انقسمت هجرة إسماعيل العلوي إلى كندا إلى شطرين اثنين؛ اتسم الأول بغياب أي إرادة صريحة لخوض التجربة قبل العودة في الشطر الموالي متحليا بالإصرار على إنجاح الاختيار، وبذلك حرص ذو الأصل المغربي على استجماع ما يكفي من الخبرة المهنية لإطلاق مشروع رائد يجني المال من ''كسر الملل'' في محطات المحروقات. يمكن اعتبار ما قام به إسماعيل نموذجا لتحفيز التفكير في بلوغ غد أفضل، كما أن استدعاء عمله بمقدوره أن ينفع الأفراد والجماعات في النظر إلى الإيقاع اليومي للعيش من أجل نسج مشاريع قد تلوح بسيطة للوهلة الأولى ثم تغدو مثيرة للانتباه وتنعت ب''قصة نجاح'' في مرحلة لاحقة، لكن استحضار العلوي يجب أن يجري دون أي انتقاص لدور المواكبة الميدانية في تحويل المخططات إلى واقع ملموس. هجرة لأسباب قنصلية ازداد إسماعيل العلوي في مدينة الرباط ضمن أسرة يعيلها مشتغل في وزارة الشؤون الخارجية، وهو ما جعله ينتقل إلى كندا في سن مبكرة جدا، عقب تعيين أبيه ضمن الطاقم الدبلوماسي والقنصلي المغربي في مونتريال، فكانت السنوات الأولى لطفولته حاملة بصمات النشأة في إقليم كبيك خلال ثمانينات القرن العشرين. يقول إسماعيل عن تلك الفترة: ''أبي انتقل للاشتغال في كندا، فقد كان قنصلا عاما للمغرب بمونتريال وقتها، ما جعلني أرافق أسرتي في هذه التجربة دون أي دراسة، فقد كان عمري يعادل 6 شهور حين غادرنا الوطن، لذلك ارتبطت بإيقاع العيش الكندي حتى حان وقت العودة إلى المغرب وعمري 7 سنوات''. استقر القافل من كندا سنة 1986 بين أحياء سلاوالرباط، ممضيا 4 سنوات من التواجد بالضفة الشمالية لنهر أبي رقراق قبل الانتقال نحو العاصمة، متدرجا في التعلم ضمن مؤسسات البعثة الفرنسية، من ابتدائية ''غونسواغ'' إلى إعدادية ''سان إكسوبيري''، ثم حصل على شهادة الباكالوريا بثانوية ''ديكارت''. الخبرة في الأعمال والرقمنة اختار إسماعيل العلوي الهجرة مجددا إلى كندا من أجل الدراسة في المرحلة الجامعية، مفضلا هذه الوجهة على فرنسا بحكم المعرفة السابقة بهذا الحيز الجغرافي من أمريكا الشمالية، حيث تحضر اللغة الفرنسية وتختلط الثقافات بين ما هو أوروبي من جهة، وما عبر حدود الولاياتالمتحدةالأمريكية من جهة ثانية. وعن هذا الانتقال في سنة 1998 يورد العلوي: ''حددت هدفي في التكوين ضمن الميدان الاقتصادي، لذلك دخلت إلى المؤسسة الجامعية HEC في مونتريال لدراسة التسويق على الصعيد الدولي، وبمجرد التخرج حظيت بفرص عمل مع فاعلين كبار في ميادين متنوعة، في كندا وعلى المستوى العالمي". جمع إسماعيل خبرة في ميدان الأعمال والرقمنة من خلال مسار مهني انطلق مع شركة أمريكية متخصصة في "قاعات البريد" لتسهيل العمل التشاركي وتتبع تفاصيل المعالجة، ثم التحق ب''Les pages jaunes'' لتنسيق أداء فرق التسويق والبيع في أنحاء كبيك، وبعدها إلى ''ADP'' العاملة في الأداء الإلكتروني، لكن التجربة امتدت سنة واحدة قبل أن يعود إلى عمله السابق. الوصول إلى فكرة مميزة اختار إسماعيل العلوي جمع رصيده المهني على مدى 15 سنة كي يطلق مشروعا خاصا به في 2018، مراهنا على ميدان الإشهار بالولوج إلى محطات للتزود بالوقود فوق التراب الكندي، معتبرا أنه حاز فكرة أصلية يمكنها أن تخدم المعلنين بكيفية أكثر نجاعة، وقد تشجع لأخذ زمام المبادرة بعد أن وجد شريكا من اليهود المغاربة يخبر التعامل في سوق ''الشاشات الإعلانية'' بالمجمعات التجارية والمراكز الرياضية. يورد المنحدر من الرباط بهذا الشأن: ''التزود بالوقود يتم من طرف الزبون في محطات المحروقات بكندا. وبالنظر إلى ضوابط هذا المرفق، فإن المستهلك لا يمكنه القيام بأي شيء، لذلك يستغرق مدة زمنية تقترب من 4 دقائق دون حضور ما يشد انتباهه، وهنا نعرض شاشات عليها أخبار مختلفة مع مواد إعلانية''. ويضيف العلوي: ''مساري المهني مكنني من فهم الأداء والحصول على أجندة اتصالات مفيدة، وقد توصلت إلى فكرة تبقي المعلنين والمستهلكين وجها لوجه، فكانت