حمل الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى الثامنة والأربعين للمسيرة الخضراء المظفرة، توجهات استراتيجية واعدة من أجل مستقبل مشرق لشعوب بلدان الساحل وتنمية مشتركة بمعية الدول الإفريقية المطلة على المحيط الأطلنتي وعددها 23 دولة. إن الإعلان عن إحداث إطار مؤسسي أطلسي يجمع بين هذه الدول، يمثل مبادرة قارية طموحة وشجاعة تدفع في اتجاه توطيد الأمن والاستقرار والازدهار المشترك للشعوب الإفريقية. ويعكس تمكين دول الساحل الإفريقي من الولوج إلى المحيط الأطلنتي، ووضع البنيات التحتية والطرقية والمينائية المغربية رهن إشارتها، عقلا استراتيجيا مغربيا عبقريا ورؤية شمولية بعيدة المدى لقارة إفريقية مزدهرة تنعم بالاستقرار والتعاون والتنمية المشتركة. كما تحمل هذه الرؤية، مقاربة جديدة تتجاوز المعالجة العسكرية والأمنية ومخلفات الإرث الاستعماري أو التدخلات الاستعلائية المزعزعة للاستقرار والتي ثبت فشلها ومحدوديتها على مدى عقود طويلة، بدليل الاختلالات العميقة التي تتخبط فيها بلدان الساحل على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية والبيئية الجمة. ومعلوم أن العديد من المناطق الإفريقية رغم الموارد والمعادن الهامة التي تتوفر عليها، لازالت تعاني ويلات توفر البيئة الخصبة لانتشار الجماعات الإرهابية، والميليشيات المسلحة الانفصالية، والجريمة المنظمة، والتهريب الدولي، والهجرة السرية والاتجار بالبشر، وغياب الاستقرار السياسي وتدهور الأوضاع الأمنية، بينما تحمل التغيرات المناخية بدورها شبح المجاعة ونقص الغذاء. Loading Ad 00:00 / 00:00 إن عمق العلاقات المغربية الإفريقية متجذر في التاريخ على مدى قرون عديدة، بحيث أن جهود المغرب في التنمية، لا تتقوقع في مقاربة أحادية بل تنبني على أساس تثمين موقعه الجيواستراتيجي المشرف على جبل طارق، وبالتالي تعزيز أدواره الإقليمية كحلقة أساسية للربط بين أوروبا وإفريقيا وأمريكا، انطلاقا من فهم عميق لتحولات السياق الدولي والمحيط الإقليمي ومجمل المتغيرات الجيواستراتيجية وما تحمله من فرص وجب تثمينها ومخاطر وجب تجنبها تحقيقا للمصلحة الوطنية العليا. لقد مهد المغرب وأسس بشكل جيد لهذه المبادرات والمشاريع ذات البعد القاري بخطوات جبارة، وذلك منذ اعتلاء الملك محمد السادس لسدة الحكم وتنظيمه لعشرات الزيارات الدولية الرسمية للبدان الإفريقية التي توجت بتوقيع اتفاقيات تعاون وشراكة اقتصادية وتبادل للتجارب والخبرات، مما مهد للعودة المغربية القوية لمنظمة الإتحاد الإفريقي سنة 2017، وافتتاح عشرات القنصليات بالأقاليم الجنوبية المغربية، ودحض أكاذيب ومغالطات خصومه، كما استطاعت المملكة خلال فترة وجيزة التمكن من شغل مهام حاسمة في الهياكل التنظيمية للاتحاد وفي عضوية لجانه المختلفة كدولة مؤثرة ولاعب قوي شمال غرب إفريقيا. وسيعزز الإعلان الملكي الأخير، فرص نجاح المشروع الاستراتيجي لأنبوب الغاز المغرب – نيجيريا، كمشروع للاندماج الجهوي والإقلاع الاقتصادي المشترك، وتشجيع دينامية التنمية على الشريط الساحلي الأطلنتي، ناهيك عن كونه مصدرا مضمونا لتزويد الدول الأوروبية بالطاقة، كما أكد على ذلك الخطاب الملكي الأخير. في المقابل، فإن تفعيل هذا الإطار المؤسسي، يبقى رهينا ببذل جهود كبيرة ومتواصلة في إقناع النخب السياسية والاقتصادية والفكرية والمدنية الإفريقية، بتبني هذه الرؤية الاستشرافية المبنية على مبدأ رسخه المغرب تدريجيا تحت عنوان التعاون جنوب – جنوب وفق منطق رابح – رابح، والذي يمكن الترافع من أجله لضمان انخراط بناء للقوى الدولية الكبرى المتنافسة على تعزيز نفوذها بالقارة الإفريقية، مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية وروسيا والصين والإتحاد الأوروبي وغيرها. وبالإضافة، إلى ما يبذل على المستوى الديبلوماسي والاقتصادي المغربي الرسمي، وجب تشجيع المبادرات المدنية والأكاديمية ومختلف أشكال الديبلوماسية الموازية لربح رهان إقناع النخب الإفريقية، ونظرا للطابع الجيواستراتيجي لهذه الرهانات وما يتطلبه التنظير والتعبئة لهيكلة تشاركية لهذا الفضاء الجيوسياسي، نقترح توفير الدعم لتنظيم أول مؤتمر دولي للجغرافيين الأفارقة، يعكف المنتدى الإفريقي للتنمية والأبحاث الجغرافية والاستراتيجية على تصوره والتمهيد له منذ سنوات، بما في ذلك مشروع إحداث أطلس خرائطي إفريقي متعدد اللغات. أستاذ باحث في الجغرافيا السياسية والقضايا الجيواستراتيجية – رئيس المنتدى الإفريقي للتنمية والأبحاث الجغرافية والاستراتيجية*