسم سنة 2023، الذي فسّر هذه الدينامية في الطلب داخليا وخارجيا ومن حيث المبادلات التجارية للمملكة بكونها "متأثرة-على وجه الخصوص-بانخفاض مبيعات الفوسفاط ومشتقاته، مقابل زيادة الشحنات المصدّرة في قطاع السيارات". وأورد تقرير البنك المركزي، الذي طالعته جريدة هسبريس الإلكترونية، أن تقييم آخر معطيات متوفرة حول "الطلب الداخلي ونظيره الخارجي" في الربع الثاني من عام 2023، أسفر عن بلوغ النمو الاقتصادي 2.3 في المائة بعد 2.2 في المائة في الفترة ذاتها من العام السابق. "هذا التغيير هو نتيجة زيادة بنسبة 6.3 في المائة، بدلاً من انخفاض بنسبة 13.5 في المائة، في القيمة المضافة الفلاحية وتباطؤ من 4 في المائة إلى 2.1 في المائة من القيمة المضافة غير الزراعية"، وفق المصدر. وتابع المصدر بأن نتيجة النمو هذه "تسندها من ناحية الطلب دينامية التجارة الخارجية في السلع والخدمات، التي بلغت مساهمتها 2.5 نقطة مئوية بعد 3.9 نقاط، فيما ظلت مساهمة المكوّن المحلي (من الطلب الداخلي) "سلبية" بمقدار 0.2 نقطة". توقعات "المدى المتوسط" أوضح بنك المغرب أن آخر توقعات "المدى المتوسط" تشير إلى أن "الصادرات المغربية إلى العالم قد ترتفع بنسبة 6.8% في عام 2024 ثم بنسبة 7.3% في عام 2025، مما يعكس بشكل أساسي الأداء المتوقع للشحنات المصنّعة من قطاع السيارات، التي من المتوقع أن تصل قيمتها إلى 168.8 مليار درهم في عام 2024 و190 مليار درهم في عام 2025، بعد 145.2 مليارات في عام 2023". في المقابل، من المتوقع-حسب مصدر البيانات نفسها-أن "تُظهر مبيعات الفوسفاط المغربي ومشتقاته انخفاضاً، حيث عادت من 115.5 مليار درهم في عام 2022 إلى 71.4 مليار درهم في عام 2023 و68.8 مليار درهم في عام 2024، قبل أن ترتفع إلى 72.2 مليار درهم في عام 2025، في ظل التأثير المشترك بين زيادة الكمّيات المشحونة وتخفيف انخفاض الأسعار". بالنسبة للواردات، توقع البنك المركزي المغربي "ارتفاعها بنسبة 4.2 في المائة عام 2024′′، كنتيجة خاصة ل "زيادة فاتورة الطاقة إلى 132.6 مليار درهم وزيادة في عمليات الاستحواذ على المنتجات شبه المصنعة"، قبل أن "يتسارع معدل نموها في عام 2025 ليصل إلى 8.2 في المائة، مما يعكس-بشكل خاص-الزيادات في مشتريات المنتجات شبه (أو نصف) المصنعة والسلع الاستهلاكية". الحروب "ترفع المخاطر" خبراء بنك المغرب سجلوا ضمن تقرير السياسة النقدية ملاحظة دالّة تؤكد أن "أجواء اللّايقين مستمرة في التمدد"، رغم تأكيدهم في المقابل "تلاشيا تدريجيا" لشبح التضخم القوي. هذه الملاحظة تفيد دون مواربة بأن "المخاطر التي تؤثر على التوقعات الاقتصادية متوسطة المدى لا تزال مرتفعة"، بحكم أنّ "الاتجاهات تشير إلى الأسفل بالنسبة للنمو، وإلى الأعلى فيما يخص التضخم". "الواقع أن استمرار تداعيات الحرب في أوكرانيا وخطر توسع الصراع (المسلح) الإسرائيلي-الفلسطيني، يمكن أن يؤدي إلى تباطؤ أكثر وضوحاً في النشاط الاقتصادي العالمي، وتعطيل إمدادات الطاقة، مما سيؤدي إلى زيادة في أسعار السلع الأساسية"، يحذر تقرير السياسة النقدية برسم الفصل الرابع من العام 2023 الذي يلفظ أنفاسه. احتمال "تفاقم الإجهاد المائي" على الصعيد الوطني، قالت المؤسسة المالية الأعلى بالمملكة إن "المخاطر على النشاط ترتبط أساسا بمسار الموسم الفلاحي الحالي وتفاقم الإجهاد المائي"، قبل أن تستدرك بأن "الجهود المبذولة لتعزيز الاستثمار والمشاريع الكبرى التي أطلقتها المملكة تعزز التفاؤل بشأن وتيرة النشاط الاقتصادي الأكثر وضوحًا على المدييْن المتوسط والطويل". بالنسبة للتضخم، "على الرغم من التباطؤ الأسرع من المتوقع دولياً، يتم الحفاظ على المخاطر المحيطة بتوقعاته صعودًا"، يخلص بنك المغرب دون أن يستبعد احتمال "حدوث حالات الجفاف وتفاقم الإجهاد المائي اللذين يمكن أن يؤدِّيَا إلى ارتفاع أسعار الأغذية، وبالتالي الإبقاء على التضخم عند مستوى مرتفع". ليس ترفاً التذكير بأن الاجتماع الأخير لمجلس البنك المركزي المغربي قد عزا سبب تراجع التضخم إلى "التلاشي المرتقب للضغوط التضخمية خارجية المصدر، والتأثيرات المباشرة للإجراءات الضريبية لقانون المالية لسنة 2024، وكذا رفع الدعم التدريجي عن صندوق المقاصة كما هو مرتقب في البرمجة الميزانياتية 2024-2026، مع فرضية شبه استقرار أثمنة المواد الغذائية". تبعا ذلك، فإن توقعات التضخم من طرف خبراء القطاع المالي على المدى المتوسط (كما ورد في الاستقصاء الفصلي للمؤسسة) استمرت في التراجع في الفصل الرابع من سنة 2023، وأن "الانتقال التراكمي لقراراتها الثلاثة الأخيرة القاضية برفع سعر الفائدة الرئيسي إلى الأوضاع النقدية وإلى الاقتصاد الحقيقي متواصل".