تتجاذب الأسئلة حول تمظهر وتجليات الصورة النسائية وتموقعها، بل حضورها من خلال السينما المغربية، فهناك من اعتبر أن معظم الأفلام المغربية كرست الصورة ذاتها للمرأة باعتبارها المضطهدة والمظلومة من طرف الرجل حينا، وأحيانا المرأة المستغلة الضحية، وهناك من المتتبعين من يحمل نظرة إيجابية حول الصورة التي تتخذها المرأة المغربية في السينما على حسب طبيعة التناول ورؤية المعالج للقضية لتتمظهر أكثر قوة وحضورا وتأثيرا. "" ومع تزايد وتيرة الإنتاج في مجال الفن السابع، وخصوصًا في السنوات الأخيرة، بالمغرب بدأت تتشكل الرؤية الثقافية والإبداعية والنقدية بنوع من العمق في التأمل عما كانت عليه من قبل، خصوصا أن هذه الأفلام بدأت تتناول نوعا من المواضيع كانت في السابق تعتبر تابوها محرما يمنع الحديث فيه. أغلب الأفلام المنتجة في فترة التسعينيات ركزت على عنصر الأنثى أثناء تمرير رسالتها المتعددة الخطابات، غير أن طابع عدم الرضا والإحساس بالاستهجان ساور مشاعر المتلقي على اختلاف مرجعياته، لتظل صورة المرأة تلك المطية السهلة المرام والتي من خلالها تتوالى الصور السلبية أو الإيجابية على حسب تصور كاتب السيناريو أو حسب رؤية المخرج (المخرجة). الصورة بين الاستهجان والإباحية فيلم "ماروك" من الأفلام المغربية التي أثارت ضجة كبيرة وأسالت الكثير من الحبر بين مؤيد ومعارض، وهو أول تجربة للمخرجة ليلى المراكشي، وكأنها به تتحدى الواقع المغربي هوية ومعتقدًا وعادات وتقاليد، وعنه صرح الناقد السينمائي المغربي نور الدين كوشتي في أحد المنابر الإعلامية بأنه "تمرد بلا سبب"؛ إذ إن الفيلم صور سلوكيات غير أخلاقية وإباحات جنسية مبنية على قصة حب نشأت بين فتاة مغربية وشاب يهودي، ومما أثار استياء الأوساط الفنية مشاركة الفيلم في المهرجان الدولي المغربي بطنجة لدورة 2006، وتأييد مدير المركز السينمائي المغربي حين سمح بعرضه في القاعات السينمائية، وفي المقابل أصدرت نقابة المسرحيين المغاربة بيانا رفضت من خلاله ما شاب المجال الثقافي والفني من "سلوكيات مفضوحة والتي تظهر بجلاء ووضوح من خلال بعض الأعمال السينمائية المحسوبة على الإنتاج المغربي، والتي أنتجت بالاشتراك مع جهات خارجية، يقف خلفها لوبي يستغل الصورة ليمرر بكيفية صارخة إيديولوجيته المشينة والمسيئة للمتلقي المغربي". وحين نتساءل عن سبب اختيار الموضوع نجده يبحث نحو تلقين المتلقي المغربي فكرة جاوزت مسألة التعايش بين الديانات وصولا إلى فرضية التزاوج والتمازج مع الآخر، ضاربا بعرض الحائط المبدأ الإسلامي المحرم لاقتران المسلمة من غير المسلم (اليهودي)، متسائلين لما لم تتوسل المخرجة الفكرة من خلال اقتران المسلم باليهودية، وهذا له ما له من رغبة في الممنوع، بل الدفاع عنها بكل القوة عن طريق احتكار صورة المرأة دائما والتمرير من خلالها أفكارا محرمة. "سميرة في الضيعة" أو كما جاء عنوانه في نسخته الفرنسية "حدائق سميرة" فيلم أعاد كتابة السيناريو له مخرجه لطيف لحلو من إنتاجات 2007 يصور زوجة تعاني الحرمان الجنسي بسبب زوجها العاجز، تحدث عنه الناقد جمال الخنوسي بنوع من التأييد العميق للفكرة والإعجاب