البداية بوضع أسس مشروع نموذجي، ثم البحث عن التمويل، وصولا إلى التجريب مع شركة شل. تم هذا من 2015 إلى 2017، لكن الشروع في العمل الفعلي جاء قبل أزمة كورونا بأقل من سنتين لا غير''. التقدم نحو المستقبل يحرص إسماعيل العلوي على تطوير مشروعه في الدعاية وسط محطات المحروقات بالاعتماد على فريق خبير ينمو شيئا فشيئا، وقد تخطى عدد المنتمين إليه 40 شخصا إلى حد الآن، مؤكدا أن الحماس حضر حين تخطى العمل مرحلة الحجر الصحي في سنة 2020، إذ تم اعتبار باعة المحروقات موفرين خدمة أساسية في البلاد، لذلك لم يغلقوا الأبواب. ''رغم التأثر بالأزمة الاقتصادية التي تلازم العالم منذ أوج جائحة كوفيد، إلا أن الأمور ليست سيئة تماما. صحيح أن ذلك أخرنا قليلا عن تحقيق الأهداف المنشودة مرحليا، لكن تعاملنا مع هذا الصنف من الإعلانات الرقمية يمكن اعتباره في الصدارة على مستوى كندا، الانتشار يتواصل كل يوم، ونعمل حاليا على تصورات تجعلنا شركاء في تشكيل محطة الوقود المستقبلية''، يضيف العلوي. يعلن المستثمر عينه أن ما يقوم به في كندا غير قابل للتفعيل في المغرب لسبب موضوعي وحيد، هو أن المحطات المتواجدة بمختلف جهات الوطن الأم تعتمد على تواجد شغيلة لتقديم الخدمات إلى الزبائن، ما يعني غياب الفئة المستهدفة، ثم يعود إسماعيل العلوي ليفصح عن وجود رغبة الاستثمار في المغرب من خلال التركيز على ما يتصل بالطاقة الكهربائية. على سبيل التطوع يضع إسماعيل العلوي هويته المغربية في الصدارة، وبعدها يشدد على الانتماء إلى البيئة الكندية الكبيكية أيضا، لذلك يحاول المساهمة بطريقته الخاصة في العمل التطوعي المترافع عن الهوية الأصلية، وقد بدأ ذلك قبل سنين من خلال صفحة فيسبوكية تتفاعل مع الصورة النمطية الملتصقة بالمسلمين عبر إبراز الجوانب الإيجابية التي يجهلها عدد كبير من الكنديين وآخرون من أصحاب معتقدات مختلفة. يقول المنتمي إلى صف الجالية في كبيك: ''لا أتردد في الانخراط ضمن مثل هذه المبادرات كلما وجدت مناسبة ملائمة، خاصة أن رواجا إيجابيا قد لاقى كتابات وتسجيلات وضعتها على مواقع التواصل الاجتماعي في هذا الإطار، وأبتغي تعريف الغير بأن المغاربة لديهم وضع اقتصادي جيد في بلدهم، وانتقالهم إلى كندا مدفوع بالرغبة في التطور، وليس من أجل كسرة خبز''. في الفترة الأخيرة، حرص إسماعيل العلوي على التواجد بين أوائل المنتمين إلى ائتلاف لجمع مساهمات مالية من أجل جهود انتشال ضحايا الزلزال في المغرب، بعد الهزة الأرضية القوية التي ضربت مناطق في المملكة يوم 8 شتنبر 2023، وعمل مع أطر مغربية على تحقيق المطلوب بتعاون مع منظمة الصليب الأحمر ومؤسسة محمد الخامس للتضامن، مع برمجة حفل كبير، في ماي المقبل، ستخصص مداخيله لمساندة المجهودات في إعادة البناء بالمناطق الشاسعة المتضررة. شساعة مساحة الاختيار يرى إسماعيل العلوي أن المنخرط في تجربة الهجرة يمكن أن يكون مغيرا لمكان الاستقرار دون أن يعني ذلك الانسلاخ عن الهوية الأصلية، ما يعني ضرورة البقاء مرتبطا بالجذور على الدوام؛ لأن الحصول على احترام الآخرين يبقى غير متاح لمن لا يحترمون رصيدهم الشخصي، وإثبات الرغبة في تقديم الإضافة بمجتمع جديد لا يتأتى بالتنصل من الوطن الأم. كما ينصح إسماعيل الراغبين في الانتقال إلى كندا من أجل الاستقرار باستيعاب الإمكانيات المتاحة، والوعي بالفئات الملائمة للحصول على فرص وفق كل غرض، ويقول: ''نمط الحياة في هذه المنطقة من أمريكا الشمالية يؤمن بالرأسمال البشري، لذلك يقدم المساندة لكل من يقوم بجهود من أجل الكسب الشخصي دون إغفال ترقية المجتمع''. ''السياسات العمومية تخدم الراغبين في الاستثمار ليصلوا إلى نجاحات بناء على مبادراتهم الخاصة، لذلك لا ينبغي إغفال ما يمكن أن يتحقق بالعمل على إنشاء شركات، ولا تفويت الفرصة الملائمة للحصول على التمويلات المناسبة لكل تصور اشتغال، فالبلاد تدعم حملة الأفكار المتحلين بالإصرار''، يختم إسماعيل العلوي.