أَعْرف كاتبا كنت أخاله صاحبا وأعرف عنه أنه يهوى اقتناء المؤلفات وأن له منها المئات. ولأن الحيز في مكتبته الخاصة يسمح بذلك، أصدر كتابا ثقيل الوزن كبير الحجم، أهداني نسخة منه قصد الاطلاع والتعليق وألح علي في ذلك. تسلمت الهدية شاكرا له ومثنيا عليه؛ فعل الكتابة مرهق وشاق كما أقر بذلك جون بول سارتر، وصاحبي هذا تكبد عناء الكتابة طيلة ما يقارب الأربعمائة صفحة. كنت أعلم أني لن أقرأ الكتاب كله، لأن العنوان يحيل على حقل معرفي لا يمكنني ولا يشغلني اقتحامه. وما لا يدرك كُله لا يترك جُله، لذا قرأتُ ثلاثَ صفحاتٍ متتالية تناول فيها الكاتب فكرةً ما ببنية استدلالية لم أستسغها. فرحا بما لدي، آثرت أن أتقاسمه مع الكاتب عبر رسالة نصية تحفظ لي هالة القارئ الناقد. راسلته فسرعان ما اتصل بي ليستفسر. حدثته عن موقفي بتكلف كان واضحا أنه يتعبني، فأراحني وأنهى المكالمة وهو ينعتني بالحسود الحقود الضرير الشرير المتنطع مدعي العلم. أنهى المكالمة ولم ينس أن يخبرني بأن مصيري في الدنيا على قدر نيتي. حينها فقط، تذكرت أن بعض الكتب ليست للقراءة وأدركت أن هذا الكتاب واحد منها. ثُم إِنِّي لم أنتبه لما طُلب مِنِّي عندما تسلمت هدية صاحبي الذي لم يعد صاحبي. طُلب مِنِّي الاطلاع والتعليق ولا شيء غير ذلك. كان حرياًّ بي أن أنتبه ولكي استدرك الخطأ، وضعت الكتاب في إطار خشبي كنت قد اقتنيته لإحدى صوري القديمة. علقت الكتاب على الجدار المقابل لمكتبي الصغير بالبيت. بدا غلاف الكتاب المزخرف في إطاره الخشبي منسجما مع فضاء البيت وبدا الكاتب في وئام معي. كيف نسيت أنه لا يهوى القراءة ويعشق الصور. كيف نسيت أن أصاب بالذهول أمام ما رسم. هذا رسم سقط سهوا كتابا. هذا كتاب أريد له أن يكون لوحة. وأنا أكتب هاته السطور، يراودني السؤال عن جدوى الكتابة؛ لمَ ولمن أكتب؟ أ لأنني أريد من النص أن يرمم ما هوى من المقالع؟ هل تصلح الكتابة ما أفسدته عفوية المحادثة؟ وهل سيراني صاحبي الذي لم يكن يوما صاحبي؟ أنا أيضا أكتب لأرسم صورتي. أنا رسام وهذه لوحتي، انْكَتَبَتْ من حيث لا أُتقن الألوان والأشكال. وعليَّ أن أَحذر، فأنا لا أدري ما أريد وكل ذي نية "يَكْتُبُ" ما يشبه نيته. وعلي الآن أن أَكفَّ عن الكتابة، فقد يُكْتَبُ لي مصير يشبه نيتي، كما أخبرني بذلك مصور يعرفني... ولا أعرفه.