أصدر الديوان الملكي بلاغا يعلن فيه قرار الملك محمد السادس بإقرار رأس السنة الأمازيغية، عطلة وطنية رسمية مؤدى عنها، على غرار فاتح محرم من السنة الهجرية ورأس السنة الميلادية. ويأتي هذا القرار الملكي، يضيف البلاغ، تجسيدا للعناية الكريمة، التي ما فتئ يوليها جلالته، حفظه الله، للأمازيغية باعتبارها مكونا رئيسيا للهوية المغربية الأصيلة الغنية بتعدد روافدها، ورصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء، كما يندرج في إطار التكريس الدستوري للأمازيغية كلغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية. ويحمل هذه القرار الملكي التاريخي أهمية كبيرة في مسار البناء الديمقرطي للتعددية اللغوية والثقافية الوطنية وفي صلبها الأمازيغية، لأنه يحمل دلالات سياسية ورمزية ترتبط بصلب تطورات النقاش والتدبير الثقافي والهوياتي المغربي، ويتوج المقتضيات الدستورية والقانونية الجديدة المرتبطة بها، خاصة ترسيم اللغة الأمازيغية إلى جانب العربية، كما يندرج هذا القرار الملكي في إطار تحقيق ما يمكن أن نسميه بالتوزيع العادل للرموز وتمكين اللغة والثقافة الأمازيغية من مكانتها في يومية الأعياد الوطنية والعطل الرسمية التي يحتفي بها المواطنون والمواطنات المغاربة، ويخلدون خلالها مختلف مكونات وعناصر تاريخهم ووجودهم الحضاري ومشتركهم الوطني. ومن الواضح أن هذا القرار الملكي هو امتداد موضوعي لمضامين الخطاب الملكي بأجدير سنة 2001، الذي جاء فيه "إننا نريد، في المقام الأول، التعبير عن إقرارنا جميعاً بكل مقومات تاريخنا الجماعي، وهويتنا الثقافية الوطنية... والتأكيد على أن الأمازيغية، التي تمتد جذورها في أعماق تاريخ الشعب المغربي، هي ملك لكل المغاربة بدون استثناء. ولأن الأمازيغية مُكوّن أساسي للثقافة الوطنية، وتراث ثقافي زاخر، شاهد على حضورها في كلّ معالم التاريخ والحضارة المغربية؛ فإننا نولي النهوض بها عناية خاصة في إنجاز مشروعنا المجتمعي الديمقراطي الحداثي، القائم على تأكيد الاعتبار للشخصية الوطنية ورموزها اللغوية والثقافية والحضارية". وقد أصدر جلالة الملك، وفق مضمون البلاغ، توجيهاته السامية إلى السيد رئيس الحكومة قصد اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل هذا القرار الملكي السامي. فما هي هذه الإجراءات وكيفية التفعيل المنتظرة؟ لعل الإجراء الأول الذي يرتبط به تفعيل القرار الملكي بترسيم رأس السنة الأمازيغية " إيض ن إيناير"، يهم تحديد اليوم بالضبط، حيث أنه من المرجح أن يكون هو يوم 13 يناير ميلادي، حيث أن الاحتفالات الشعبية والجمعوية والنضالية في المغرب، وفي السنوات الأخيرة التي تقدم عليها بعض المؤسسات والمجالس المنتخبة، تتراوح بين يومي 12 و13 يناير، ويمكن حسم ذلك بناء على رأي الخبراء في المجال، وباستحضار ارتباط الاحتفال العريق بفاتح السنة الفلاحية، التي تحمل دلالات الاحتفاء بالأرض وخيراتها والانتماء إليها، والذي يصادف 13 يناير من التقويم الميلادي. كما أن مسارات تفعيل هذا القرار الملكي السامي تقتضي اعتماده رسميا في منظومة القيم والرموز الوطنية، وتخليده ثقافيا واجتماعيا وتربويا، وذلك من خلال إدماجه في مسارات وحوامل ومشاريع الثقافة والفنون وفي المناهج والبرامج التعليمية والدينية وفي الإعلام، وفي السجل والمتن الرمزي والتاريخي الوطني. إن دلالات وأبعاد القرار الملكي وتفعيله ترتبط بمشروع إعادة الاعتبار لكل مكونات التاريخ والحضارة المغربية، والتأسيس لمفهوم جديد للوطنية والوعي التاريخي والوجود الثقافي المغربي، عبر بلورة تعدديته وغناه بالشكل الكفيل بالتنشئة على قيم التجذر والانتماء والافتخار برصيدنا التاريخي والحضاري كاملا، باعتباره مشتركا هوياتيا محفزا على الاعتزاز بالذات والانفتاح على القيم والمشترك الإنساني. كما أن تفعيل القرار الملكي السامي يتطلب إيلاء المقتضيات الدستورية والقانونية المرتبطة بالطابع الرسمي للأمازيغية الأهمية اللازمة على مستوى تنفيذها واعتماد مقاربة تدبيرية فعالة، وتخصيص الموارد المالية والبشرية الضرورية، وذلك لتدارك التأخير والهدر الزمني والدستوري الحاصل على امتداد الولايات الحكومية والتدابير الوزارية والإدارية مند 2011، حتى تتمكن الأمازيغية من وضعها المنصف والملموس في مختلف مناحي الحياة العامة والمؤسسات والجماعات الترابية، وفي حياة كافة المواطنين والمواطنات المغاربة. (*) باحث في الشأن الأمازيغي، رئيس الجامعة الصيفية أكادير