الشديد لشجاعة المخرج حين اعتبر أن الاشتغال على الجنس كموضوع للبحث والتأمل والمساءلة يعتبر مخاطرة كبيرة في المغرب والعالم العربي على العموم، وأن تناول موضوع الجنس كتيمة سينمائية مغامرة كبرى واقتحام "لعش الدبابير"، وأردف الناقد في مقالته المؤيدة: إن فيلم "سميرة في الضيعة" ليس أول محاولة سينمائية مغربية تتطرق لموضوع الجنس والحرمان الجنسي النسائي على الخصوص، فقد سبق فيلم "الراكد" (الراقد) للمخرجة ياسمين قصاري أن تطرق إلى هذا المشكل من خلال هجرة رجال قرية شرق المغرب للعمل في إسبانيا وترك نسائها يعيشن عزلتهن ووحدتهن القاتلة، إلا أن قصاري تعاملت مع الموضوع بنوع من الحشمة والتحفظ، واعتمدت على رموز، ووظفت أسطورة "الراكد" للتعبير عن الرغبة الجنسية الراقدة، في الوقت الذي كان تعامل لحلو يتأرجح بين عنف الرغبة والجسد من جهة وشاعرية الحنين والخيال من جهة أخرى. وفي المقابل أثار الفيلم حفيظة مجموعة من النقاد والمتتبعين للحقل الإنتاجي السينمائي الذين اعتبروه بعيدا عن روح الجرأة بقدر ما هو وقاحة، فقد علق الناقد يوسف كرمي أثناء تقديم رؤيته النقدية أن فيلم "سميرة في الضيعة" (يثقف الزوجات المحرومات جنسيا ويعلمهن الطريقة المثلى لتعويض الفراغ العاطفي والحرمان بالاستيهامات الجنسية وممارسة العادة السرية، أو طريقة الارتباط بعلاقة غير شرعية مع أحد أقارب الزوج حتى لو كان ابن الأخت، ويوصي كل شابة بأن تتزود بمخزون كاف من العلاقات الجنسية قبل الزواج حتى لا قدر الله إذا كان الزوج به عطب تقني يكون لديها اكتفاء ذاتي لمسايرة حياتها الزوجية دون مشاكل، مما يغنيها عن الاستيراد من الدول المجاورة، عفوا من الأقارب المجاورين). وإذا كانت هذه الأفلام وغيرها حققت حضورا مهما على مستوى التلقي وعددا كبيرا من المقالات التي كتبت حولها، فقد ظل هذا التلقي محكوما بحب الاستطلاع وإشباع رغبة الفضول على مستوى المشاهدة ونقدا لاذعا وكاشفا مستوى الفهم الثقافي المتراوح بين الإيجاب والسلب. وعلى نفس وتيرة (الممنوع مرغوب) ظلت السينما المغربية مهووسة بتقديم أفلام جديدة الطرح غريبة الموضوع كانت فيها وظلت صورة المرأة المطية لكل فكرة تكشف المستور حسب المرسل يقابله الرفض لدى المتلقي بعيدة كل البعد عن تناول موضوعي واقعي لمشاكل المجتمع الحقيقية. محمد بلوش الناقد والصحفي المغربي اعتبر في تصريح خاص ل"إسلام أون لاين" أن هناك هالة إعلامية ونقدية تستحضر كلما كان هنالك حديث حول "المرأة في السينما المغربية"، وأن الواقعية تفرض الاعتراف بكون كل ذلك الحديث إنما كان شعبويا محضا، ونوعا من الشعارات الجوفاء، خصوصًا لذر الرماد في العيون أو أملا في كسب ود جمهور عريض. ويسترسل في شرحه: "فالإشكال الكبير الذي يطرح في جل الأفلام التي يردد منتجوها أنهم عالجوا خلالها قضايا المرأة المغربية أنها تكون أفلاما أنتجت بدعم خارجي فرانكفوني يفرض أصحابه بطبيعة الحال تقديم تلك الأفلام للمرأة بالصورة التي يشاءونها هم، وبالتالي لم تجد سينمائيات مغربيات وعربيات أي دعم لتحقيق مشاريع أفلام طويلة حول المرأة، بسبب اشتغال السيناريو على الموضوع بطريقة موضوعية )نموذج يامنة