في خضم التسريبات التي بدأت تخرج للصحف حول الحوار الذي تخوضه دوائر أمنية مغربية مع معتقلي السلفية الجهادية بعدد من السجون، تحدثت تقارير صحفية عن تكثيف هذه اللقاءات في الآونة الأخيرة بين مسئولين أمنيين رفيعي المستوى وقادة وشيوخ "السلفية الجهادية" داخل السجون، بهدف التوصل إلى "ضمانات" تهيئ لمبادرات بين الدولة وبعض التنظيمات، ينتظر أن تنتهي بتسوية لملف المعتقلين الإسلاميين. "" وأشارت التقارير إلى لقاء جرى مؤخرا بين مسئولين أمنيين وكل من: الشيخ محمد الفيزازي، أحد كبار شيوخ السلفية المحكوم عليه بالسجن لمدة 30 سنة، وحسن الخطاب زعيم خلية "أنصار المهدي" الموجود في سجن القنيطرة؛ وذلك استئنافا لسلسلة لقاءات تجمدت بعد اللقاء الأخير مع حسن الخطاب الذي كلف نيابة عن المعتقلين الإسلاميين المصنفين إعلاميا وأمنيا ب"السلفية الجهادية" بأن يبلغ النيابة العامة بمبادرة "المناصحة والمصالحة"؛ وهي المبادرة التي تعهد أصحابها "بعدم تكفير المجتمع والمسلمين بغير موجب شرعي"، وفرضت مقترحاتها على كل من ثبت تورطه في أعمال عنف أو قتل بتقديم اعتذار بالخطأ والندم للمجتمع والجهات الرسمية. وكان الشيخ محمد الفيزازي قد تبرأ أثناء مثوله للشهادة أمام المحكمة المغربية من أي علاقة له "بالإرهاب" ومخططاته، وفي رده على هيئة المحكمة قال الفيزازي إن موقفه "هو التنديد بها (أعمال العنف)، ولا أقبلها لبلدي.. إننا نقولها للتاريخ بأنه لا علاقة لنا بهذه الأحداث التي رفضناها، وما زلنا نرفضها إلى اليوم". وعن تيار "السلفية الجهادية"، رد الفيزازي: "لست سلفيا جهاديا، ولست أدري من ساهم في إطلاق هذه التسمية، إنني أنبذ العنف، والانتحار، والاعتداء على الأبرياء من المسلمين وغير المسلمين"، منتقدا الصحف التي أطلقت مصطلح "السلفية الجهادية"، الذي "سمع به داخل السجن". أما حسن الخطاب المدان بتهمة تزعم خلية "أنصار المهدي"، التي تورط فيها مسئولون في الأمن والجيش، فهو يعكف حاليا على كتابة تأصيل ل"السلفية الجهادية"؛ حيث تقول المصادر إن هذه الكتابة تدخل في سلسلة من الرسائل التي يعد الخطاب لإخراجها إلى الرأي العام، بعد أن تكلف بمبادرة "المناصحة والمصالحة" نيابة عن "المعتقلين الإسلاميين" في السجون المغربية. استنساخ المبادرات العربية وعلى غرار مبادرات شبيهة جرت بين الدولة وإسلاميين في العالم العربي، كما في (مصر وليبيا وتونس والسعودية) طالب أصحاب المبادرة المغربية "عدم متابعة المنضوين تحتها بعد خروجهم من السجن، وفتح المجال السياسي لمن يريد ذلك"، إلى جانب "توفير فضاء للدعوة إلى الله تعالى، وفتح المجال أمام العاملين فيه، واعتبار الجهاد في فلسطين والعراق وأفغانستان قضية أمة لا مجال للمساومة فيها"، معتبرين أن المبادرة خطوة توافقية بالدرجة الأولى من أجل نبذ العنف، وإحلال الحوار وقيم المواطنة والسلفية الحقيقية. وأوضحوا أن مبادرتهم هي نتيجة تراكمات فكرية وتجارب علمية هدفها صيانة الصف السلفي، وذلك من خلال استمراريته، وتقرير مبدأ المقاصد، مضيفين أن الهدف ليس "الخروج من السجن، وإن كان مطلبا عمليا معقولا، ولكن للتعريف بميلاد فكر متحرر يؤمن بالتعددية الفكرية