تعيش مخيمات تندوف فوق التراب الجزائري على وقع احتجاجات ومظاهرات حاشدة، لم تكد تبدأ حتى انتَقلت كالنَّار في الهشيم بقيادة الساكنة بشكل مباشر، "انتفاضا" على قيادة البوليساريو وطلبا لتحقيق عدد من المطالب. الأحداث التي طالت مخيمات أوسرد والسمارة وبعدها بوجدور عرفت خروجا جماعيا للساكنة وإعلانا عن حالة التمرد إلى حين تحقيق المطالب وتحمل المفوضية السامية لغوث اللاجئين مسؤوليتها في حماية اللاجئين الصحراويين، وتمكينهم من كامل حقوقهم التي انتهكتها البوليساريو عبر ميليشياتها العسكرية وقواتها التي أصبحت مسلَّطة على رقاب وأرزاق الصحراويين بالمخيمات. في غضون ذلك، سجل منتدى دعم مؤيدي الحكم الذاتي بتندوف المعروف اختصارا ب " فورساتين "، تدخل قوات الشرطة التابعة للبوليساريو في حق المحتجين بمخيم السمارة نتج عنه إصابات متفرقة في صفوف المواطنين قبل أن يلتحق سكان المخيم بمكان الاحتجاج، ليتم "طرد قوات الشرطة بشكل كامل من المخيم وتسجيل 5 إصابات بين عناصر الشرطة، وتكسير عدد من سياراتها، إضافة إلى إحراق مقرها الذي يديره مدير الشرطة المقرب من محمد عبد العزيز". وإلى الآن، لا زالت قيادة البوليساريو تبحث عن سبل إرساء تعزيزات من الدرك والجيش لإخماد "ثورة" وغضب الشعب الصحراوي الذي قد بعصف بجبهة البوليساريو وقياداتها. الفاتحي: المخيمات تعيش ثورة شعبية وقودها الشباب عبد الفتاح الفاتحي، الخبير في قضايا الصحراء والشأن المغاربي، أكد أن انهيار نظام جبهة البوليساريو بات قاب قوسين أو أدنى بعد ارتفاع حِدَّة المظاهرات بشكل غير مسبوق خلال الآونة الأخيرة؛ مضيفا أن حالة الغليان الشعبي داخل المخيمات انطلقت منذ مدة ضد التمييز القبلي التي تجعل منه جبهة البوليساريو شرعة سياسية لها، في حين يقبع الباقي تحت وطأة الفقر الشديد والممارسات المُحطة من كرامتهم الإنسانية. وأوضح المتحدث في تصريح لهسبريس، أن بنية النظام السياسي لجبهة البوليساريو شاخت دون أن تتطور من الناحية السياسية والتدبيرية، مخلِّفة ظروف عيش قاسية تعيشها غالبية محتجزي مخيمات تندوف، حتى اضطروا إلى امتهان التهريب على الحدود الجزائرية والمتاجرة في الأنشطة المخالفة للقانون. وتابع الفاتحي، أن مؤشرات عديدة تؤكد بما لا يَدع مجالا للشك أن المخيمات تعيش ثورة شعبية وقودُها الشباب اليائس ضد حفنة من شيوخ قيادة جبهة البوليساريو، ولا بديل عن التظاهرات الشعبية بالمخيمات غير تغيير النظام الفاسد لجبهة البوليساريو وتجاوز ديكتاتورية عبد العزيز المراكشي الذي يعد أخر نظام عمر في قيادة مخيمات تندوف. وزاد الفاتحي، أن التظاهرات المستمرة اليوم بالمخيمات تبعث برسائل قوية إلى العالم هي الإسراع بحل نزاع الصحراء والعودة إلى أرض الوطن وتجاوز حالة الحصار التي تقيمها مليشيات البوليساريو والجيش الجزائر لا سيما بعد مقتل عدد من صحراوي المخيمات لاتهامهم بتهريب البنزين إلى خارج الحدود. وخلُص الخبير إلى أن شباب المخيمات أمام طريق اللاعودة عن مظاهراتهم إلى حين القضاء على فساد نظام الجبهة، ذلك أن قيادتها باتت تسترزق بمآسي ساكنة المخيمات فيما أن أبناءها يترفلون في نعيم المساعدات الدولية التي توظف لتعليم أبنائهم في الدول الأوربية وشراء القصور في عدد الدول الأوربي فيما تعيش غالبية سكان المخيمات في الحرمان والبؤس وانتهاكات كرامتهم الإنسانية. الشكراوي: انتفاضة وحراك يتطلبان دعما دوليا المتخصص في الدراسات الإفريقية، خالد الشكراوي، كان أكثر تحفظا على قيام ثورة بالمخيمات، معتبرا الأمر بعيد المنال، كما وأن الثورة لا بد لها من ترتيبات على مستوى إيديولوجي وثقافي، خاصة وأن الشباب في المخيمات انقطعوا تماما عن المحيط الدولي والسياسي، موضحا أن الأمر يشكل بوادر انتفاضة وحراك يتطلب الدعم المادي والمعنوي على الصعيد الدولي، "أضحى جليا أن يرفع المغرب راية حقوق الإنسان وأن يطالب بالتدخل العاجل للأمم المتحدة من أجل تلكم الساكنة". وعزا أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس في تصريح لهسبريس، ما يحصل حاليا من انتفاضات في مخيمات تندوف، إلى سوء التسيير بالمخيمات من جهة عن طريق المراقبة العسكرية التي تقوم بها السلطات العسكرية الجزائرية ومن جهة ثانية إلى السلطة والتحكم المباشر الذي تمارسه البوليساريو على هؤلاء الأشخاص في المأكل والملبس والسفر، وتجعلهم محاصرين وممنوعين من التَّواصل مع العالم الخارجي. وأورد الشكراوي، أن الشباب الصحراوي لديه تذمر كبير بعد عشرات السنين من الحصار والانقطاع مع المجالات الصحراوية الأصلية إضافة إلى كونهم في مجال غريب والباب مسدود أمامهم، خصوصا مع عدم تغير قيادات البوليساريو منذ سنة 1975 إلى الآن. وطالب المتحدث، بضرورة تقديم يد المساعدة لهؤلاء الشباب بكافة الأشكال حتى بما فيها المساعدة الإنسانية، "من واجبنا كمغاربة مساعدتهم والتواصل معهم والبحث عن حلول مشرِّفة للجميع بغض النظر عن قيادات البوليساريو لأنهم مواطنون مغاربة ويستحقون كل الرعاية".