يقينا أن الجميع تأثر بهول الفاجعة، البعيد قبل القريب، وقد عبر كل بطريقته عن صدمته بما حدث من خلال وسائل التواصل الاجتماعي على الخصوص. زلزال مفاجئ ومدمر لم يتوقع أحد حدوثه في هذا الوقت تحديدا، كما لم يتمكن أحد من التنبؤ بدرجة الخطورة التي حدث بها، فحتى أحدث المختبرات والمراصد العالمية عجزت عن فعل ذلك، وقد كانت النتيجة للأسف كارثية بكل المقاييس، خسائر كبيرة في الأرواح، ومثلها في البنايات وعموم البنية التحتية، خسائر طالت أماكن عديدة من وطننا الحبيب، وخاصة وسط البلد على بعد كيلومترات من حاضرتين سياحيتين كبيرتين، وهما مراكش وأكادير. وطال التأثير كذلك كل من مدينتي ورزازت وترودانت، اللتين قدمتا نصيبهما من الضحايا، الذين نحسبهم شهداء للوطن. وسط هذا الجو الحزين، الذي هيمن على الجميع، ظهرت أصوات نشاز تحاول تصفية حسابات سياسوية ضيقة، أو تفجير مكبوتات اجتماعية أو ثقافية، تراكمت في وعيها ولا وعيها، من خلال فهم مغلوط للدين والسياسية والوطنية؛ وقد ارتدت أحيانا لبوسا عقائدية، محاولة من خلالها التأثير -بوعي أو بدون وعي- على التلاحم الوطني الواجب خلال حدوث الكوارث الطبيعية، فالجميع مطالب خلال الأزمات الكبيرة، التي يمر بها الوطن، رغم الاختلافات في وجهات النظر، بالتجنيد من أجل الحد من التأثيرات السلبية لما بعد الزلزال، ومنها بطبيعة الحال إنقاذ المصابين، وغوث الناس الذين فقدوا بيوتهم وأهاليهم، بنوع من المواساة التي هم في أمس الحاجة إليها. والأهم من ذلك محاولة بعث روح إيجابية، ترفع معنويات المواطنين، من خلال التبرع بما يستطيعون من وسائل مادية أو معنوية تساعد على إسعاف المصابين، وتعويضهم عن خسائرهم، ولو بشكل جزئي. ومن بين هذه الأصوات الشاذة ظهرت للأسف بعض التفاهات، التي تحاول تفسير ظاهرة الزلازل تفسيرا "أخلاقيا" بعيدا كل البعد عن المنطق والأخلاق والواقع، إذ ادعى أصحابها أن الله ينتقم من الناس بسبب سوء أخلاقهم، متناسين أن المنطقة الجبلية التي شكلت بؤرة الزلال تضم أناسا معروفين بتمسكهم بمظاهر وروح التدين، وهم أكثر الناس محافظة من باقي مدن وقرى المغرب، لكن العمى الإيديولوجي الذي يرتدي مسوحا عقائديا خول لهؤلاء المدعين الزائفين الصيد في المياه العكرة، وركوبهم بالتالي صهوة التشفي، بدل أن يكونوا مع المواطنين في صف واحد متماسكين ومتضامنين من أجل تجاوز تأثيرات الكارثة، التي قد تصاب بها أي منطقة في العالم، مهما كان دينها، وذلك بسبب حركات الألواح التكتونية المكونة للقارات، التي هي- كما يعلم الجميع- في حركة دائبة، وقد تتسبب بين حين وآخر في هزات عنيفة، يذهب ضحيتها البشر. ولعل الدرس الذي نستخلصه مما حدث أن التنوير حاجة ملحة، يجب الاستمرار في القيام به بشتى الوسائل، حتى نضيق الخناق على الأفكار التافهة والسلبية، التي تساهم في خلق وترويج الحقد والكراهية، ما يؤدي إلى زرع التفرقة والشقاق بين المواطنين، بدل أن تساهم في تلاحمهم وتضامنهم، حتى يكونوا كأسنان المشط، خاصة في الأوقات العصيبة التي يمر بها الوطن، وألا نسمح لضعاف النفوس بتفجير مكبوتاتهم وتصفية حساباتهم مع الوطن والمواطنين خلال الفترات الحرجة، مثلما يحدث هذه الأيام بسبب الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز والمناطق المجاورة لها.