حوار حول أزمة اليسار المغربي كيف ينظر اليسار المغربي إلى "الإصلاحات" التي تتحدث عنها دراسة "كارنيغي" حول المغرب والتي نشرتها "هسبريس" أول أمس ، مجلة "الكفاح العربي" التقت في دمشق محمد بن سعيد آيت يدر وطرحت عليه السؤال، ومما قاله أن هذا اليسار في أزمة وقد عجز عن تحقيق أهدافه لأن تحالفاته كانت تكتيكية لا استراتيجية، والثقافة الديمقراطية لا تزال بعيدة عن المغرب. "" ما هي قراءتك في واقع اليسار المغربي؟. الحركات السياسية المغربية تعيش ازمة سياسية بسبب التطورات التي حدثت في الحياة السياسية ليس في المغرب فحسب، بل في العالم العربي بأسره، والتي انعكست على الانهزامات التي تحققت في حرب العام 1967 وظهور البترودولار بحيث شملت حركات التحرر وكذلك التراجع الذي حصل بعد وفاة الرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي انعكس على افريقيا ايضا. ولذلك فان التطورات التي ذكرتها ادت الى اضعاف الحزب الاشتراكي والاتحاد الوطني للقوى الشعبية والحركات القومية العربية التي شهدت انقسامات بسبب تناقض الرؤية لمسيرة حركة التحرر. ما انعكاس ذلك على الساحة السياسية المغربية؟ كل ذلك انعكس على الساحة السياسية المغربية التي كانت تفتقر الى الرؤية الديمقراطية، اضف الى ذلك ان اليسار المغربي كانت لديه ازدواجية في النضال، وان التفكير السائد آنذاك كان يدور حول امكان حل الإشكال مع المؤسسة الملكية قائم على ازدواجية التفكير من خلال العنف والسياسة. ما دور القصر الملكي في المغرب في كل هذه التطورات؟ القصر الملكي تحالف مع النخبة الوطنية في ثلاثينيات القرن الفائت حيث اطلق على هذا التحالف الذي عقده الملك محمد بن يوسف اسم تحالف البيعة من خلال المعارك ضد الاستعمار، وظهر ذلك في النضال المشترك حتى الخمسينيات، اذ تم تحقيق خطوات مهمة من اجل الاستقلال. هل كان هذا التحالف مبنيا على برنامج محدد المعالم؟ هذا التحالف لم يكن مبنيا على برنامج، او انه كان تكتيكا سياسيا، بل انه تبنى سياسات الدولة والملك آنذاك من دون برنامج سياسي واصلاحي، ولم تطرح النخبة برنامجا محددا، وبالتالي فإن الملك محمد بن يوسف هو الذي استفاد وحده من الاستقلال اذ اصبحت في يده كل السلطات وبناء لذلك بدأ الصراع. ما دور الملك محمد الخامس بعد توليه مقاليد الأمور؟ بعد توليه الحكم احدث الملك محمد الخامس بعض التوازنات لكنها ضربت بكاملها بعد وفاته وبالتالي دخلت الحركة السياسية في تصفيات جيوب الحركة الديمقراطية وجيش التحرير الذي كانت مهمته استكمال الوحدة الترابية واستقلال الصحراء المغربية، اضافة الى حملة اعتقالات في صفوف المقاومين واقالة حكومة عبد الله ابراهيم التي كانت توصف بالتقدمية نسبيا حيث قامت بطرح برامج اقتصادية وعلاقات خارجية انفتاحية ولم تخضع للغرب الذي كان يقوده آنذاك وزير خارجية الولاياتالمتحدة جون فوستر دالاس. ماذا عن مرحلة ما بعد الملك محمد الخامس؟ الملك الراحل الحسن الثاني كانت له توجهات غربية، وقد سد الباب امام مشاركة المقاومة في الحكم، ولم يكن مطروحا في تلك المرحلة التشبث بالمؤسسات او الدستور لأن الملكية قررت تأجيل الانتخابات البرلمانية،وبالتالي تفرد الملك بكل شيء وتأجل الدستور حتى العام 1962 وجاء في المادة 19 ان الملك يمثل امير المؤمنين وبيده كل الصلاحيات. ما انعكاس ذلك على المغرب بشكل عام؟ المغرب في تلك الفترة عاش ازمة سياسية بين المقاومة والاتحاد الوطني والمؤسسة الملكية، وقد شهدت البلاد احداث 16 تموز يوليو 1963 وما سمي آنذاك بمؤامرة الانقلاب منوها بأن الحركة الوطنية كانت ترغب في بناء نظام جمهوري، لكن الملك ضرب قواها واعتقل ونفى غالبية منتسبيها اضافة الى ما جرى في العامين 1969 1970 واكتشاف عناصر ترتبط بمحمد البصري من قبل النظام وضرب الحزب بصورة عامة. وماذا عن المحاولات الانقلابية التي جرت في تلك الفترة؟ وقعت محاولتان انقلابيتان في تلك المرحلة الاولى في تموز يوليو 1971 بمناسبة عيد الشباب، وكانت محاولة انقلاب ضد الملك الحسن الثاني من قبل الجيش، حيث تم اتصال بين الجنرال مدبوح والبصري حيث اراد الجيش الاستيلاء على الحكم، ما ادى الى ازمة اخرى بين النظام والحركة السياسية، في حين قاد بوفقير انقلابا ضد الملك، بعد عودته من فرنسا حيث تعرضت له طائرة في الجو لاغتياله. اضافة الى محاولة اخرى من قبل البصري واحداث اضطرابات في الجبال في 3 آذار مارس 1973 حيث جرت حملات اعتقالات شكلت الحزب والاتحاد الوطني تبعتها محاكمات ونفي. وانا شخصيا كنت من الذين غادروا المغرب الى الجزائر في العام 1962 ومكثت فيه حتى العام 1967 وقد انتقلت الى فرنسا واجريت مع العديد من الرفاق في مقدمهم عبد الرحمن اليوسفي ومحمد البصري جلسات تقييم حول العمل الازدواجي العنف والسياسة الذي لم يقتنعوا به لأن الجماهير لم تسانده ولا آفاق جديدة له لبناء حزب ثوري حقيقي. هل توصلتم الى اتفاق مع الاتحاد الوطني؟ لم نتوصل الى اتفاق مع الاتحاد الوطني، وبالتالي قمت بتأسيس تنظيم شباب سري ماركسي لينيني 23 مارس في فرنسا والمغرب في سبعينيات القرن المنصرم، وكان النظام آنذاك قد وصل الى مأزق فاتصلت بهم حول قضية الصحراء، بصفتي مسؤولا في جيش التحرير في الصحراء الغربية وقبائل سيدي افني. كيف تعامل الملك الحسن الثاني مع جيش التحرير؟ الملك الحسن الثاني اوقف جيش التحرير في العام 1960 كما طرح حق تقرير المصير للشعب الصحراوي في محكمة لاهاي في العام 1970 بعدما حاولت اسبانيا طرح هذا الحق على الشعب الصحراوي واكتشاف الفوسفات كما انه دعا الى ما يسمى بمسيرة التحرير في العام 1975. لكن الملك في السبعينيات اعلن عن انفتاحات واطلق سراح المعتقلين، وقد قمنا بثورة تمثلت باعادة بناء الحزب، كما ان جناحا ملتزما بالعنف في الاتحاد الوطني قرر العمل في اطار الشرعية وتجاوز العنف وبالتالي اصبح النضال من اجل الديمقراطية داخل شرعية النظام الملكي، وتم خلق يسار راديكالي داخل الاتحاد الوطني والحزب الشيوعي المغربي. لكن اليسار تعرض في العام 1974 لضربات قوية كتنظيم غير مشروع، بحيث ان الاحكام ضد بعض منتسبيه وصلت الى 30 عاما، كما انه تم ضرب العمل الحزبي في الجامعات والمدارس. كيف عدتم الى المغرب؟ في اطار "حركة 23 مارس" شاركنا في الانفراج النسبي ووقفنا الى جانب الاتحاد الوطني الذي تحول الى الاتحاد الاشتراكي، وكانت لدى النظام آنذاك رغبة في عودتنا الى المغرب وبالفعل، عدنا في آذار مارس 1981 وشكلنا حزب منظمة العمل الديمقراطي الشعبي اليساري في العام 1983. ماذا كان توجهكم السياسي آنذاك؟ كان توجهنا الجديد منصبا على كيفية خلق علاقات سياسية مع الاحزاب الديمقراطية والوطنية، وقد بدأنا بالتنسيق في البرلمان المغربي، ونجم عن ذلك فوزي في العام 1984، مع ان الانتخابات كانت مزورة، وان النظام اراد من خلال السماح لي بالفوز تزكية نفسه ليقول للناس ان آية يده المنفي والمحكوم عليه بالاعدام مرتين، فاز في الانتخابات واصبح عضوا في البرلمان. هل كنتم تنسقون مع الآخرين؟ قمنا بالتنسيق بين الاحزاب الاربعة وهي منظمة العمل، الاتحاد الاشتراكي، حزب الاستقلال والتقدم والاشتراكية الشيوعي سابقا، ما ادى الى انشاء كتلة ديمقراطية برلمانية ضمت الاحزاب الاربعة في العام 1993، وشكلت حدثا في البلد واضحت قوة سياسية تعاطف معها الجهور، وكانت تهدف الى اخراج البلاد من الازمة وتحقيق الاصلاحات. وكان النظام في تلك الفترة قلقا ومع هذا اراد مفاوضات معنا عامي 1993 1994 حول تحقيق الاصلاحات في البلاد برعاية نضال مجاهدي قوى سياسية كنا نمثلها آنذاك، كما نظمنا تظاهرات مليونية واحدة مع العراق في العام 1991 واخرى من اجل فلسطين. هل تعتقد انكم حققتم اهدافكم؟ لم نحقق اهدافنا لأن جزءاً كبيرا من الكتلة لم يكن خياره استراتيجيا بل كان تكتيكيا في التعامل مع النظام، على خلفية ان النظام آنذاك كان في وضع حرج وربما استطعنا الحصول على تنازلات منه حول الاصلاحات الدستورية والمشاركة في الحكم وتشكيل الحكومة. لكن النخبة لم تسر في هذا الاتجاه، مع ان الملك كان يرغب في المشاركة وبالتالي فإنها كانت فرصة ضائعة بسبب رؤية ناقصة من قبل الكتلة الديمقراطية. لكن خلافا حدث في الكتلة بين «منظمة 23 مارس» والاحزاب الاشتراكية والاستقلال والتقدم والاشتراكية وقد قدمنا مذكرة للملك الحسن الثاني حول الاصلاحات لم يستجب، واجرى استفتاء في العام 1996 لم نوافق عليه، ما خلق وضعا جديدا حيث فقدت الكتلة المبادرة واعتبر ان الملك حقق الاجماع على الدستور. وقد دخل الاتحاد الاشتراكي في الحكومة من دون صلاحيات، الامر الذي ادى الى انشقاقات داخل منظمة العمل. بعض المثقفين تسرعوا وصوتوا على الدستور، واوقفت الحكومة جريدة منظمة العمل وضيقت علينا واؤكد ان التحالف الجديد مع النظام لم يحقق شيئاً. أنقر هنا للإطلاع على العدد الأخير لمجلة الكفاح العربي