تستعد أمريكا اللاتينية خلال سنة 2014 ، للدخول في مسلسل جديد في الحياة السياسية بإجراء انتخابات رئاسية في سبعة من بين 19 بلدا في القارة سيسعى اليسار في أربع دول منها للاحتفاظ بالسلطة. ففي البرازيل سيعمل حزب العمل على إعادة انتخاب ديلما الروسيف، وفي بوليفيا سيسعى حزب الحركة الشعبية الاشتراكية على ضمان ولاية ثالثة لإيفو موراليس، شأنه في ذلك شأن الجبهة الموسعة في الأوروغواي (الائتلاف اليساري) التي ستحاول من جهتها الاحتفاظ بالسلطة للمرة الثالثة على التوالي عبر مرشحها طابري باسكيث، بينما في السالفادور ستعمل جبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني (اليسار المتطرف) على ضمان الفوز للقيادي ونائب رئيس الحالي للبلاد سالفادور ساتنتيث سيرين. ويطمح اليسار أيضا لتولي السلطة في كوستاريكا، حيث سيتنافس كل من خوسيه ماريا فييالتا المرشح عن الجبهة الموسعة ضد جوني أرايا، عن حزب الوسط للتحرير الوطني الذي تنتمي إليه الرئيسة الحالية لورا شينشيلا. وستجرى الانتخابات أيضا في بلدين يحكمهما يمين الوسط، الأولى في كولومبيا حيث سيترشح للمرة الثانية خوان مانويل سانتوس عن (حزب الوحدة الوطنية) بينما في الجارة بنما يطمح (حزب التغيير الديمقراطي) للبقاء في السلطة من خلال تغيير ريكاردو مارتينيلي واستبداله بخوسي دومينغو أرياس. وسيبدأ هذا المسلسل الانتخابي بأمريكا اللاتينية في 2 فبراير المقبل من السالفادور الذي تحكمه الجبهة اليسارية (فارابوندو مارتي للتحرير الوطني) التي سبق وأن تسلمت مقاليد الحكم بعد فوزها في انتخابات سنة 2009 على يد موريسيو فونيس (اليسار المعتدل). وسيكون على هذه الجبهة في الوقت الراهن أن تصارع للبقاء في السلطة ضد منافسها اليميني نورمان كيخانو عن التحالف الوطني الجمهوري الذي سبق وأن حكم في البلاد ما بين (2009-1989) ويطمح مجددا الى استرجاع مقاليد الحكم. وفي اليوم نفسه (2 فبراير) سيتوجه الناخبون في كوستاريكا إلى صناديق الاقتراع في انتخابات بمثابة الفرصة السانحة ل "الحزب الاشتراكي الجبهة الموسعة" للوصول الى سدة الحكم لأول مرة في تاريخه، مستفيدا من الأزمة الاقتصادية العارمة في البلاد إذ تراجع النمو الاقتصادي بشكل حاد في هذا البلد الذي كان حتى عهد قريب من أكثر البلدان ازدهارا في أمريكا الوسطى. ولا يختلف الوضع بالنسبة لبنما التي تجرى فيها الانتخابات الرئاسية يوم 4 ماي، حيث سيعمل (حزب التغيير الديمقراطي) الذي يوجد على رأسه رجل الأعمال ومهندس الانتقال الديمقراطي في هذا البلد ريكاردو مارتينيلي على ضمان ولاية ثانية، غير أنه سيواجه تحالف يمين الوسط (الشعب أولا) ومرشحه القوي خوان كارلوس فاريلا الذي يعتبر من أبرز المنافسين في الانتخابات بعد أن انضمت إلى صفوف حزبه التشكيلات التي تخلت عن تحالف ريكاردو مارتينيلي، كما يأتي في الدرجة الثالثة (الحزب الاشتراكي الثوري الديمقراطي) الذي يوجد على رأسه خوان كارلوس نافارو. أما في كولومبيا فسيتوجه الناخبون يوم 25 ماي إلى مكاتب الاقتراع لانتخاب رئيس جديد، ما سيمثل فرصة للرئيس الحالي خوان مانويل سانتوس الذي يتفاوض حاليا مع متمردي جماعة القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) لنزع