المتأمل للعدد الإجمالي للمغاربة الذين شاركوا في "قُرعة أمريكا"، يخرج بانطباع وحيد وأوحد، أن المغاربة أو على الأقل شرائح واسعة منهم، وصلوا إلى مستويات غير مسبوقة من اليأس والإحباط وفقدان الأمل وانسداد الأفق، ولم يعد أمامهم من خيار أو بديل سوى البحث عن ممرات المغادرة إن لم نقل الهروب والفرار خارج الوطن، بحثا عن مجالات أخرى، قد توفر لهم، ما عجزوا عن بلوغه وإدراكه داخل الوطن، من كرامة وشغل وسكن وصحة وحماية اجتماعية وحقوق وحريات وتقدير واعتبار... قرعة أمريكا، باتت "قرعة أمل" في زمن اليأس السياسي والاختناق الاجتماعي، بالنسبة لشرائح واسعة من المغاربة، الذين باتت علاقتهم بالوطن "علاقة انتظار" بحثا عن لحظة الانفراج والافتكاك، من واقع تتبخر فيه الأحلام والآمال يوما بعد يوم، وهذا معناه أن البيت الداخلي لم يعد يسر الناظرين، في ظل بيئة سياسية واقتصادية واجتماعية، لا تكتفي فقط بعدم إنتاج "الأمل" و"التفاؤل" وزراعة الإحساس بالحياة والانتماء للوطن، بل وتقوي أحاسيس القلق والتوجس والشك، واليأس والإحباط وانسداد الأفق، وترفع من جرعات "الرحيل" و"الفرار"، بحثا عن آفاق أخرى غير الآفاق... "قرعة أمريكا" تفرض دق ناقوس الخطر، إذا ما اعتبرنا أن الهجرة إلى أمريكا أو كندا أو أوروبا، باتت حلما يراود ليس فقط الشباب العاطلين أو الطلبة، بل وحتى الكثير من الخبرات والكفاءات، من موظفين وأساتذة ومهندسين ومثقفين وإعلاميين ومبدعين وغيرهم، وهذا الوضع المقلق بل والمقلق جدا، يضعنا أمام مغربين متناقضين تماما: مغرب البراق والبناء والنماء والبنيات التحتية والأوراش الاقتصادية والتنموية الكبرى والنموذج التنموي والحماية الاجتماعية، ومغرب آخر، يمشي بسرعة السلحفاة، تحضر فيه مشاهد التواضع والضعف والارتباك، مغرب يراهن على الإقلاع التنموي الشامل والإشعاع الإقليمي والدولي، ومغرب آخر يقوي الرغبة في الرحيل والهروب؛ مغرب اليوم يحتاج إلى شبابه وكل كفاءاته وخبراته، يحتاج إلى "قرعة أمل"، تمنح المغاربة قاطبة "بطاقة وطن"، تضمن الكرامة والسكن والشغل والصحة والتعليم والحماية الاجتماعية والأمن والاستقرار والقضاء الحر والمستقل، في إطار دولة الحق والقانون والمؤسسات والمساواة والعدالة الاجتماعية، يحتاج إلى بيئة سياسية واقتصادية واجتماعية، تقطع بشكل لا رجعة فيه مع صناع اليأس وتجار المآسي، ممن يعرقلون عجلة الوطن ويحرمونه من فرص النماء والرخاء والازدهار، من فاسدين وعابثين وأنانيين ووصوليين وانتهازيين ومنعدمي الضمير... مهما انتقدنا أو بالغنا في توصيف واقع الحال، فلا يمكن إلا أن نتشبث بخيط الأمل في بلوغ وإدراك "المغرب الممكن"، معولين على ما يجمع العرش والشعب من تلاحم وثيق، ومن قيم المحبة والالتزام والوفاء والإخلاص والتقدير والامتنان، وبهذا التلاحم وتلك القيم، بالإمكان كسب الرهانات التنموية الكبرى، ومواجهة مختلف التحديات المرتبطة بالوحدة الترابية للمملكة، وقبل هذا وذاك، الإسهام في التصدي الناجع والفعال لأعداء الوطن في الخارج كما في الداخل، والمضي قدما في اتجاه بناء مغرب يسع الجميع، يمنح لمواطنيه ما يبحثون عليه من أمل وكرامة وشغل وسكن وتعليم وصحة وعدالة ومساواة، وطريق الأمل والحياة، لا بد أن تمر عبر ثورة جديدة للملك والشعب لافتكاك الوطن من الفاسدين أينما كانوا وحيثما وجدوا، على غرار "ثورة 20 غشت 1953" التي شكلت آخر منعرج، في معركة المقاومة والتحرير...