منذ ليلة السبت-الأحد وقضية "إطلاق مقذوفات متفجرة استهدفت أحياء سكنية" بمدينة السمارة، الواقعة بالنفوذ الترابي لإحدى أبرز جهات الصحراء المغربية، تتفاعل، في انتظار الرواية الرسمية الكاملة، إلا أن المؤكد أن الحادث يمكن أن يشكل استفزازا للمغرب ووحدته الترابية عشية قرار مجلس الأمن الأممي (الذي يصدر متم أكتوبر كل عام)، في ظل فرضيات القصف من البوليساريو أو من الداخل. أبرز التفاعلات جاءت صباح الأحد 29 أكتوبر ضمن بلاغ للوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالعيون، أعلن رسميًا "تكليف الشرطة القضائية المختصة بإجراء بحث قضائي، إثر تسجيل وفاة شخص وإصابة ثلاثة آخرين نتيجة إطلاق مقذوفات متفجرة استهدفت أحياء سكنية بمدينة السمارة". ووفق البلاغ، فإنه قد عُهد من طرف الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بالعيون لفريق البحث القيام ب"الخبرات التقنية والباليستية الضرورية، للكشف عن مصدر وطبيعة المقذوفات المتفجرة التي تسببت في وفاة أحد الضحايا وإصابة ثلاثة آخرين بجروح متفاوتة الخطورة، من بينها حالتان حرجتان تم نقلهما للمستشفى بالعيون لتلقي العلاجات الضرورية". ولم يفت البلاغ التأكيد أن الوكيل العام للملك بالعيون "سيحرص على ترتيب الآثار القانونية اللازمة على ضوء نتائج البحث". وفي أكثر من مناسبة سابقة، كان المغرب واضحاً عندما أكد أن "أيّ قصف سيتم الرد عليه بشكل صارم". ورفض مسؤول مغربي رفيع المستوى التعليق على الواقعة في ظل فتح تحقيق رسمي في الموضوع. سياق محفوف و"توقيت أسوأ" وتساءل عدد من المتتبعين على منصات التواصل الاجتماعي عن دواعي وحيثيات "حادث السمارة" في ظل "تعدد الفرضيات القائمة"، وانتشار عدد من "التكهنات"، التي من المرتقب أن تحسِمَها الرواية الرسمية، التي قد تؤكد أو تنفي إمكانية مسؤولية وقوف جبهة البوليساريو الانفصالية وراء حادث السمارة، مع نوايا تصعيدها في حال ثبوت ذلك. سياق الحادث في السمارة يظل أيضا محفوفاً بكثير من الأسئلة المتشابكة، خاصة أن الظرف الزمني يحيل بوضوح إلى استباق قرار مجلس الأمن الأممي وتجديد بعثة حفظ السلام في الصحراء "المينورسو"، دون نسيان سياق ما بعد الانتصارات المتتالية للدبلوماسية المغربية واتساع الدعم المتجدد لمبادرة الحكم الذاتي. تفاعلا مع الحادث، كتَب مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، الناشط الصحراوي القيادي السابق في جبهة البوليساريو الانفصالية، على حسابه في موقع فيسبوك"، قائلا: "لم تُعلن أية جهة مسؤوليتها عن ما وقع في السمارة إلى حد الساعة، رغم أن معاينة أعضاء المينورسو توشي بكل شيء". وتابع ضمن التدوينة ذاتها: "إذا اتضحت مسؤولية البوليساريو ستكون ارتكبت الخطأ القاتل رقم (2). وينطبق عليها المثل الحساني: رظع.. و لا روى"، ليخلُص إلى أن "الفعل سيء والتوقيت أسوأ". "جريمة في سِجّل حافل"! من جانبه، سجل محمد سالم عبد الفتاح، رئيس المركز الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، في تصريح لهسبريس تفاعلا مع الموضوع، أن "قصف المدنيين الصحراويين العُزّل يمكن اعتباره جريمة أخرى تنضاف لسجل البوليساريو الإجرامي الحافل". وتابع سالم عبد الفتاح شارحا: "دائما ما تضحي البوليساريو بمصالح الصحراويين في سبيل تحقيق مشروعها الوظيفي المؤسَّس لخدمة الأجندات الإقليمية والدولية بالدرجة الأولى"، موردا أنه "ليس مستَغرَباً أن تستهدف المدنيين العزل كما هو دأبُها بعد أن عجزت عن مواجهة القوات المسلحة المغربية التي باتت تبسط سيطرتها الجوية على كامل المناطق العازلة، وترد أي اعتداءات تطال الجدار الدفاعي أو المنشآت العسكرية المغربية". واعتبر المتحدث لهسبريس أن "الحادث يمكن تفسيره بلفت