هل بدأت الدولة تستشعر مخاطر استمرار معتقلي السلفية الجهادية في السجون؟ هل باتت الجهات الأمنية تدرك بأن هناك تيارا حقيقيا ذا توجه سياسي بدأ يتشكل في المعتقلات وتريد استباق الوضع؟ وهل أدركت الجهات المسؤولة في المغرب أن فكرة الحوار مع هؤلاء المعتقلين أصبحت ناضجة اليوم؟ ما هي خلفيات تسريب أخبار مجزوءة وغير كاملة عن حوار بين الأجهزة الأمنية والقضائية وبين معتقلي السلفية الجهادية؟ وإذا كان ذلك صحيحا، لماذا تأخرت المبادرة إلى هذا الوقت؟ وما هو موقف المعتقلين، وعلى رأسهم من يسمون بالمشايخ؟ لماذا سكتوا عن مطلب إعادة محاكمتهم اليوم؟ هل أصبحوا مستعدين للحوار بالفعل؟ وهل سيكون الحوار حوارا حقيقيا بين طرفين، أم إملاءات وشروطا؟ ما مصير هؤلاء المعتقلين بعد مغادرتهم للسجن؟ ما هي خطة الدولة لإعادة إدماجهم في السيرورة السياسية الراهنة التي تعيد تركيب الهوية الدينية للدولة والمجتمع باسم إصلاح الحقل الديني؟ أسئلة متعددة تقابلنا ونحن نفتح ملف الحوار مع تيار السلفية الجهادية في السجن، بعد أزيد من خمس سنوات من الاعتقال، إذا أدخلنا في الاعتبار الحالات التي تم اعتقالها قبل تفجيرات الدارالبيضاء الدموية عام 2003، وبينها عبد الوهاب محمد رفيق المعروف بأبي حفص، وذلك لأن الملف يبدو متشابكا وتشترك فيه عناصر عدة، منها ما هو أمني وما هو قضائي، ما هو وطني وما هو دولي، ما هو فقهي وما هو سياسي. قبل ثلاثة أسابيع أثير موضوع الحوار مع بعض شيوخ السلفية الجهادية في السجون، إذ نشرت معلومات في بعض الصحف تفيد بانطلاق الحوار بين هؤلاء وبين مسؤولين في مديرية السجون وإعادة الإدماج ومسؤولين في جهاز القضاء. لكن المعلومات التي تقاطرت على الصحف كانت شحيحة، بل بدا أن الملف في حال وجود حوار بالفعل يوجد بأيدي مسؤولين أمنيين عالي المستوى، إلى حد أن وزير العدل، عبد الواحد الراضي، نفى، في تصريحات ل«المساء»، علمه بوجود حوار. هذا على المستوى الرسمي، أما على مستوى معتقلي السلفية الجهادية، فقد كان هناك تضارب حول هذا الموضوع، إذ نفى بعض المعتقلين حصول حوار، بينما أكد البعض الآخر حصوله مع بعض الشيوخ، خاصة محمد الفيزازي ومحمد الحدوشي، وأجمع الكل، ممن اتصلنا بهم، على عدم علمهم بفحوى الحوار أو اللقاءات، إذ أكد هؤلاء حصول لقاءات، لكن الكثير منهم لم يذهب إلى حد وصف تلك اللقاءات بالحوار. غير أن تسريب تلك المعلومات ربما كان يفيد بحصول تحول في تعاطي الدولة مع ملف السلفية، قد تكشف الشهور المقبلة عن معالمه، كما أكد أكثر من مصدر. ويرى عبد الرحيم مهتاد، رئيس جمعية النصير لمساندة المعتقلين الإسلاميين، التي تأسست بعد موجة الاعتقالات في صفوف السلفيين، أن الحوار أصبح حقيقة واقعة، بالرغم من أن تفاصيله لم تتضح بعد، ويربط بين بروز الحديث عن الحوار وبين فوز الديمقراطي باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وبالنسبة إليه، فإن رحيل جورج بوش عن البيت الأبيض يعني أن الملفات التي كان يحملها سوف ترحل معه، وعلى رأسها ملف محاربة الإرهاب الذي كان المغرب منخرطا في الرؤية الأمريكية تجاهه. وبينما يقول البعض إن مسلسل الحوار قد انطلق، وإن بشكل سري ومتكتم، يرى آخرون، ومنهم سجناء سلفيون، أن أي حديث عن حوار هو مجرد بالون اختبار، وأن ما يجري حاليا ليس سوى استكشاف أمني، الغاية منه التعرف على طبيعة الخريطة السلفية في السجون، لتحديد الرؤية التي سيجري اعتمادها مستقبلا في حال رغبة الدولة في خلق جسر للحوار مع هؤلاء، خاصة وأن ما يعرف تحت مسمى «السلفية الجهادية» يجمع خليطا هجينا من التوجهات والمواقف، أو «فسيفساء مختلطة» كما وصفها بذلك حسن الخطاب، زعيم جماعة أنصار المهدي، في سلسلة الحوارات التي نشرناها معه في»المساء» قبل نحو عام، والذي يرى أيضا، في الحوار نفسه، أن عبارة السلفية