أم من المستفيد من التكاليف بالصحراء؟ نشرت إحدى اليوميات الصادرة بالفرنسية الشهر المنصرم تحقيقا تحت عنوان: " كم تكلفنا الصحراء؟" اعتمد أحكاما ومعطيات بعيدة عن الموضوعية. وفيما يلي توضيح لبعض ما ورد في التحقيق: "" لاأحد يمكنه إنكار المجهودات التي بذلتها الدولة من اجل تنمية أقاليم الصحراء و تعويض التأخير المسجل والموروث عن المستعمر. غير أن لا أحد من المسؤولين أو لا الباحثين لم يكلف نفسه عناء تقييم 33 سنة من التكاليف و المبادرات و السياسات الاقتصادية بالمنطقة. فالسياسات العمومية بهذه الأقاليم لم تساءل أبدا، أي تشخيص للحاجيات؟ أية حاجيات؟كيف تم الجواب عنها؟ ما هي نجاعتها؟ هل أعطت النتائج المنتظرة أم ولدت نتائج عكسية؟ من المستفيد ؟ ..... أسئلة و غيرها يستوجب الوقوف عليها بدل الاكتفاء بأحكام القيمة كما فعل أصحاب التحقيق. ونحن سنكتفي هنا بالرد على ثلاث أحكام وردت بالموضوع المشار إليه أعلاه ؛ الصحراء جنة ضريبية: لمن؟ خلافا لما ورد في التحقيق الذي تحدث عن كون الصحراء جنة ضريبية، فان الإعفاءات الضريبية تشمل فقط الأشخاص المعنويين الخواص. أما الموظفون فيؤدون الضريبة على الدخل كجميع المغاربة والمستهلكون جميعهم يؤدون الضريبة على القيمة المضافة.غير أن الذي أغفله التحقيق هو أن العدد الهائل من الشركات، بالنظر إلى حجم المدن، ذووا السجل التجاري بأقاليم المنطقة لم يزوروا قط المنطقة بل لا يعرفون حتى العنوان المصرح به و يستفيدون من الإعفاء الضريبي في حين أن نشاطهم يوجد بالمناطق الأخرى ( الدارالبيضاء-الرباط- أكادير....). فيما يخص الضريبة على القيمة المضافة بالنسبة للشركات المتواجدة بالأقاليم الصحراوية فإنها تحرم الدولة من مدا خيل مهمة بل تكبدها خسارة أكبر.فكيف يعقل أن تؤدي الدولة الصفقات العمومية بمبالغ تحتوي الضريبة على القيمة المضافة(TTC) و هي تعلم أن الشركات المحلية لا تصرح و لا تؤدي تلك الضريبة. إن الجنة الضريبية المزعومة لم يستفد منها سوى بعض المحظوظين من أصحاب الشركات أما المواطن فلم يستفد لا مباشرة و لا بشكل غير مباشر منها، إن هذا الإعفاء الضريبي المبني على خطاب للملك الراحل الحسن الثاني، والمطبق حسب فهم كل واحد لم يؤد الدور المحدث من أجله و هو تشجيع الاستثمار والتشغيل بالمنطقة بل تحول إلى تهريب من نوع آخر و هو "تهريب عناوين الشركات إلى الصحراء" فعن أي نعيم يتحدث أصحاب التحقيق؟ الدخل المضاعف:double salaire ؛ الوهم الذي تحول حقيقة؟ قبل الحديث بغير علم، خاصة بالنسبة لصحفي ينجز تحقيقا كان بالأحرى البحث عن معنى و الأساس القانوني لموضوع الحديث، فالأمر يتعلق هنا بالتعويض عن الأعباء بالمناطق النائية «Prime de Sujétion » و المنظمة بمرسوم وزاري صادر بالجريدة الرسمية سنة 1983 جاء فيه " أن كل مستخدم للدولة بالأقاليم الصحراوية المسترجعة (السمارة - العيون-بوجدور-الداخلة) مياوما كان أو موسميا أو رسميا يستفيد من تعويض عن الأعباء 85% من الراتب الأساسي.الهدف من ذلك كما في جميع بقاع العالم، هو تشجيع موظفي الدولة على العمل بالمناطق النائية (سيتم الرفع من هذا التعويض بالنسبة للاقليم النائية الاخرى حسب نتائج الحوار الاجتماعي الاخير) . غير أن ما أغفله أصحاب المقال أن هذا التعويض لا يسمن و لا يغني من جوع فهو لا يساوي حتى ثمن تذكرة سفر سنوية واحدة لموظف بالداخلة و أسرته لزيارة ذويهم في الدارالبيضاء مثلا. (1800كلم تقريبا). أي مضاعفة للأجر هنا؟ أم هو تعويض عن الأعباء فعلا؟ أليس من الأجدر الرفع من قيمته بدل تضخيمها ؟ دعم المواد الأساسية كيف؟ و من المستفيد؟ إن الدعم المقدم يهم المواد: السكر-الزيت-الدقيق-البنزين فقط و ليس بالشكل الذي صوره أصحاب المقال. فلكل مواطن مقيم بالأقاليم المسترجعة الحق في الاستفادة من بطاقة التموين تمكنه من اقتناء (السكر-الزيت والدقيق)بأثمنة تفضيلية لكن لدى تجار الجملة مرخصون لذلك و بحسب عدد أفراد العائلة. وبالنظر لممارسات التجار و الجودة الرديئة للدقيق و الزحام المسجل في نهاية الشهر و ضعف الكمية،فان المواطن يجد نفسه مضطرا لشراء هذه المواد بأثمنة السوق كما في جميع أقاليم المملكة.في حين يتم تهريب ما تبقى لدى التجار إلى الأقاليم المجاورة .أما عن البنزين فالتخفيض في ثمنه لم يخدم قط المواطن العادي.فكم مواطنا يملك سيارة؟ و كم يستهلك من البنزين شهريا؟ فهذا الدعم يستفيد منه فقط أصحاب أساطيل الشاحنات و المهربون.أما المواطن الهدف الأول و الأخير لهذه السياسات يبقى آخر من نتصور أنه استفاد بل هو ضحية لأحكام قيمة يسوقها بعضهم و يؤكدها صحفيون مفروض فيهم تحري الحقيقة كل الحقيقة لا الزيادة في جراح مواطنين يعانون الفقر و البطالة و التهميش و ارتفاع الأسعار و يصورهم آخرون على أنهم يعيشون في جنات النعيم لا ينقصهم سوى مهرجانات صرفت فيها ملايين الدراهم و نودي على فنانين تقاضوا في ساعتين ثمن بناء عشر دور سكنية ممكن أن تحل مشكلة سكن مئة مواطن للأبد.. فالفقر و البطالة و الأمية... تحديات المغرب بصيغة الجمع ( Le Maroc au pluriel ) ووحدها سياسة عمومية مبنية على التقييم و المساءلة و على حركية الكفاءات و استفادة كل المناطق منها (لا أن يظل مسؤول معاقب عشرون سنة في إقليم دون تغيير رغم أنف المواطن ) وحدها كفيلة بتحقيق حلم البلاد والعباد في التنمية والرفاه في وطن يتسع للجميع. *طالب بالمعهد العالي للإدارة [email protected]