السلاح وإحلال السلم في البلاد لضمان ولاية ثانية. وهي مهمة لا تبدو هينة إذ إنه سيواجه أوسكار زولوواغا والرئيس السابق ألفارو أوريبي وكلاهما عن (حزب أوريبي للوسط الديمقراطي) بالإضافة الى مرشحي الأحزاب اليسارية، كلارا لوبيز عن (قطب البديل الديمقراطي) وعايدة أبيجا (الاتحاد الوطني). ووفق التسلسل الزمني نفسه يأتي دور العملاق الاقتصادي بالقارة البرازيل يوم خامس أكتوبر، حيث سيكون الناخبون على موعد مع الانتخابات الرئاسية حيث تتوفر الرئيسة الحالية ديلما روسيف على حظوظ كبيرة للفوز وفقا لنتائج آخر استطلاعات الرأي، ويحتفظ بذلك "حزب العمل" بزمام السلطة التي يتولاها منذ 16 عاما. وعلى غرار ما يحدث في كل من كولومبياوكوستاريكاوبنما وأوروغواي وبوليفيا فعادة ما تتحدد الرئاسة في البرازيل عند الجولة الثانية في حالة لم يتجاوز أي مرشح نسبة 50 في المائة، غير أن ديلما الروسيف تحظى بشعبية كبيرة على الرغم من التوترات والاحتجاجات الاجتماعية التي شهدها البرازيل خلال العام 2013. وسيتعين على ديلما مواجهة مرشح حزب الديمقراطية الاجتماعية البرازيلية (وسط) أسيو نيفيس أو مرشح (الحزب الاشتراكي) إدواردو كامبوس، وزير سابق في حكومة لويز ايناسيو لولا دا سيلفا ( 2003-2011 ). أما في الأوروغواي فسيتوجه الناخبون يوم 26 أكتوبر لانتخاب رئيس جديد للبلاد، انتخابات يتوفر خلالها الرئيس السابق تاباري فاسكيث والمرشح عن الجبهة الموسعة (ائتلاف اليسار الحاكم) على أوفر الحظوظ للفوز بولاية ثالثة وفقا لآخر استطلاع للرأي. وكذلك هو الحال بالنسبة لبوليفيا التي ستجرى فيها الانتخابات الرئاسية في شهر أكتوبر حيث سيترشح الرئيس الحالي إيفو موراليس لولاية ثالثة علما أن دستور البلاد لا يسمح بثلاث ولايات متتالية، غير أن المحكمة الدستورية رخصت له ذلك، معتبرة بأن الولاية التشريعية الأولى (2010-2006) لن تحتسب بحكم أنه لم يستكمل مدتها، لأنها تزامنت مع التعديلات التي أدخلت في هذا الباب على "ميثاق البلاد" الذي تحولت بوليفيا بمقتضاه إلى دولة متعددة القوميات. ويتعين على إيفو موراليس مواجهة خصميه روبين كوستا عن (حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية) وخوان ديل غراناد الحليف السابق لموراليس وزعيم (حركة بدون خوف). ويرى المراقبون أنه بعد الفوز الذي حققته الاشتراكية ميشيل باشيليه مؤخرا في الشيلي والتي ستتولى السلطة في مارس المقبل، أصبحت معالم حكم اليسار في القارة فسيفسائية تتراوح ما بين الاعتدال والتطرف. لكن يبدو أن الاقتصاد يبقى محرك الشأن السياسي في القارة ذلك أن المشهد السياسي أصبح يتغير تبعا للحالة الاقتصادية في كل بلد، هكذا فبعد ثلاث سنوات متتالية من التباطؤ الاقتصادي ينتظر أن تستعيد المنطقة عافيتها وتسجل معدلات نمو بوتيرة جديدة وسريعة سنة 2014 وخاصة في المكسيكوأمريكا الوسطى التي يتوقف نمو اقتصادهما على انتعاش الاقتصاد في الولاياتالمتحدة. هذا بينما تشير التوقعات الاقتصادية في أمريكا الجنوبية إلى أن استئناف النمو الاقتصادي سيبقى رهينا بانخفاض أسعار المواد الخام التي لا تزال عند مستوياتها المرتفعة منذ زمن بعيد. *و.م.ع