فجأة وجدوا أنفسهم مشردين، يبحثون عن خيام للمبيت تحت الأشجار؛ نساء وأطفال ورجال أضحوا يفترشون الأرض تحت أغصان الزيتون، بعدما انهارت منازلهم وصارت في خبر كان. دوار آيت تيوكا بجماعة تيزي نتاست ضواحي تارودانت أضحت منازله عبارة عن أطلال، بنايات تعلوها الشقوق، وأخرى انهارت بالكامل، لتكون الغابة ملاذا للسكان. منسيون وراء الجبال بينما كنا نرصد حجم الضرر الذي طال دوار أخفيس بجماعة تيزي نتاست، التحق بنا مجموعة من الشباب يطلبون تسليط الضوء على معاناة دوار آيت تيوكا، القابع وراء الجبل، والبعيد عن أنظار الناس وعن تحركات السلطات. حاولنا تلبية النداء، حملنا أمتعتنا وتركنا دوار أخفيس متجهين صوب دوار آيت تيوكا. كان لزاما علينا صعود جبل شاهق للوصول إلى وجهتنا. تضاريس صعبة ومسالك وعرة تطلبت مجهودا كبيرا، لكن الواجب المهني كان يحتم علينا أن نواصل المسير في اتجاه هذا المكان. في أعلى قمة جبل آخر تظهر إحدى الجرافات وهي تحاول تعبيد الطريق أمام السيارات للتنقل صوب دواوير هناك. أما طائرات القوات المسلحة الملكية فلم تتوقف عن التحليق في الأجواء لرصد ما يجري في الأرجاء. رافقنا نحو هذا الدوار أربعة شبان، في الطريق كانوا يتوقفون كل مرة لأخذ قسط من الراحة، خصوصا أنهم كانوا يحملون قففا تحتوي على مواد غذائية حصلوا عليها من مواطنين في أسفل الجبل. وأخيرا، بدأ الدوار يظهر، يشير مرافقونا إلى مكان بعيد تتراءى منه بعض البنايات، لكن الشبان يؤكدون أنها منهارة، وحتى التي حاولت الصمود في وجه الزلزال لم تعد صالحة للسكن. رحل السكان عن الدوار، بقيت وحدها تلك البنايات الشاهدة على حياة كانت هناك قبل الثامن من شتنبر 2023، ليستقروا بشكل جماعي في سفح الجبل تحت ظلال أشجار الزيتون. حياة دون مأوى طاعنون في السن لا يستطيعون الحركة، ونساء بعضهن مصابات بكسور، وأطفال لم يعد لهم ما يرتدون من ملابس، تجمعوا هناك تحت أشجار الزيتون؛ كانت روح التضامن بينهم واضحة، الشباب والرجال يجلبون المؤونة والنساء يحضرن الأكل للجميع. عاينا رجالا كبارا في السن، بعضهم تجاوز قرنا من الزمن، أضحوا غير قادرين على فعل أي شيء، حتى المشي في هذه المناطق التي خبروا تضاريسها صاروا عاجزين عنه بفعل الإصابات جراء اهتزاز الأرض. النساء المصابات افترشن الأرض، إحداهن كانت مصابة بكسور لا تستطيع الحركة، وبالقرب منهن رجل طاعن في السن يلتحف ما يمكن تسميته تجاوزا غطاء للحد من البرد، وهو يتحدث في قرارة نفسه عما سيواجهه مع بداية الشتاء. "مات والداي، لم يعد هناك شيء، لكن ندعوهم لإنقاذ من مازالوا أحياء"، يقول الشاب زهير والدموع تنهمر من عينيه؛ علامات الحزن والتأثر بادية على محياه، بعدما وجد نفسه في لحظة يتحول إلى رب أسرة ومعيل لأخواته. لا يطلب هذا الشاب سوى تحرك المسؤولين في تارودانت لإغاثة الضحايا وإنقاذهم من الوضع الذي يعيشونه، إذ تغيرت وضعيتهم في لحظة جراء الزلزال. ويؤكد المتحدث إلى هسبريس أن نساء ورجالا أصيبوا بجروح وكسور، بينما الأطفال لم يعودوا يملكون ما يلبسون، لذلك يدعو السلطات إلى الوصول إلى هذا المكان وإغاثة المنكوبين. مطالب آنية غادرنا هذا المكان، الذي يمكن تسميته "مخيما"، رغم عدم توفره على الخيام للمبيت فيها، ثم توجهنا رفقة أبناء الدوار صوب أعلى الجبل، حيث تتواجد المنازل. دلنا هؤلاء على ما تبقى شاهدا على منازلهم، التي كانت منهارة بالكامل. يقول الشاب زهير وهو يشير إلى منزل انهار سقفه على من كان يتواجد بداخله لحظة الزلزال: "من هنا تم استخراج والديّ. تلك هي الوسادة التي كانت تتوسدها أمي". حاول مرافقنا لحسن والشباب الآخرون تبيان حجم المعاناة التي أضحوا يعيشونها رغم أن عدد الوفيات كان قليلا لم يتجاوز 18 شخصا مقارنة مع دواوير أخرى. يؤكد هذا الشاب أن الوضع الكارثي يتطلب تدخلا سريعا من لدن السلطات، لتطبيب المرضى والجرحى، وتوفير الخيام للمبيت. ووفق المتحدث ذاته فإن الساكنة المتضررة من الزلزال "لا تتوفر على أي شيء حاليا، والشتاء على الأبواب، ما سيعمق المعاناة ويزيد الوضع صعوبة في ظل غياب أفرشة وأغطية وما يمكن أن يقي من البرد والمطر في هذا المكان". تركنا سكان دوار آيت تيوكا، لنعود أدراجنا من حيث أتينا، ونقطع كيلومترات صعودا في الجبال صوب السيارة، على أمل أن تصل السلطات والمساعدات إلى هناك.