في الصورة وزير الخارجية والتعاون الطيب الفاسي الفهري رغم تأسس الجهاز الدبلوماسي المغربي مباشرة بعد الاستقلال حيث عهد المغفور له محمد الخامس إلى المرحوم أحمد بلافريج مهمة إنشاء وزارة الخارجية لإدارة الشؤون الخارجية للمغرب المستقل الذي كان في حاجة إلى ربط علاقات مع الدول الصديقة والشقيقة خصوصا منها الدول العربية التي ساندت المغرب في معركة التحرير والانعتاق من أجل الاستقلال. "" فقد سعى المغرب إلى ربط علاقات دبلوماسية مع العالم الغربي خصوصا أوربا الغربية وبعض دول الاتحاد السوفيتي السابق،والولايات المتحدةالأمريكية.
كما انضم المغرب إلى الأممالمتحدة وإلى الوكالات المتخصصة التابعة لها وساند بكل قوة قضايا الشعوب الإفريقية التواقة إلى الحرية والاستقلال من خلال مشاركته في عمليات حفظ السلام.
لكن انضمام المغرب إلى جامعة الدول العربية جاء متأخرا حيث برر أحد الدبلوماسيين المغاربة آنذاك تأخر المغرب عن الانضمام غلى جامعة الدول العربية بسبب التناقضات التي كانت تعرفها منطقة الشرق الأوسط وسعي الناصرية إلى تصدير الثورة إلى دول المغرب العربي واجتذاب بعضها خصوصا الجزائر المدعومة من مصر في حرب تحريرها ضد فرنسا.
وبشكل عام تنم ممارسات المملكة المغربية في نطاق السياسة الخارجية عند تحديد مصالحها الوطنية عن تقدير بارز لميثاق الأممالمتحدة ومبادئ الشرعية الدولية.كما يحترم المغرب باستمرار ميثاق جامعة الدول العربية،وكيف الكثير من مواقفه وسلوكه السياسي لينسجم مع قرارات المنظمات الدولية الإقليمية،وخاصة منظمة الأممالمتحدة التي يلتزم دائما بقراراتها المتعلقة بملف الصحراء.كما صادق المغرب على المعاهدات الدولية في مجالات حقوق الإنسان والبيئة ومكافحة الإرهاب وغيرها...
كما وظف المغرب الدبلوماسية لحل كثير من المشاكل التي تؤثر على مصالحه الحيوية والهامة لتعزيز هذه المصالح،وخاصة على الصعيدين الدولي والعربي. فقد نهج المغرب أسلوب التفاوض لاسترجاع سيادته على أراضيه المحتلة من طرف فرنسا منذ 1956 وإسبانيا سنة 1958 ولازال المغرب يرى في التفاوض أسلوبا ناجعا لاستكمال وحدته الترابية وتحسين علاقاته مع الجارة الجزائر واسترجاع الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة وتأسيس دولته الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
وطيلة أكثر من نصف قرن حاولت الدبلوماسية المغربية وضع أسس ثابتة تسير عليها، وذلك تبعا لما تمليه المصلحة الوطنية،وهي المبادئ التقليدية المعروفة في العلاقات الدولية كحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول،واحترام الوحدة الترابية والسياسية للدول...
غير أن المتتبع للتحولات الدولية الراهنة،يستنتج أن الدبلوماسية المغربية المشخصنة لم تستطع مواكبة تحولات النظام الدولي بما في ذلك العولمة وتكنولوجيا الاتصالات والاساليب الحديثة في فن التفاوض الدبلوماسي.
فوزارة الخارجية لازالت تشتغل في بيت زجاجي مغلق دون انفتاح على الفاعلين الآخرين من أحزاب ومجتمع مدني ومفكرين.كما أن التعيينات في هذا الجهاز المترهل لا يخضع لعنصر الكفاءة والأقدمية بل تمليه اعتبارات شخصية وعائلية وحزبية،بل إن المباريات الخاصة بهذه الوزارة يتم الإعلان عنها في الخفاء ومن تحت الطاولة، حتى إن وزارة الخارجية ليسن على اطلاع على أهم الأبحاث الجامعية والكتب الخاصة بالسياسة الخارجية المغربية.
أضف إلى ذلك غياب المردودية داخل هذه الوزارة بسبب انعدام عنصر الكفاءة لدى العاملين بها،فعلى سبيل المثال إذ سألت أحد الموظفين عن علاقة المغرب بالاتحاد الأوربي أو آخر ما استجد في قضية الصحراء تجد وجهه احمر وكأنك وجهت له سؤالا شفويا ويتعلل بحجة سرية المعلومات.
ومن جهة أخرى فالمغرب لا يتوفر على مراكز متخصصة لتكوين السفراء قبل إرسالهم إلى الخارج،حتى إن النادي الدبلوماسي المغرب اقتصرت وظيفته على عقد الندوات. هذا الأمر جعل من الدبلوماسية المغربية دبلوماسية حفلات وكؤوس الشاي بسبب كثرة الامتيازات الممنوحة لهم دون تقديم مردود مقابل ذلك.
إن الدبلوماسية المغربية تبدو كبطة عرجاء تترنح يمينا وشمالا، وتحاول جاهدة الاستمرار في السير، أو كرجل مريض يقاوم من أجل البقاء.
إن الدبلوماسية المغربية في حاجة إلى إعادة التأهيل والبناء، فليست العبرة بالشكل الخارجي للبناء وإنما بالعقول والكفاءات الواعدة التي يمكن لها إعادة الإشعاع والنشاط للجهاز الدبلوماسي .
*باحث في العلاقات الدولية – جامعة محمد الخامس-أكدال-الرباط