لا حديث يعلو في وسائل الإعلام الجزائرية والإسبانية على اسم عبد الفتاح دغموم، سفير الجارة الشرقية الجديد بمدريد، الذي أماط اللثام عن نهاية سياسة المقاطعة لدى الرئيس تبون تجاه حكومة سانشيز، و"الفشل الكبير" في تغيير موقف مدريد من مخطط الحكم الذاتي. ستعيد الجزائر سفيرها إلى مدريد، وفق ما كشفته صحافة الجارة الشمالية، وسط "خيبة أمل" و"استسلام للأمر الواقع"، خاصة مع بقاء أمتار قليلة من جلوس سانشيز على كرسي المونكلوا، وتأكد جميع الأطياف السياسية في إسبانيا من بقاء الموقف التاريخي الداعم للمقترح الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية. وكانت أولى "البوادر القوية" لفشل مخططات وجهود الجزائر في تغيير الموقف الإسباني هي الاتفاق الذي حصل بين سانشيز ويولاندا دياز، زعيمة تحالف "سومار"؛ وهو الاتفاق الذي جعل دياز تتخلى عن وعودها الانتخابية لجبهة البوليساريو من تغيير موقف مدريد من الصحراء، واضعة بذلك قيادة الرابوني في حالة من "الدهشة والاستياء". وكانت السلطات الجزائرية على وقع الصدمة من تغيير الموقف الإسباني، الذي يأتي في سياق عالمي أصبح يعي بحقيقة النزاع المفتعل في المنطقة ويرى خطة الحكم الذاتي الحل الوحيد لإنهاء معاناة المحتجزين في مخيمات تندوف؛ ما دفعها إلى نهج سياسة "العداء" عبر تعليق معاهدة الصداقة لسنة 2002، معتقدة أن ذلك سيشكل ضغطا يدفع سانشيز إلى الخروج عن المد العالمي، واليوم بعد 19 شهرا من الترقب يبدو تبون "مستسلما" و"راضخا". وحتى يتم إلقاء الضوء على السياسة الخارجية الجزائرية الحالية حول قضية الصحراء المغربية التي على الرغم من إصرار الجزائر على ذكرها في مختلف المحافل الدولية فإن صمتها الأخير والمتواصل منذ صدور قرار مجلس الأمن الذي لم يغير من موقفه من جدية المقترح المغربي واعتبار الجارة الشرقية طرفا أساسيا والرضوخ لموقف مدريد بإعادة السفير يطرح تساؤلات حيال مدى استسلام القادة العسكريين في الجزائر في هذا الملف. وخلال شهور سياسة القطيعة الدبلوماسية الجزائرية، تضررت المعاملات التجارية مع مدريد، مع بقاء صادرات المحروقات في مستوياتها تخوفا من العقوبات الأوروبية، في مقابل نمو غير مسبوق في العلاقات بين الرباطومدريد، مع مشاريع مشتركة وثورية على غرار تنظيم مونديال 2030. فشل كبير وليد كبير، ناشط جزائري معارض، قال إن "دغموم كان يشكل سابقا الرجل الثاني في السفارة الجزائريةبمدريد، وتعيينه في الوقت الحالي ينم عن فشل كبير من قبل النظام الجزائري في تغيير الموقف الإسباني من الحكم الذاتي عبر التعويل على الحزب الشعبي اليميني". وأضاف كبير، في تصريح لهسبريس، أن "هذا التعيين تراجع وفشل، ويقين من قبل النظام في الجزائر بأن موقف إسبانيا ليس مرتبطا بالحكومات أو سانشيز؛ بل موقف دولة". واعتبر المتحدث ذاته أن "العلاقات بين المغرب وإسبانيا تتعزز بشكل أكبر، وموقف مدريد لن يتغير باعتباره قرارا سياديا"، لافتا إلى أن "نظام تبون يوجه نحو التقليل من التوتر مع المغرب. وهذا الأمر يزعج بعض أجنحة النظام العسكري؛ ما يؤكد وجود صراع داخلي حول هاته السياسة التي سيتم اتباعها، خاصة عن طريق مع إسبانيا وفرنسا". وتابع كبير بالقول إن "هاته السياسة من الصعب وضعها في الوقت الحالي؛ لأن بقاء النظام في الحكم يأتي من خلال العداء للمغرب والتصعيد ضده". وخلص الناشط الجزائري المعارض إلى أن "الجميع يتمنى خفض التوتر بين المغرب والجزائر. كما أن عودة السفير الجزائري إلى إسبانيا أمر إيجابي، خاصة على المستوى الاقتصادي". من جانبه، سجل عبد الحميد البجوقي، كاتب ومحلل سياسي مختص في الشأن الإسباني، أن "الجزائر بسحبها سفيرها من مدريد كانت قد ارتكبت خطأ استراتيجيا وتكتيكيا، واليوم تريد أن تصحح ذلك". تصحيح الخطأ أورد البجوقي، ضمن تصريح لهسبريس، أن "موقف الجزائر من قضية الصحراء يبين أنها طرف أساسي وليس عكس ذلك؛ وهو ما تأكد من خلال سحبها لسفيرها في مدريد في مسألة تخص المغرب وإسبانيا. وبعد كل هذا الوقت، تكتشف أنها مخطئة تماما"، لافتا إلى أن "إسبانيا مهتمة بأن تعود العلاقات مع الجزائر، وكانت منذ القرار الجزائري الصادم مستعدة ومتحمسة لكي تعود العلاقات إلى مستوياتها العادية". وفي هذا السياق، بيّن المحلل السياسي المختص في الشأن الإسباني أن "عودة السفير هو قرار في مصلحة كلا البلدين، خاصة أن الجميع تأكد من بقاء الموقف الإسباني كما هو عليه". وشدد البجوقي، في الأخير، على أن "إسبانيا ستحاول نهج سياسة التوازن مع المغرب والجزائري، في ظل موقفها الداعم للحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية".