اليوم الأخير من شهر رمضان الأبرك، شهد ارتفاعا غير مسبوق ربما في تاريخ المغرب المستقل، في أسعار الدواجن وخاصة الدجاج الأبيض "معشوق الطبقات الشعبية"، بعدما تجاوز ثمن الكيلوغرام من الدجاج الحي عتبة 25 درهما، بل و وصل إلى مستوى 28 درهما في بعض المحلات التجارية المتخصصة في بيع الدواجن، بعدما كان الثمن الاعتيادي قبل الجائحة، لا يتجاوز حدود 18 درهما، وأحيانا ينزل حتى مستوى 13 درهما؛ ولم نجد من خيار لإثارة الانتباه إلى ما طال ويطال أسواق الدواجن عبر التراب الوطني، من فوضى على مستوى الأسعار، سوى تبني العنوان أعلاه، رغم ما قد يثيره لدى البعض من التباس وغموض وإبهام، لاعتبارين اثنين: أولهما المكانة المعتبرة التي يحتلها الدجاج الأبيض، في المائدة المغربية وفي المناسبات والأعياد والأفراح وغيرها، بالنظر إلى ثمنه الذي يبقى عموما في متناول الكثير من الأسر، مقارنة مع أثمنة اللحوم الحمراء، وثانيها: دق ناقوس الخطر، إلى ما آلت إليه القدرة الشرائية لشرائح واسعة من المواطنين من ذوي الدخل المتوسط والمحدود، من تراجع وتدهور مثير للقلق، والذين لم تعد أزمتهم مرتبطة فقط، بالبطاطس والبصل والطماطم والبيض والزيت والأسماك وعدد من المواد الاستهلاكية الأخرى، بل امتدت إلى الدجاج، الذي لا يمكن تصور وجبة غذاء أو عشاء أو عرس أو فرح، إلا أمام حضرته؛ حمى أسعار الدواجن، ما هي إلا جزء لايتجزأ من جائحة الغلاء التي فرضت قبضتها المطلقة على الكثير من المواد الاستهلاكية الأساسية، وهذه الأسعار مهما اختلفنا في الأسباب المتحكمة فيها، فلابد أن نتفق أنها أو على الأقل جزء منها، يرتبط بممارسات الطمع والجشع والاحتكار، والتي تقوي الرغبة لدى بعض تجار المآسي، في استغلال المناسبات الدينية التي تعرف إقبالا كبيرا على الدجاج، للرفع من الأثمنة، في غياب أو على الأقل، محدودية أدوار سلطات الرقابة والضبط، سعيا وراء تحقيق ما هو ممكن ومتاح من الأرباح ، دون اعتبار للقدرة الشرائية للمواطنين التي بلغت من التدهور "عثيا"؛ ما يحدث في أسواق ومحلات الدواجن وباقي المواد الاستهلاكية من ارتفاعات مهولة في الأسعار، هو في مجمله، مرآة عاكسة لمجتمع بات يعيش أزمة مواطنة وقيم وأخلاق، تراجعت فيه قيم ومبادئ المسؤولية والتضامن والتعاون والتعاضد والشفافية والثقة والمصداقية والخوف من الله، وحلت محلها ممارسات وضيعة ما أنزل الله بها من سلطان، من قبيل "الجشع" و"الطمع" و"الاحتكار"، و"الغش" و"التلاعب" و"الأنانية المفرطة"، وهذه الممارسات وغيرها، تتعمق بؤرها في ظل ما يعتري المشهد، من ثغرات وفراغات على مستوى الرقابة والضبط والعقاب، لتساهم بشكل مباشر في تهديد السلم الاجتماعي، والإجهاز على القدرات الشرائية للمواطنين، وتكريس الإحساس باليأس والإحباط وانسداد الأفق في أوساط شرائح واسعة من المواطنين؛ ماهو واضح وثابت للعيان، أن المواطنين خاصة من الطبقة المتوسطة والفقيرة، بات من الصعب عليهم، الوصول إلى الدجاج الأبيض، وحتى إذا ما وصلوا إليه، فلن يكون ذلك، إلا بشق الأنفس، ولسان حالهم يقول" مكره أخاك لا بطل"، بعدما أقفلت في وجههم بدرجات ومستويات مختلفة، بوابة الولوج الآمن والسلس إلى اللحوم الحمراء والأسماك عدا السردين الذي لم يسلم بدوره من عبث "غول" الغلاء، الذي عاث في معيش الكثير من الأسر المغربية، ألما وقسوة وهلعا؛ وفي هذا الإطار، لا ندعي أن جائحة الغلاء المستشري، ترتبط فقط، بممارسات "الجشع" وما فوقه وما تحته من تصرفات حقيرة، بل تتداخل فيها عوامل أخرى، تسائل الإنتاج الفلاحي الوطني ومدى قدرته على الاستجابة لحاجيات السوق الوطنية، كما تسائل التوجهات والاختيارات الفلاحية القائمة، والتي تحتاج إلى تصحيح المسار في إطار رؤية متبصرة، تراعي ضرورات بلوغ مرمى "السيادة الغذائية الوطنية"، بما يضمن تأمين القوت اليومي للمغاربة من الحبوب والقطاني والخضر والفواكه والأسماك واللحوم وغيرها من المواد الاستهلاكية الأساسية، والحرص على ديمومة السلم الاجتماعي واستمرارية تجانس وتماسك الجبهة الداخلية؛ التي بدونها، يصعب كسب رهانات التنمية الشاملة، وربح النزالات الدبلوماسية ذات الصلة بالوحدة الترابية للمملكة؛ مع ضرورة الإشارة، إلى أن المواطنين ذاتهم، يتحملون هوامش من المسؤولية، بصمتهم وترددهم وتقاعسهم وتواكلهم وأنانيتهم، وافتقادهم إلى كفاية "التعاضد" وقدرة "النضال المشترك"؛ وفي ظل هذا السياق الاجتماعي الصعب، فالحكومة "الاجتماعية"، تتواجد في صلب امتحان اجتماعي عسير وشاق، يتيح الإمكانية لاختبار مدى "هويتها الاجتماعية"، وهي مطالبة من باب الاستعجال، بالخروج من منطقة التردد أو الانتظار أو ترقب هبوط وشيك لطائرة الأسعار، والإفراج عن حلول واقعية وناجعة، قادرة على إنقاد القدرة الشرائية للمواطنين من انهيار وشيك، وهذه الحلول لابد أن تمر أولا، عبر الخروج إلى العالم القروي، وفتح حوار فعال مع الطبقة الفلاحية المتوسطة والصغيرة، والإنصات إلى مشاكلها وإشراكها في الخطط القادرة على تحسين الإنتاج والرفع من المردودية، بما يسمح بتلبية حاجيات ومتطلبات السوق الوطني، وتمر ثانيا، عبر البحث عن السبل الممكنة القادرة على التصدي للمضاربين والمحتكرين وتجار المآسي، والعابثين والفاسدين والمتربصين بالمال العام، والوضوح مع المواطنين، والتواصل معهم بخطاب الصراحة والمصداقية والاحترام، بعيدا عن لغة الخشب، أو منهج الاستقواء والاستفزاز، أو أسلوب المراوغة والمهادنة ترقبا لزوال العاصفة؛ وبما أن الظرفية الاجتماعية الصعبة، تتزامن وحلقات الحوار الاجتماعي، فنرى أنها فرصة سانحة بالنسبة للحكومة، لتمضي في اتجاه إقرار زيادة عامة في الأجور، لزرع الثقة واسترجاع الأمل المفقود وامتصاص الغضب المستشري، على بعد أيام من عيد الشغل، غير هذا، سترسب -الحكومة- في امتحان الحوار الاجتماعي، دون أن يكون لها الحق في اجتياز "الرطراباج"، بكل ما لذلك، من فاتورة سياسية واجتماعية وتنموية ثقيلة ...، على أمل أن يتم افتكاك المواطنين البسطاء والضعفاء والغلابى والمقهورين، من مخالب "دجاجستان" و"بطاطستان" و"لحومستان" و"أسماكستان" و"قطانيستان" و"زيتستان" و"قمحستان"، والقائمة طويلة وعريضة...، فقد بلغ سيل القسوة "الزبى"، وجيوب المواطنين لم تعد تتحمل قسوة "أسعاريستان "...