بنكيكي الجزائرية وكلثوم برناز التونسية)، بل إن بعض الأفلام المغربية التي يدعي مخرجوها تطرقها لقضايا المرأة المغربية هي أصلا مقتبسة من أعمال روائية فرنسية (كنموذج: فيلم مجيد أرشيش "قصة حب")، وبعضها الآخر قدم المرأة المغربية في شكل داعر (العيون الجافة، لنرجس النجار(". الصورة النمطية "حجاب الحب" الفيلم الذي جاب قاعات السينما المغربية مؤخرا صحبه تهديدات المنع وسط ضجة إعلامية كبيرة.. أخرجه عزيز السالمي وقامت بدور البطولة فيه الممثلة الجزائرية حياة بلحوفي.. يقول عنه مخرجه: ("حجاب الحب" يصور واقع خمس نساء لكل واحدة منهن موقفها الخاص من الحجاب ويتحدث عن حياتهن اليومية والمشاكل التي يعشنها)، ويضيف في تصريح له لأحد المنابر الإعلامية المغربية أن الموضوع المتناول جد عادي ومعيش، وهو (معاناة فتاة تائهة بين الحداثة والمحافظة، بين احترام القيم الدينية والغرق في الحب.. أردت إثارة نقاش حول التناقضات التي يشهدها المجتمع المغربي، وكشف الصراع بين الأصالة والمعاصرة، ولم أفعل سوى إثارة التساؤلات التي تطرح حول موضوع الحجاب وحول توظيفه من طرف بعض النساء لغاية ما، من دون المس بالمحجبات عن قناعة). بيد أن طرح الموضوع لم يفهمه جل المتلقين -مثقفين ونقادًا وحتى المشاهدين العاديين- بهذه البساطة، ولا يحمل أي براءة؛ إذ اعتبر الأستاذ عبد الباري الزمزمي العضو في حزب النهضة والفضيلة ذي التوجه الإسلامي المغربي أن الفيلم أساء للمجتمع ومبادئه الإسلامية؛ لأنه أظهر فتاة محجبة تقيم علاقة غير شرعية مع شاب، وأن الفتيات المحجبات يدخن الشيشة، ووعد العضو البرلماني أن يحمل الجدل إلى قبة البرلمان سعيا للحصول على منع لعرضه في القاعات السينمائية. وكان للإعلام الجزائري أيضا موقف من الفيلم، فقد اعتبر مشاركة الممثلة الجزائرية بلحوفي في أداء دور (الباتول) بطلة الفيلم مؤدية مشاهد جريئة إساءة مقصودة للجزائريين، كما اعتبرت هذه المنابر الإعلامية الجزائرية أن الخطاب المهيمن في الفيلم: (موجه وغير بريء ويفتقر إلى الموضوعية والواقعية). الفيلم صوّر البطلة المحجبة تحمل من صديقها الذي رفض الزواج منها، فتقرر تربية ابنها لوحدها وهي الطبيبة والمثقفة المنتمية لعائلة محافظة، متحدية المجتمع بمعتقداته وعاداته، وهو ما اعتبره مخرجه جرأة في حسم الخيارات واتخاذ المواقف وليس في إبراز جزء عار من امرأة.. وقال مدافعا: (الجرأة في المغرب هي إبراز مفاتن امرأة عارية، الجرأة هي أن تأخذ موقفا وتدافع عنه، أن تناضل من أجل هدف في الحياة). هذا النوع من المعالجة يجعلنا نطرح ألف سؤال وسؤالا.. هل صورة المرأة ومعالجة قشور المشاكل التي تعانيها تظل الوسيلة الوحيدة القادرة على إيصال المكبوت وطرح الجرأة في أسواق المشاهدة؟ أم هي كما اعتبرها الناقد محمد بلوش مشكل المخرجين السينمائيين المغاربة الذين يعيشون في برج عاجي وهمي باسم الحداثة.. يقول : (وهذه حالة انفصام لا نعتقد أنها تؤهلهم لصنع أفلام تناقش فعلا قضايا المرأة المغربية، خاصة أن جلهم يترفع عن النزول إلى الشارع الشعبي لمعاينة طبيعة الشريحة الاجتماعية التي يودون إنجاز أفلام حول بعض قضاياها أو مشاكلها).