انتباه المجتمع الدولي عشية انعقاد جلسات مجلس الأمن حول ملف الصحراء"، لافتا إلى أن "الجبهة الانفصالية تُضحي بأمان الصحراويين وتُروّع الآمِنين وتعرّض المدنيين لخطر مناوشاتها منعدمةِ القدرة على خلق أيّ فارق ميداني". وتابع الخبير في شؤون الصحراء بأنه "في حال ثبوت تورط البوليساريو في استهداف مدنيين عزل عبر هذه الأقصاف أو ثبوت أن مصدرها هو المنطقة العازلة شرق الجدار، فإنه سيكون لهذه العملية الجبانة انعكاس سلبي على صورة الجبهة، ما سيدعّم اتهامات سابقة موجهة لها بالعلاقة مع الإرهاب. كما سيُعيد طرح ضرورة تأمين المغرب لكافة المناطق العازلة، مع إمكانية تغيير قواعد الاشتباك بما يخدُم حالة الأمن والاستقرار في المنطقة". "بصمات معروفة"؟ "الأقصاف العشوائية والغادرة عديمة الجدوى والتأثير وغير الدقيقة، هي بصمات معروفة للبوليساريو"، يؤكد رئيس المركز الصحراوي لحقوق الإنسان، لافتا إلى أنها "لا تستطيع التركيز على أي هدف عسكري، بسبب ضُعف التسليح وانعدام القدرة على التوغل في المنطقة العازلة". وزاد: "صواريخ غراد وقذائف الهاون وغيرها من الأسلحة التي تعتمد عليها الجبهة الانفصالية والتي باتت بدائية بمنطق اليوم، لا يمكن توجيهها سوى عن طريق ما يعرف بالتجريب" (أي إطلاق قذائف ثم تعديل الماسورات بناء على رصد أماكن وقوعها). ومضى شارحا: "بما أن البوليساريو تفتقد للقدرة على الرصد العسكري داخل الأقاليم الجنوبية المغربية، فإنها تنتهج استراتيجية القصف العشوائي، التي من النادر أن تصيب هدفاً أو تحدث ضررا، وإن أحدثتْه فلن يكون هدفاً عسكريا بالضرورة، بل سيكون على الأغلب إما أماكن غير مأهولة أو أهدافا مدنية". "التشويش على مسلسل تسوية سلمي" من جهته، ذهب محمد نشطاوي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض بمراكش، في الاتجاه نفسه، مؤكدا على دلالة التوقيت ومؤشراته القوية "قبل أيام معدودة من عقد اجتماع مجلس الأمن لاتخاذ قراره الدوري بخصوص الصحراء المغربية". الخبير في العلاقات الدولية أكد أن "الحادث بمثابة تشويش على مسلسل تسوية سلمية من طرف الأممالمتحدة للنزاع المفتعل قد بدأ في السنوات الأخيرة، فضلا عن انتصارات الدبلوماسية المغربية الواقعية، مقابل تجدد رفض هذا المسلسل الأممي من طرف الجزائر الداعمة لانفصاليي البوليساريو وانفصاليّي الداخل". ولفت نشطاوي الانتباه، في حديثه لهسبريس، إلى "مؤشر آخر لا يقل أهمية، هو تنديد البوليساريو بقوة قبل أيام بموقف غوتيريش، الأمين العام الأممي، بكونها مسؤولة عن خرق وقف إطلاق النار، وحديثه عن الصعوبات التي تجدها قوات المينورسو في التحرك بحريّة والقيام بمهامها". وأكد المصدر ذاته أن "ربط السياق بمختلف عناصره ومؤشراته بما حدث ليلة السبت-الأحد بالسمارة في منطقة مدنية، يدفع في اتجاه تأكيد الفرضيات المتضمنة لاتهامات بأن الجبهة الانفصالية البوليساريو أو بعض الفصائل المسلحة المنشقة عنها التي تحاول إيجاد موطئ قدم لها، هي الجهة الواقفة وراء هذه الجريمة". وأضاف أن فتح تحقيق رسمي من طرف وكيل الملك في هذه الوقائع، يأتي نظرا لكونها جريمة، متوقعا أن "القوات المسلحة المغربية لن تترك الأمر يمرّ دون عقاب، فالرد سيكون حازما ومتناسباً بعد اكتمال المعطيات والحيثيات"، ضاربا المثال بالرد على "بعض مناوشات البوليساريو التي أدت ثمن الاستفزاز في الكركرات عام 2020". يشار إلى أنه في انتظار الرواية الرسمية من الطرف المغربي، رجّحت صفحات ومصادر إعلامية على مواقع التواصل أن تكون "حركة إرهابية تسمي نفسها (أبناء الشهداء)، هي من تسلحت وتتحرك بالمنطقة العازلة شرق الجدار الأمني وقامت بقصف مدينة السمارة ولم تستهدف الجيش؛ لأجل زرع حالة من الرعب داخل صفوف الساكنة".