تشهد العلاقات بين الرباطولندن تطورا ملحوظا وتعزيزا للشراكات في عدد من المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية منها، منذ توقيع اتفاقية الشراكة بينهما في العام 2019 إثر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؛ وهو ما يجسد رغبة كبيرة لدى البلدين في الارتقاء بشراكاتهما الاستراتيجية والتأسيس لمرحلة جديدة في علاقاتهما التي تمتد لقرون، على أساس المصالح المتبادلة والتعاون لمواجهة التحديات المشتركة. في هذا الصدد، أجرى ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، الأربعاء، مباحثات هاتفية مع اللورد طارق أحمد، وزير الدولة البريطاني للشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب آسيا والأمم المتحدة، تناولا من خلالها عددا من الملفات؛ أبرزها "الوضع في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي النيجر وليبيا، وكذا قضايا ثنائية وإقليمية أوسع نطاقا"، حسب بلاغ للخارجية المغربية. وكان البلدان قد عقدا، في شهر ماي الماضي، الدورة الرابعة للحوار الاستراتيجي المغرب-المملكة المتحدة الذي أطلق في يوليوز من العام 2018، اتفقا من خلالها على "تعزيز الحوار السياسي وتعميق العلاقات الاقتصادية والتعاون الأمني والنهوض بالروابط الإنسانية والثقافية، إضافة إلى إقامة شراكة استراتيجية متعددة الأبعاد بين البلدين". شراكة تعكسها الاستثمارات البريطانية المهمة في المغرب والتي تشمل مجالات عديدة خاصة مجال الطاقات المتجددة، إضافة إلى المشاريع الكبرى المشتركة التي أطلقها البلدان في الآونة الأخيرة تماشيا مع رؤيتهما الرامية إلى مواجهة التحديات المناخية، في انتظار أن تُتوج هذه الشراكة الاستراتيجية بين البلدين وتطابق مواقفهما حول عدد من القضايا بموقف بريطاني واضح حول قضية الصحراء المغربية، على غرار الموقف الأمريكي، خاصة في ظل تأكيد لندن على دعمها لجهود المغرب لتسوية هذا النزاع ووجود مؤشرات سياسية وقانونية ستعجل، حسب محللين، باعتراف لندن بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية. مواقف متطابقة وشراكات متعددة شادي البراق عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتدبير المخاطر وتحليل الصراع، قال إن "هذه المباحثات تندرج في إطار التنسيق الدائم والمستمر بين الرباطولندن في العديد من الملفات الثنائية والخارجية التي تهم البلدين، تنزيلا لمخرجات الدورة الرابعة للحوار الاستراتيجي بين البلدين المنعقدة في ماي الماضي". وأضاف المتحدث عينه أن "تباحث الطرفين حول الوضع في إسرائيل والأراضي الفلسطينية يعكس مواقفها المتقاربة من القضية الفلسطينية التي ترتكز على دعم الجهود لإقامة دولة فلسطينية مستقلة ودعم عملية السلام والوساطة بين الأطراف المعنية. كما تعكس رهانا بريطانيا على الرباط للعب دور إيجابي في هذا الملف، من خلال علاقاتها الجيدة مع كل من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي". أما فيما يخص الملف الليبي، أضاف البراق، أن "المملكة المتحدة من الدول التي رحبت بجهود المغرب في سبيل تحقيق السلام والاستقرار في ليبيا، إذ تتطابق وجهات نظر البلدين بشأن هذا الملف من حيث التأكيد على سيادة واستقلال والوحدة الترابية لدولة ليبيا ، فضلا عن دعوتهما إلى انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا". وحول العلاقات الثنائية بين المملكتين، قال الخبير عينه إن "لندن سعت، منذ خروجها من الاتحاد الأوروبي، إلى تعزيز وتطوير علاقاتها مع المغرب؛ بالنظر إلى موقعه الجغرافي الاستراتيجي والعلاقات التاريخية القوية التي تربط بين البلدين"، مبرزا أن "البلدين يتعاونان في العديد من الملفات ذات الاهتمام المشترك؛ كملف الأمن ومكافحة الإرهاب والتجارة والاستثمار". في الصدد ذاته أفاد بأن "الاستثمارات البريطانية بالمغرب بلغت حوالي 3 مليارات دولار أمريكي سنة 2018، كرقم معاملات مهم في مجالات متعددة؛ كالطاقات المتجددة والسياحة والتعليم والصحة والفلاحة والتكنولوجيا والقطاع المالي والبحث على الغاز والبترول. كما احتلت بريطانيا رتبا متقدمة من حيث عدد السياح الأجانب الوافدين