جاء الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى الثامنة والأربعين للمسيرة الخضراء المظفرة، بتوجهات استراتيجية مشجعة وواعدة لبلدان الساحل، للإستفادة من تنمية مشتركة بين الدول الإفريقية المطلة على المحيط الأطلنتي. واعتبر مراقبون جيوستراتيجيون على أن المبادرة الملكية القارية طموحة وشجاعة، تدفع في اتجاه توطيد الأمن والاستقرار والازدهار المشترك للشعوب الإفريقية. لكن الواجهة الأطلسية تواجه صعوبات أمنية وإكراهات عديدة تتجلى في الهجرة السرية والتهريب الدولي والانقلابات العسكرية التي تعاني منها أغلب الدول الإفريقية بالإضافة إلى الجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة الإنفصالية.
موسى المالكي، أستاذ باحث في الجغرافيا السياسية والقضايا الجيواستراتيجية، رئيس المنتدى الإفريقي للتنمية والأبحاث الجغرافية والاستراتيجية، يقول إن هذه "المبادرة تمكن دول الساحل الإفريقي من الولوج إلى المحيط الأطلنتي، ووضع البنيات التحتية والطرقية والمينائية المغربية رهن إشارتها"، مؤكداً على أن "المغرب أصبح عقلا استراتيجيا عبقريا، له رؤية شمولية بعيدة المدى لقارة إفريقية مزدهرة تنعم بالإستقرار والتعاون والتنمية المشتركة".
وأضاف موسى المالكي، في تصريح ل"الأيام 24″، أن هذه "الرؤية تحمل مقاربة جديدة تتجاوز المعالجة العسكرية والأمنية ومخلفات الإرث الاستعماري أو التدخلات الاستعلائية المزعزعة للاستقرار والتي ثبت فشلها ومحدوديتها على مدى عقود طويلة، بدليل الاختلالات العميقة التي تتخبط فيها بلدان الساحل على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية والبيئية الجمة".
وتابع المتحدث عينه أن "العديد من المناطق الإفريقية رغم الموارد والمعادن الهامة التي تتوفر عليها، لازالت تعاني ويلات توفر البيئة الخصبة لانتشار الجماعات الإرهابية، والميليشيات المسلحة الانفصالية، والجريمة المنظمة، والتهريب الدولي، والهجرة السرية والاتجار بالبشر، وغياب الاستقرار السياسي وتدهور الأوضاع الأمنية، بينما تحمل التغيرات المناخية بدورها شبح المجاعة ونقص الغذاء".
وأشار الخبير الجيوستراتيجي أن "عمق العلاقات المغربية الإفريقية متجذر في التاريخ على مدى قرون عديدة، بحيث أن جهود المغرب في التنمية، لا تتقوقع في مقاربة أحادية بل تنبني على أساس تثمين موقعه الجيواستراتيجي المشرف على جبل طارق"، مردفا أن "تعزيز أدواره الإقليمية كحلقة أساسية للربط بين أوروبا وإفريقيا وأمريكا، إنطلاقا من فهم عميق لتحولات السياق الدولي والمحيط الإقليمي ومجمل المتغيرات الجيواستراتيجية وما تحمله من فرص وجب تثمينها ومخاطر وجب تجنبها تحقيقا للمصلحة الوطنية العليا".
"لقد مهد المغرب وأسس بشكل جيد لهذه المبادرات والمشاريع ذات البعد القاري بخطوات جبارة، وذلك منذ اعتلاء الملك محمد السادس لسدة الحكم وتنظيمه لعشرات الزيارات الدولية الرسمية للبدان الإفريقية التي توجت بتوقيع اتفاقيات تعاون وشراكة اقتصادية وتبادل للتجارب والخبرات، مما مهد للعودة المغربية القوية لمنظمة الإتحاد الإفريقي سنة 2017، وافتتاح عشرات القنصليات بالأقاليم الجنوبية المغربية، ودحض أكاذيب ومغالطات خصومه"، يقول المتحدث، لافتا إلى أن "المملكة الشريفة استطاعت خلال فترة وجيزة التمكن من شغل مهام حاسمة في الهياكل التنظيمية للاتحاد وفي عضوية لجانه المختلفة كدولة مؤثرة ولاعب قوي شمال غرب إفريقيا".