والسياسية، من خلال سياسة بنفس إسلامي تحت سقف مبدأ الحوار". جاء إطلاق هذه المبادرة بعد زيارة خاصة قام بها مسئول أمني رفيع المستوى للسجن المدني بطنجة؛ وهو اللقاء الذي لم تتسرب تفاصيل كافية عما راج فيه.. لكن المصادر ذكرت أنه جرى نقاش حول كل ما يروج بأذهان المعتقلين الإسلاميين. ودشنت الدولة المغربية لقاءاتها مع شيوخ "السلفية الجهادية"؛ حيث بدأت بالحوار مع محمد الحدوشي أحد أبرز منظري الفكر الجهادي المعتقل في سجن تطوان، إلا أن الخلافات في التوجهات الفكرية للمعتقلين كانت أحد عوائق الإسراع بهذا الملف، وتقول مصادر صحفية إن من بين البوادر التي رجحت استئناف المساعي هو "تقسيم" المعتقلين الإسلاميين إلى مستويات داخل السجون؛ حيث جرى تجميعهم في أجنحة خاصة حسب انتماءاتهم، معتبرة أن هذه الخطوة قد تساعد في تحريك عجلة "الحوار"، ووضع النقاط على الحروف حسب التوجهات الفكرية والعقائدية لكل مجموعة، كما ترددت أخبار عن تأسيس جمعية تمثل المعتقلين السلفيين في الحوار مع الدولة. فتش عن أمريكا ويخشى متابعون لتسريبات "الحوار" بين الدولة والإسلاميين في المغرب من الدخول الأمريكي على الخط؛ "فأمريكا التي يرجح أنها كانت سببا رئيسيا في اعتقال بعض هؤلاء، ربما تريد التكفير عن أخطائها بعد إشارة الرئيس أوباما إلى إغلاق معتقل جوانتانامو بالضغط لإيجاد مخرج «لا غالب ولا مغلوب» في الملف لتتفرغ لحل مشاكل أزمتها المالية الخانقة"، حسبما يقول عبدلاوي لخلافة مراسل "إسلام أون لاين.نت" في المغرب. يضيف: "فالصورة التي تناقلتها وسائل الإعلام عن انحناءة أوباما أمام العاهل السعودي طمعا في عائدات البترول لتخفيف وطأة الأزمة المالية، تؤشر على أن أولويات الإدارة الجديدة اقتصادية أكثر منها أمنية، وهذا ما تروم التسريبات الإعلامية تهيئة الرأي العام المحلي لقبوله بضرورة حل الملف، والتلويح بأن الحوار هو المخرج للإفراج عن المعتقلين الإسلاميين على خلفية 16 ماي (مايو) 2003 بأقل الخسائر". ويقول لخلافة: "الظاهر أن الملف لم يعد ذا أولوية لدى أمريكا والغرب عامة؛ بالنظر لما كلفهما من تشويه سمعتهما على مستوى العالم العربي والإسلامي، والانجرار وراء التخطيط الصهيوني للإيقاع بين المسلمين والمسيحيين.. ومن شأن التدخل الأمريكي والأوروبي أن يغير هذه الصورة المشوشة، رغم تراجع أمريكا عن دعم مسار الديمقراطية بالعالم العربي والإسلامي والتعامل بالمكيالين". ويبقى أن على الجهات الوصية على الملف الإسلامي بالمغرب أن تستبق التغيرات الدولية، والأمريكية خاصة، لحل الملف بطريقة ذاتية، ودون إملاءات خارجية، خاصة مع بوادر مراجعة وتصحيح صدرت من بعض الإسلاميين، واستثمار المداخل المتاحة حقوقيا وعلميا واجتماعيا لطي هذا الملف الذي صور المغرب كبقع لخلايا نائمة دائمة، والالتواء عن الأسباب الرئيسية في تشجيع ثقافة التكفير والتفجير من استقلالية قضاء، ومساواة في الحقوق والواجبات، وهي المداخل التي نبه إليها الخطاب الملكي في مناسبات متعددة، خاصة خطابه بعد شهر من التفجيرات، رغم وجود أيادٍ ترى الفائدة في تأخير حل القضية بهدف استثمار تداعياته لأهداف سياسية واقتصادية. اسلام اونلاين