على المملكة، التي استقبلت العام الماضي أكثر من 750 ألف سائح بريطاني". كما أشار الخبير عينه إلى "توقيع البلدين اتفاقية في عام 2021 لبناء أطول كابل كهربائي تحت سطح البحر في العالم، إذ يتوقع أن يحوّل هذا الكابل الطاقة الشمسية والريحية من الصحراء المغربية إلى بريطانيا ليؤمن الكهرباء لحوالي 7 ملايين منزل"، موضحا أن "الحكومتين تسعيان إلى بناء علاقات قوية ومتعددة الأبعاد تستند إلى الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة". وتفاعلا مع سؤال لهسبريس حول الموقف البريطاني من قضية الصحراء المغربية، قال البراق إن "لندن عبرت، في عديد من المناسبات، عن موقفها الثابت والداعي إلى إيجاد حل سلمي ودائم وواقعي للنزاع المفتعل مع حول الصحراء المغربي؛ أضف إلى ذلك تأييدها للقرار الأخير لمجلس الأمن، الذي أشاد بمقترح الحكم الذاتي وبالجهود المغربية لتسوية هذا النزاع". وحول التطورات الممكنة لموقف بريطاني أكثر تقدما ووضوحا حول قضية الوحدة الترابية للمملكة، أورد المتحدث لهسبريس أن "السياسة الخارجية للمملكة المتحدة لها ثوابت راسخة تحدد التوجه الدبلوماسي العام لها؛ ومن أهمها التحالف الاستراتيجي مع الولاياتالمتحدةالأمريكية. ومن ثمّ، فإن جميع المؤشرات السياسية تؤكد أن لندن ستمضي لا محالة على نهج حليفتها واشنطن وتل أبيب في الاعتراف بمغربية الصحراء". كما توجد "مؤشرات قانونية وأخلاقية تدل على أن التطور المنطقي للموقف البريطاني يمضي في هذا الاتجاه"، أضاف المتحدث ذاته، الذي أوضح أن "قرار محكمة الاستئناف بلندن، الذي رفضت بموجبه طلب استئناف، تقدمت به منظمات غير حكومية داعمة لميليشيات "البوليساريو" من أجل إبطال اتفاق الشراكة الذي يربط المغرب ببريطانيا بتاريخ 30 دجنبر من عام 2020، إضافة إلى أن التنسيق الأمني والعسكري المغربي البريطاني المتقدم يزكي هذا الطرح". علاقات تاريخية وميل بريطاني من جهته، قال محمد عصام العروسي، مدير مركز منظورات للدراسات الجيو-سياسية والاستراتيجية، إن "الموقف البريطاني من قضية الصحراء أصبح يميل أكثر إلى صالح الموقفين الأمريكي والإسرائيلي وإلى صالح الطرح المغربي، الذي بات المنتظم الدولي مقتنعا بواقعيته وجديته"، مضيفا أنه "إذا كان هناك أي بلد قريب من الخروج بموقف واضح بشأن هذا النزاع فلن يكون إلا بريطانيا لعدد من الاعتبارات". الاعتبار الأول، حسب العروسي، يتجلى في "تاريخية العلاقات بين البلدين والعلاقات الطيبة بين الأسرتين الحاكمتين في البلدين معا"، إضافة إلى "استهداف لندن تطوير استثماراتها في المناطق الجنوبية للمملكة من خلال عدد من المشاريع التي تهم الطاقات المتجددة والتنقيب عن الغاز، إذ إن بريطانيا التي تحاول تجاوز إطار الاتحاد الأوروبي تعتبر أن المملكة المغربية هي المفتاح الأساسي للوجود في إفريقيا وتعزيز النفوذ البريطاني في هذه القارة". "التحولات الكبرى التي يعرفها العالم والواقع الجيو-سياسي الجديد في المنطقة سيعجل من اعتراف بريطانيا بمغربية الصحراء"، حلل المتحدث عينه، الذي أبرز أن "لندن كانت دائما تعبر عن مواقف مخالفة لمواقف الاتحاد الأوروبي كما كانت تنأى بنفسها عن بعض المؤسسات الأوروبية التي كانت تستهدف المصالح الحيوية للمملكة المغربية". وخلص المصرح لهسبيرس إلى أن "خروج بريطانيا بموقف واضح حول قضية الوحدة الترابية للمملكة، الذي سينضاف إلى الموقفين الأمريكي والإسرائيلي ومواقف أخرى، سوف يساهم في إنهاء هذا النزاع من الناحية السياسية وسيفتح آفاقا جديدة لتعاون بريطاني أشمل مع المغرب. كما أنه سيحدث تغيرات كبيرة على مستوى بنية القرار داخل مجلس الأمن، الذي تتمتع داخله لندن بحق النقض الفيتو". كل هذه مؤشرات تدل على أن التطور المنطقي للموقف البريطاني في المرحلة المقبلة هو اعتراف بريطاني بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، ولما لا افتتاح قنصلية بريطانية في الصحراء المغربية؛ وهو الأمر الذي تشتغل عليه الديلوماسية المغربية وفق الرؤية الملكية المتبصرة على مجموعة من المسارات السياسية والاقتصادية والعسكرية والامنية بهدوء إستراتيجي وفهم دقيق لمتطلبات المرحلة .