تصلنا هذه الأيام وبكثافة رسائل قصيرة عبر هواتفنا النقالة تدعونا لحجز مقعدنا مبكرا من أجل حضور مهرجان موازين الذي بلغ دورته الثامنة هذا العام ، ولست أدري بالضبط لماذا يصرون على استفزازنا وإثارة أعصابنا ومشاعرنا بهذا الشكل من خلال هذه الرسائل ، ولماذا يحرصون على أن نكون رغم أنوفنا في قلب الحدث في هذا المهرجان السخيف الذي أعدوا ما استطاعوا من ترتيبات بشرية ولوجستيكية وتقنية من أجل ضمان أعلى نسبة لنجاحه ، مستغلين في سبيل ذلك أيضا كل وسائل الجذب والإغراء والدعاية الإشهارية التي يتحكمون جيدا في قنواتها وصنابيرها ، ونصبوا ( من النصب والاحتيال ) بمختلف أرجاء العاصمة الرباط منصات لإطلاق الصواريخ على المواطنين المغاربة وتدميرهم ماديا ومعنويا وأخلاقيا وجعلهم يرقصون (بزز) على جميع إيقاعات العالم ، وهي طبعا المهمة ( لا طاش ) التي تتكلف بها دائما وسائل إعلامنا العمومية البارعة في المواكبة المستمرة لمثل هذه التظاهرات الدولية والتي تتقن فن إعداد التقارير اليومية المملة لفعاليات مثل هذه المهرجانات التي " تحمر" دائما وجه المغرب أمام العالم ، كما جاء على لسان أحد المنظمين العفاريت لمهرجان موازين الرباط المختلة بالأمس في نشرة الأخبار المسائية للقناة الأولى . "" وأهم من ذلك كله أن مهرجان الغناء والرقص العالمي هذا خصص له الراقصون على جراحنا مبلغ ثلاثة ملايير سنتيم فقط لاغير . دابا داخلت عليكم بالله واش هاد الناس عندهم شي عقل ولا ما كيكسابوهش ، شايفين المغاربة كيتقطعو من أجل كسب قوت يوم عيالهم وخدامين يشتتو فالفلوس بالملايين على هادي فرقة جاية من جاماييكا ما فحالهاش وهذا مغني بصير جا من أمريكا مسكين ما عندوش ، وهذه فرقة غجرية من بلغاريا الله يكون في العون محتاجة للدعم وهذه شرذمة من الفنانين الكارايبيين ما عرفت أشنو ، وهذا ملك موسيقى السول والبوب وهذه ملكة للروك وهذا برانس ديال الهيب هوب وهذه راقصة إفريقية من ساحل العاج تسحر العقول وتبهر الشباب بتعبيراتها الجسدية التي تهز الوجدان ، نعم هكذا كتبوا في دليل الفنانين المشاركين على موقعهم الإلكتروني . هذا في الوقت الذي يحتاج فيه مغاربة الهوامش إلى هذه الأموال لشق طريق في جبل وفك العزلة على دوار يشكو من غياب مستوصف صغير وسيارة إسعاف لنقل نسائهم الحوامل اللواتي يلدن في ظروف مأساوية للغاية بهذه المناطق النائية ، لكي تأتي قناة دوزيم وتتاجر بهذه المآسي بهدف الرفع من نسبة المشاهدة ومن عائدات الإشهار المرتبطة بها. المصريون يقولون اللي عندو قرش محيرو يشتري به عصفور ويطيرو ، وأنا هنا أقول وبكل احترام للسيد منير الماجدي رئيس جمعية مغرب الثقافات الذي تحول إلى مغرب التفاهات ، وغيره من أصحاب رؤوس الأموال والشركات الكبرى في هذه البلاد السعيدة ولهواة تبذير المال العام على المهرجانات والسهرات وحفلات الرقص والغناء الرخيص بأن اللي عندو ملايير محيراه يفرقها على المساكين الذين يعيشون تحت عتبة الفقر وما أكثرهم في بلادنا وعلى الذين يتوسدون العتبات بمداخل العمارات والأرصفة فقط لأنهم ما لقاوش فين يسكنو . اللي عندو ملايير متلفاه يشجع بها الشباب الراغب في الزواج اللي مالقاش ثمن ديال عجل وخنشة ديال السكر ومهر بسيط يدفعه للفتاة التي طالما حلم بالزواج بها منذ الصبا ، ولا يملك شغلا يضمن به واجب كراء بيت متواضع في حي شعبي جاثم على فوهة بركان . اللي بغا يخلق النشاط فهاد البلاد ينظم أعراس جماعية في شكل مهرجانات محلية ووطنية تعم فائدتها الجميع وتكون لها انعكاسات إيجابية مباشرة على نسيجنا الاجتماعي . الذي تهمه فعلا المصلحة العليا لهذا الوطن يدير شي حاجة من هذا القبيل للحد من آثار هذه الفوضى الجنسية التي يتخبط فيها شبابنا ذكورا وإناثا ، وتدارك ما يمكن تداركه من مخلفات هذا الطوفان الإباحي والتسونامي الخطير الذي ضرب بلادنا بفتحنا الأبواب على مصراعيها في وجه السياح الأجانب المرضى منهم والأسوياء واختيارنا لنهج الحداثة العمياء والليبرالية المتوحشة . ختاما وحتى لا أتهم بالقصور في النظر والسطحية في التفكير أقول بأنني أفهم جيدا الأبعاد الاقتصادية لهذا المهرجان وانعكاساتها الايجابية على قطاع السياحة ببلادنا الذي يمر ومنذ فترة من مرحلة كساد خطير ، ومهرجان موازين وأمثاله هو فرصة ومناسبة لجلب السياح من مختلف أرجاء العالم من خلال التعريف بمؤهلاتنا السياحية والطبيعية والتاريخية والتأكيد على مدى عشق المغاربة للتنوع الثقافي والتراث الانساني . لكن مع ذلك كله لا زلت مصرا على أنه ما كان عليهم تبذير هذه المليارات الثلاثة وبهذا الشكل لأنها بكل اختصار أموال الشعب التي هم مؤتمنون عليها ومطالبون بصرفها في مجالات أخرى أكثر فائدة ومردودية على معيشة الإنسان المغربي البسيط وعلى صحته وبيئته وتعليم أولاده . [email protected]