تفنيد افتراء "أبو نواس كان مثليا والإمام أحمد لم ينكر عليه مثليته" في خضم الحديث عن اللواط والشذوذ الجنسي في المغرب كلفت بعض المنابر الإعلامية نفسها وحاولت النبش في التاريخ الإسلامي علها تجد مستندا تاريخيا تدعم به موقفها، وتكثر به عدد صفحاتها. "" وكعادة حاطب الليل الذي لا يميز بين الحية والحطب، والنافع والضار، فقد وقعت هذه الجريدة على كتاب الكشكول ليوسف البحراني، وهو أحد أقطاب الشيعة، نقل في مقدمته كلاما يقطر مجونا وفسقا وإلحادا، نسبه زورا للشاعر أبي نواس، وقد كان هذا المرجع هو عمدة الجريدة لرمي أبي نواس بالشذوذ والمثلية. نعم، لقد نقل المؤرخون عن أبي نواس أموراً كثيرةً، ومجوناً وأشعاراً منكرة، وله في الخمريات والقاذروات والتشبب بالمردان والنسوان أشياء بشعة شنيعة، فمن الناس من يفسقه ويرميه بالفاحشة، ومنهم من يرميه بالزندقة، ومنهم من يقول: كان إنما يخرب على نفسه. قال أبو عمرو الشيباني: لولا أن أبا نواس أفسد شعره بما وضع فيه من الأقذار لاحتججنا به -يعني: شعره الذي قاله في الخمريات والمردان.. وقد عزوا إليه في صغره وكبره أشياء منكرة الله أعلم بصحتها، والعامة تنقل عنه أشياء كثيرة لا حقيقة لها. لكن رغم كلامه الفاحش فقد قال محمد بن أبي عمر: سمعت أبا نواس يقول: والله ما فتحت سراويلي لحرامٍ قط. وروى ابن عساكر في التاريخ، قال: وقال الربيع وغيره: عن الشافعي، قال: دخلنا على أبي نواس في اليوم الذي مات فيه وهو يجود بنفسه، فقلنا: ما أعددت لهذا اليوم؟ فأنشأ يقول: تعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك ربي كان عفوك أعظما ومازلت ذا عفو عن الذنب لم تزل تجود وتعفو منَّة وتكرُّما ولولاك لم يقدر لإبليس عابد وكيف وقد أغوى صفيك آدما ثم إن العرب لم يعرفوا فاحشة اللواط من قبل في جاهليتهم، ولم يؤثر عنهم مطلقاً أن أشاروا إليها فيما تركوه من شعر أو نثر، حتى إنهم ما تغزلوا في الأمَارِدِ والذكران في جاهليتهم، وإنما تسرب إليهم هذا النوع من الغزل مع نهاية القرن الثاني الهجري وبداية الثالث، متأثرين في ذلك بالفرس والأتراك، أما قبل ذلك فما كان غزلهم إلا بالنساء. فالافتراء على أبي نواس رحمه الله ووصفه بالمثلية قذف يحتاج إلى دليل ثابت صحيح، وإلا فالموعد بين يدي الله العزيز الحكيم. ولم تكتف المنابر الإعلامية بالتجني على أبي نواس ووصفه بالمثلية فحسب، بل تعدته إلى الإمام الحجة أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، مدعية أن الإمام "أحمد عاصر أبا نواس ولم ينكر عليه مجاهرته بمثليته"، وهذا افتراء أعظم من سابقه، لكونه يمس علما من أعلام أهل السنة والجماعة، بكونه لم ينكر على أبي نواس مجاهرته بالمعصية، علما أن أقوال الإمام أحمد في حق مرتكب فاحشة اللواط مقررة معلومة، فقد ذكر الإمام أحمد وغيره من أئمة المذاهب وعلماء التابعين أن اللوطي يرجم أحصن أولم يحصن، وأن حد اللوطي الرجم بِكراً كان أو ثيباً، مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان". وقد كان للعلماء والأمراء موقف حازم تجاه الشعراء الذين عرفوا بفسقهم وانحرافهم، فمنهم من قُتل جراء فسقه، مثل بشار بن برد وحماد عجرد، ومنهم من شرد وطورد كووالبة، ومنهم من سجن كأبي نواس سجنه الرشيد والأمين، ومنهم من تاب في أخريات حياته. فكفى كذبا على التاريخ، كفى تزويرا للحقائق، كفى ضحكا على الناس وتضليلا لهم، لقد أصبح واضحا تعنت المنابر العلمانية المعادية لمنظومة القيم والأخلاق، وإصرارها على إخفاء الحق الواضح البين، وتصيد الأقوال الشاذة والمعدومة الأسانيد التي ينقلها أهل البدع من الشيعة -الذين يتخذون الكذب دينا- وغيرهم، مقابل إخفاء موقف واضح للأئمة والعلماء انعقد عليه الإجماع.