خير وسيلة للدفاع هي الهجوم. هذه الاستراتيجية الدبلوماسية التي اعتمدها المغرب منذ سنة 2017 في إفريقيا والتي أعطت ثمارها في وقت وجيز بالعودة إلى الاتحاد الإفريقي وتضييق الخناق على جبهة البوليساريو وحلفائها، عاد للعمل بها في القارة الأمريكية اللاتينية التي كانت تعتبر منذ عقود معقلا لجبهة البوليساريو. عزم المغرب على عدم تكرار خطأ سياسة المقعد الفارغ تجسد بالملموس، يوم أمس الاثنين، خلال مراسيم حفل تنصيب الرئيس الجديد لدولة بنما، لاورينتينو نيتو كورتيزو، عن الحزب “الثوري الديمقراطي”، إذ شارك سعد الدين العثماني في الحفل جنبا إلى جنب مع زعيم الجمهورية الوهمية، إبراهيم غالي، علاوة على ملك إسبانيا، فيليبي السادس، ورؤساء دول وحكومات من القارات الخمس. ورغم أن دولة بنما تعترف بالجمهورية الوهمية وتتبادل معها السفراء، إلا أن الملك محمد السادس كلف العثماني بتمثيله في حفل تنصيب الرئيس البنمي الجديد. تكليف الملك للعثماني بدل وزير الخارجية والتعاون الدولي، ناصر بوريطة، أو مونية بوستة، كاتبة الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، أو رئيس مجلس النواب، الحبيب المالكي، أو حكيم بنشماس، رئيس مجلس المستشارين، الذين حضروا مراسيم تنصيب بعض الرؤساء في هذه القارة؛ يؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أن المغرب يريد بناء علاقة قوية مع القيادة البنمية الجديدة. وإذا كان المغرب استطاع يوم 15 يونيو المنصرم توجيه صفعة قوية للبوليساريو في السلفادور، التي سحبت اعترافها بالجبهة وقطعت كل العلاقات معها، إلى جانب إمكانية سحب دولة الإكوادور اعترافها بالجبهة في الأيام المقبلة، فإن بعض المؤشرات التي رصدتها “أخبار اليوم” تدل على أن القيادة الجديد في بنما قد تقطع علاقاتها بالجمهورية الوهمية. علما أن بنما هي أول دولة اعترفت على المستوى الدولي بالبوليساريو في شهر يوليوز 1978، قبل أن يدخلا في علاقات ثنائية رسمية يوم 1 يونيو 1979. أول مؤشر هو قرار المغرب الرفع من مستوى تمثيليته بمشاركة رئيس الحكومة سعد الدين العثماني. ثانيا، مشاركة المغرب في شخص العثماني، رغم مشاركة زعيم الجبهة إبراهيم غالي، الذي حاول تصوير نفسه كما لو أن لديه شعبية كبيرة في بنما بالاجتماع والتقاط صور مع مسؤولين في هذا البلد، لكنهم يبقون مسؤولين من الدرجة الثالثة والرابعة. ثالثا؛ استقبال العثماني لدى وصوله إلى مطار “توكومين” الدولي بالعاصمة بنما من قبل نائب وزيرة الخارجية البنمية، لويس ميغيل إنكابيي، مقابل استقبال إبراهيم غالي من قبل مسؤولين عاديين، مما يدل على أن القيادة الجديدة تسعى إلى تعزيز علاقتها مع المغرب. رابعا، تأكيد المغرب أن حضور حفل التنصيب يعكس الإرادة القوية للمملكة في إعطاء دفعة جديدة للعلاقات المغربية البنمية، من أجل تطويرها وتنويعها لتشمل أبعادا ومجالات متعددة، اقتصادية وتجارية وثقافية، وكذا إطلاق حوار سياسي منتظم، مع السعي نحو إقامة شراكة استراتيجية، لما فيه صالح البلدين وقضاياهما الكبرى. وهو الشيء الذي أكده العثماني قائلا: “سنعمل على أن تكون علاقاتنا الثنائية في المستقبل قوية ومتنوعة ومفيدة للبلدين”، مبرزا الدور الهام لبنما في أمريكا الوسطى وفي القارة الأمريكية عموما، وكذا الدور الذي يمكن أن يضطلع به المغرب كبوابة ولوج للقارة الإفريقية. معطى آخر يعزز إمكانية سحب القيادة الجديد اعترافها بالجمهورية الوهمية، هو القطيعة مع السياسة الخارجية للرئيس المنتهية ولايته. وبالعودة إلى العلاقات الثنائية بين بنما والمغرب في السنوات الأخيرة، يلاحظ أن الدبلوماسية المغربية تمكنت سنة 2013 من إقناع الرئيس الأسبق (2009-2014)، ريكاردو ألبيرتو مارتينيل بيروكال، عن حزب التغيير الديمقراطي، من قطع العلاقات مع الجمهورية الوهمية في 20 نونبر 2013، حيث قام وزير الخارجية السابق، صلاح الدين مزوار، بزيارة إلى بنما في يناير 2015، انتهت بالاتفاق على فتح سفارة للمملكة في بنما. لكن ذلك الود بين ريكاردو ألبيرتو مارتينيل بيروكال والمغرب لم يدم كثيرا، إذ بعد سقوطه في الانتخابات وصعود الرئيس المنتهية ولايته، خوان كارلوس باليرا، عن الحزب البنمي القومي، عاد لربط العلاقات وتبادل السفراء مع جبهة البوليساريو في يناير 2016. عبد الواحد أكمير، الخبير المغربي المتخصص في الشأن المغربي الأمريكي اللاتيني، أكد في حوار مع “أخبار اليوم” نشر الأسبوع الماضي قائلا: “أظن أن استراتيجية المغرب في التعامل مع بلدان أمريكا اللاتينية، عرفت تطوراً واضحاً منذ مطلع القرن الحالي. ساهمت في ذلك التحولات التي عرفها السياق الدولي، ولكن هناك حدثا بالغ الدلالة ساهم في نجاح هذه الاستراتيجية، وهو زيارة جلالة الملك إلى هذه القارة سنة 2004؛ فمنذ ذلك التاريخ أبدت عدد من بلدانها تفهماً أكبر لقضية وحدة المغرب الترابية، وسحبت اعترافها بالبوليساريو”.. إلى حدود الساعة، من أصل 21 دولة أو أكثر، إذا ما أضيفت إليها بعض الجمهوريات الصغيرة التي لا تتحدث اللغة الإسبانية مثل السورينام؛ لازالت الجبهة تحظى بدعم ما يسمى المحور البوليفاري (كوبا وفنزويلا وبوليفيا والإكوادور ونيكاراغوا)، والمكسيك وبنما والأوروغواي. في المقابل، يحظى المغرب بدعم دول ذات وزن وثقل كبير سياسيا واقتصاديا تتصدرها البرازيل والتشيلي والأرجنتين وكولومبيا وباراغواي، إلى جانب البيرو وكوستاريكا والهندوراس وغواتيمالا والسلفادور وهايتي وجمهورية الدومينيكان.