الجهادية مفصلة بحيث يمكن أن تشمل شتاتا واسعا من الأطياف والنزعات، حتى المتضاربة أحيانا. مثل هذا الخليط قد يعقد من مهمة الدولة في أي حوار مع السلفيين الجهاديين، خاصة عندما يصل الأمر إلى «الحوار العلمي» الذي يمكن أن يتم فيه إشراك علماء وفقهاء من المؤسسة الدينية الرسمية. ثم هناك قضية ثانية من شأنها أن تعقد هذا الحوار، وهي أن العديد من المعتقلين ضمن هذا التيار لا يقرون بزعامة من يسمون بالمشايخ الخمسة، وهم محمد الفيزازي وحسن الكتاني وأبو حفص وعبد الكريم الشاذلي ومحمد الحدوشي؛ أما النقطة الثالثة، وهي مرتبطة بهذه، فهي أن هؤلاء الشيوخ أنفسهم يتبرؤون من المعتقلين ويعتبرون أنهم ليسوا قادة لهم، ولا يعبرون إلا عن أنفسهم. وهاتان النقطتان قد تؤثران في الدور الذي تريد الدولة أن يقوم به الشيوخ تجاه المعتقلين، أو في «الضمانات» التي جرى الحديث عنها، والتي قيل إن الأجهزة الأمنية تريد الحصول عليها من هؤلاء الشيوخ قبل الإفراج عنهم. أما النقطة الرابعة فهي وجود اختلافات بين مختلف الأجهزة الأمنية الثلاثة في طريقة التعامل مع هذا الملف، وهي جهاز المخابرات المدنية (ديستي)، ولادجيد، جهاز المخابرات الخارجية، والاستعلامات العامة، إذ لكل جهاز من هذه الأجهزة تصوره الخاص. وحسب مصدر رفض الإدلاء باسمه، لا يمكن الدخول في أي حوار «رسمي ومسؤول» دون الاتفاق بين هذه الأجهزة الأمنية الثلاثة، كما أن هذا الاتفاق لا يمكن أن يحصل بدون ضوء أخضر من أعلى، لكي يصل الملف في النهاية إلى يد الملك. ويذكر أن الملك محمد السادس صرح في يناير 2005، في حوار مع يومية «إيل باييس» الإسبانية، وبشكل فاجأ الجميع وقتها، بحصول تجاوزات في طريقة تدبير ملف الاعتقالات التي أعقبت تفجيرات الدارالبيضاء عام 2003. بعد ذلك التصريح -الذي أربك الأجهزة الأمنية نفسها وعلى رأسها جهاز الديستي الذي كان يقوده الجنرال العنيكري، اللاعب الأول في تلك الحملة الأمنية، إضافة إلى جهاز القضاء الذي كان على رأسه آنذاك الاتحادي الراحل محمد بوزوبع- أدخل معتقلو السلفية الجهادية في قائمة المستفيدين من العفو الملكي، حيث استفاد منه أزيد من 300 معتقل على خلفية تلك الأحداث، وقد كان ذلك بمثابة رسالة من الملك أنه قد حصلت بالفعل تجاوزات وأن آلية العفو، التي يملك السلطان وحده آليتها، سوف تقوم بإصلاح الوضع، إلا أن ما حدث بعدها، عندما فجر عبد الفتاح الرايضي نفسه في نادي الأنترنيت عام 2007، بعد مغادرته للسجن إثر عفو ملكي، سوف يوقف العمل بتلك الآلية، ليتم تجميد الوضع إلى اليوم. هذا العفو الملكي الذي جمد منذ عامين، يرى البعض اليوم أنه بات المدخل الطبيعي لإنهاء ملف السلفية الجهادية، وأنه مهما تم الحديث عن حوار أو غيره، فإن نهاية الرحلة ستقود حتما إلى العفو الملكي. إن العفو الملكي هنا لن يلعب دورا سياسيا فقط لإصلاح أوضاع قد يكون القضاء مسؤولا عنها، ولحل قضية السلفيين، بل سيكون له أيضا دور ديني رمزي، لأن المعتقلين المعتنقين لأفكار السلفية الجهادية سوف يتم الإفراج عنهم بآلية تملكها مؤسسة إمارة المؤمنين التي تمتلك في نفس الوقت الشرعية الدينية في البلاد، وبهذا يتم توجيه رسالة قوية إلى هؤلاء، تفيد بأن إمارة المؤمنين تضم الجميع، وأن التأكيد عليها هو جزء من الحل. ويقول مصدر مطلع، رفض الكشف عن هويته، إن عشرات الرسائل بدأت تتقاطر على القصر الملكي، لطلب العفو من ذوي المعتقلين، كما أن أسر الشيوخ المعتقلين، وبينهم الشيخان حسن الكتاني وأبو حفص، وجهوا رسائل عدة إلى الديوان الملكي في نفس الموضوع، وإن توجه أسرة الكتانيين إلى القصر، على ما هو معروف تاريخيا بين العلويين والكتانيين، ينتمي إلى تقاليد راسخة في المغرب، تنص على طلب الشفاعة من السلطان من قبل أسرة أو قبيلة معينة، في واحد من أبنائها الذين قد يتجاوزون بعض الحدود.