كثيرة هي الكفاءات المغربية التي تبدع خارج الوطن حين تجد الشروط للدراسات العليا والظروف المواتية للإبداع والمبادرة، ووسط هذه الجالية يبرز مسار المغربية سلوى بنمويسى في كندا باختيارها لتخصص علمي صعب وهو البيولوجيا الحيوية. انطلق مسار سلوى من جامعة الحسن الثاني بمدينة الدارالبيضاء، حيث تخرجت فيها سنة 1996 من شعبة بيولوجيا الحيوانات ونجحت في أن تحتل المرتبة الأولى بامتياز في دفعتها؛ لكن هذه الجامعة لم تكن، حينها، تمنح إمكانية استكمال الدراسات، أو ما يسمى آنذاك الميتريز، وهو ما دفع هذه الشابة المغربية إلى البحث عن فرص في الجامعات الكندية. نالت سلوى، وهي ابن أسرة بسيطة، أولى النجاحات في مسارها الطويل، حيث تم قبول ملفها لدى ثلاث جامعات كندية، في الكيبيكومونتريال ومونكتون؛ لكن ضعف الإمكانات المادية لوالدها حالت دون رغبتها، ما دفع إلى الاشتغال لبعض الوقت في بعض المختبرات المغربية. وجاء الخبر السار إلى سلوى بعدما أبلغها أحد أفراد أسرتها بأن كندا فتحت فرصاً للحاصلين على الإجازة في البيولوجيا مع تجربة مهنية كتقني في المختبرات، وهي الفرصة التي اغتنمتها ونجحت في الانتقال إلى كندا لتحقيق حلمها. وحين وصلت سلوى إلى كندا قبل سنوات مضت، لم تكن الأرض مفروشة بالورود؛ فقد سعت إلى دخول مجال الصناعة الصيدلانية لكي تكتسب تجربة مهنية كتقنية في المختبرات، لكنها وجدت الأبواب مُوصَدةً وتقول في حديث لهسبريس: "وزعت أكثر من مائة نسخة من سيرتي الذاتية؛ لكن دون نتيجة". وراء سلوى اليوم تجربة تقارب العشرين سنة في مجال البيولوجيا الحيوية biotechnologie، فقد تلقت دراستها وتكوينها على يد الدكتور لورناس سميت، المتخصص في علم الوراثة والاستنساخ الحيواني بجامعة مونتريالبكندا. هي اليوم عضو بهيئة الكيميائيين في الكيبيك وجمعية البيولوجيين في الكيبيك وجمعية نقل الأجنة في كندا، وتعمل اليوم على تلبية احتياجات مالكي الخيول الأصيلة من أجل تجميد الحيوان المنوي الخاص بها من أجل الحفاظ على أصولها. استمر نضالها من أجل اندماج ناجح في كيبيك إلى أن اشتغلت في شركة لتجميد للحيوانات المنوية لعدد من الحيوانات في كندا، بادرت سلوى إلى خوض غمار التجربة لوحدها، حيث أسست مقاولة سنة 2013 بعدما نجحت في تطوير خطة استنساخ تجريبية على الحيوانات. وخلال مسارها العلمي، لاحظت سلوى أن مجال تجميد الحيوانات المنوية للخيول لا يزال متواضعاً في كندا، وقررت خوض غمار صعب، على الرغم من أن عدداً من المسؤولين الحكوميين في مدينة سانتياسنت نواحي مونتريال حاولوا دفعها إلى العدول عن الفكرة وبأنها لم تنجح في ذلك. لم تكترث سلوى لذلك ورفعت السقف حالياً، على الرغم من أن المتخصصين في هذا العمل في مقاطعة الكيبيك فشلوا في عدد من التجارب منذ سنة 1995؛ لكن ابنة مدينة الدارالبيضاء نجحت في تحقيق هدفها بناءً على تجربة تقوم على تجميد الحيوانات المنوية للخيول في درجة حرارة 196 درجة تحت الصفر في الأزوت السائل. وهذا التجميد يُمكِّن من جعل الحيوانات المنوية صالحة إلى الأبد، إلى أن يتم حقنها في رحم أنثى الخيل، بعد إخراجها من حالة التجميد ووضعها في درجة حرارة 37 درجة لمدة ثلاثين ثانية، وتنتج عن هذه العملية ولادة بصحة جيدة تماماً كعملية الولادة العادية. والغرض من تجميد الحيوانات المنوية للخيول هو الحفاظ على سلالة الخيل الأصيل، أو بيعها لدى بنوك خاصة بهذه الحيوانات، وتبلغ أسعار الحقنة الواحدة اليوم في السوق الكندية ما بين 700 إلى 6500 دولار كندي وهي مصدر دخل لفئة لا بأس بها من مالكي الخيول الأصيلة. وتشير الباحثة المغربية، في حوار أجرته معها هسبريس بمقر مختبرها نواحي مدينة مونتريال، إلى أن تجميد الحيوانات المنوية للخيول معمول به في المغرب منذ مدة؛ لكن الأمر يقتصر على مركز وحيد يوجد في مدينة بوزنيقة، إذ إن الأمر ليس مفتوحاً للجميع، في وقت يشهد فيه الطلب ارتفاعاً كبيراً خصوصاً في أوروبا والولايات المتحدةالأمريكيةوكندا. وتعمل سلوى، من خلال مقاولتها Novacryo ، على اختيار أفضل فصيلة من الخيول للحصول على حيواناتها المنوية، لتتيح إمكانية الإنتاج الحيواني من الخيول فيما بعد، إضافة إلى توفير بنك خاص بذلك لضمان استمرارها في حالة وفاة الحصان الأصيل أو ضعف وتيرة الإنتاج لسبب من الأسباب. وتشير الأرقام إلى أن الاستثمار في الصناعة الفروسية في كندا بلغ سنة 2010 حوالي 29.4 مليار دولار؛ منها 2.7 مليار دولار في كيبيك. ويدر هذا القطاع على اقتصاد كيبيك حوالي 521 مليون دولار؛ منها 132 مليون دولار في القطاع الفلاحي. ويبقى طموح المغربية سلوى بنمويسى كبيراً، فهي تخطط لتطوير المجال التناسلي لدى جميع أنواع الحيوانات من أجل استمرارية جينية مثالية وفعالية لمختلف السلالات الحيوانية، هذا بالإضافة إلى توفير التكنولوجيا الحيوية النباتية في المستقبل.