مجلس الشيوخ في البراغواي يدعم سيادة المغرب على صحرائه    رسائل عيد الاستقلال    مخاوف حول سلامة علب التونة في السوق المغربية بعد تقارير دولية عن التلوث بالزئبق    حزب الله يؤكد مقتل محمد عفيف    الركراكي يختتم استعدادات المنتخب    "أشبال U17" يتعادلون مع التونسيين    الملعب الكبير للحسيمة .. افتتاح ببعد قاري إفريقي    اختفاء شخصين خلال "رحلة سياحية جبلية" يستنفر السلطات المغربية    مجلس الشيوخ الباراغواياني يؤكد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    4 مؤشرات دولية ومحلية تؤكد أن ملف الصحراء اقترب من الحسم    نفق جبل طارق.. حلم الربط بين إفريقيا وأوروبا يصبح حقيقة    داخل قنصلية المغرب بنيويورك.. ياسين عدنان يتحدث عن الغنى الثقافي للمملكة    أسعار اللحوم البيضاء تعود للارتفاع بالمغرب    توقعات أحوال الطقس ليوم الإثنين    مسؤول إسباني.. تدخل الفرق المغربية أحدث فارقا كبيرا في جهود الإغاثة بفالنسيا    فيضانات إسبانيا.. الجهاز اللوجستي المغربي "ساهم بشكل كبير" في ترميم البنية التحتية المتضررة (مسؤول إسباني)    قائمة أسماء الشخصيات التي اختارها ترامب لتتولّى مناصب في إدارته    الدرهم يرتفع مقابل الأورو على خلفية ارتفاع ملحوظ للتداول البنكي وفقا لبنك المغرب    العصبة تُحدد موعد "ديربي البيضاء"    التفاوض حول مشروع القانون التنظيمي للإضراب يقسم النقابات في المغرب    فى الذكرى 21 لرحيل محمّد شكري.. مُحاوراتٌ استرجاعيّة ومُحادثاتٌ استكناهيّة مع صَاحِبِ "الخُبزالحَافي"    خاتمة العلوي تعود ب"شدة وتزول" بعد سنوات من الاعتزال    دنماركية تفوز بمسابقة "ملكة جمال الكون" 2024    عدد مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة يبلغ 171 مرفقا    مصرع طفل في تطوان جراء ابتلاعه "كيسا بلاستيكيا"    المنتخب المغربي يعزز خياراته الهجومية بعودة سفيان رحيمي    تجار القرب يعلنون تكتلهم لمواجهة توغل الشركات الكبرى بالأحياء السكنية    قلة الأطباء والأَسرّة وطول المواعيد.. وزير الصحة يؤكد أن خدمات الطب النفسي بالمغرب تبقى أقل من المطلوب    دراسة علمية: فيتامين "د" يقلل ضغط الدم لدى مرضى السمنة    حقوقيون يستنكرون استمرار تعليق رواتب 18 أستاذا رغم الأحكام القضائية    احباط تهريب 188 ألف قرص مهلوس بميناء طنجة المتوسط    موعد مباراة المغرب ضد ليسوتو بالتصفيات الأفريقية والقنوات الناقلة    المغرب يطلق أول مصنع لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية باستثمار 1.3 مليار دولار    بعد الانتصار على الغابون.. المنتخب المغربي يضيف لرصيده 5 نقاط ويقترب من المركز 12 عالميا    جوليا نشيوات.. من ضابطة استخبارات إلى مستشارة للأمن الداخلي في إدارة ترامب    التهراوي: هامش ربح الصيدلي والموزع محدد أساسي لأسعار الأدوية في المغرب    لفتيت يدعو لمواجهة فوضى وتجاوزات وتدني خدمات سيارات الأجرة على خلفية وضع نهج جديد    إطلاق قنبلتين ضوئيتين قرب منزل نتانياهو    الولايات المتحدة.. تعيين كريس رايت وزيرا للطاقة في إدارة ترامب الجديدة    صراعات عائلة السيوفي في الدراما الجديدة المُثيرة "نقطة سودة" يومياً عبر شاشة "5MBC"    "ذا تيليغراف": المغرب الوجهة السياحية الأولى في إفريقيا لعام 2024    عمور و السعدي يقصان شريط النسخة السابعة لمهرجان الزربية الواوزكيتية        مقتل 65 فلسطينيا في قصف إسرائيلي    بيع هيكل ديناصور عملاق بستة ملايين يورو قرب باريس    مراهقون يعبثون بالأمن الطرقي بواسطة دراجات نارية مستأجرة في شوارع طنجة    جمعية فنون تقدم أحدث إعمالها الفنية و التراثية أغنية " لالة منانة" من أداء المجموعة الموسيقية لأكاديمية ميزينوكس    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    تعهدات في مؤتمر وزاري في جدة بمقاومة مضادات الميكروبات بحلول عام 2030 (فيديو)    جائزة المغرب للشباب تحتفي بالتميز    حشرات في غيبوبة .. "فطر شرير" يسيطر على الذباب    دراسة تكشف العلاقة بين الحر وأمراض القلب    "باحة الاستراحة".. برنامج كوميدي يجمع بين الضحك والتوعية    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هروب جماعي
نشر في هسبريس يوم 01 - 05 - 2021

ما حدث في الفنيدق من هروب جماعي لعشرات من الشباب عبر السباحة بحرا في اتجاه مدينة سبتة المحتلة، هو حدث قد نتفق معه أو نختلف، وقد ندينه كما قد نحاول أن نجد ما يبرره، لكنه في جميع الحالات يحمل رسالة واضحة المضامين، تعكس حجم اليأس ودرجة الإحباط وانسداد الأفق في مدن وأقاليم الشمال، التي تضررت أوضاعها التجارية والسياحية وأحوالها المعيشية بعد إغلاق السلطات لمعبري مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، لأسباب وقائية واحترازية مرتبطة بالأزمة الوبائية القائمة منذ ما يزيد عن السنة، دون تقديم البديل أو البدائل الضرورية والناجعة، مما أزم الأوضاع الاجتماعية والمعيشية لشرائح واسعة من المواطنين الذين ارتبطت دورة حياتهم المعيشية بالتهريب المعيشي، خاصة مع استمرارية بعض القيود ذات الصلة بحالة الطوارئ الصحية.
ما حدث من هروب جماعي في اتجاه مدينة سبتة المحتلة، شئنا أم أبينا، هو حدث يمس بصورة البلد في محيطه الإقليمي والدولي، ويبخس ما بذل ويبذل طيلة عقدين من الزمن من مجهودات إصلاحية ذات أبعاد تنموية جديرة بالاعتراف والتقدير، ويمس بالأمن الاجتماعي وبمناخ الأعمال، ويشوش على المكاسب التي تحققت في إطار قضية الوحدة الترابية للمملكة، وقبل هذا وذاك يمنح الفرص لأعداء الوطن من الحاقدين والمتربصين مساحات رحبة للركوب على ما حصل، واستثمار معطياته لتغذية عقيدة العداء الأبدي.
ما حدث يسائل السياسات العمومية في أبعادها المجالية والتنموية، التي لم تستطع تخليص المنطقة من كابوس التهريب المعيشي المزعج الذي ظل ولسنوات، الدينامو المحرك للعجلة الاجتماعية والمعيشية في مدن وأقاليم الشمال وخاصة الفنيدق وتطوان بالنسبة لمعبر باب سبتة والناظور وبني أنصار بالنسبة لمعبر باب مليلية، كما يسائل السلطات المعنية بتدبير الشأن المحلي والجهوي باعتبارها الأقرب إلى المواطنين ومشاكلهم وانتظاراتهم وتطلعاتهم، وبين هذا وذاك، يسائل الأحزاب السياسية بكل أطيافها، والتي ذابت في هيام الانتخابات والوعود الانتخابية المعسولة، واستسلمت أمام سلطة ما تجود به السياسية من مكاسب ومناصب، في حقل سياسي ذاب فيه جليد المواطنة وما يرتبط بها من مسؤولية والتزام، بعيدا كل البعد عن سيف المحاسبة.
ما حدث يقتضي تدخلا استعجاليا، ليس من باب وضع الأصابع عند ظروف وملابسات هذا الهروب الجماعي، لأن الأسباب بادية للعيان ولا يمكن إخفاء شمسها بالغربال، ولكن من أجل تقديم الحلول الناجعة التي من شأنها احتواء كل الظروف المكرسة لليأس والإحباط خاصة في أوساط الشباب، والدافعة نحو الهروب من الوطن ولو تطلب ذلك مجابهة الموت والهلاك كما حدث في واقعة الفنيدق، وحتى لا نختزل الحكاية في حدود مدن وأقاليم الشمال، نرى أن الأزمة الاجتماعية تحضر في كل المدن والمناطق والجهات بأشكال ومستويات مختلفة، بشكل يقوي الإحساس باليأس والإحباط وانسداد الأفق وانعدام الكرامة والعدالة الاجتماعية، وهي أزمة بدون شك تعمقت بؤرتها بفعل تداعيات جائحة كورونا التي ما زالت تفرض سلطتها على البلاد والعباد.
وتجاوز هذه الأوضاع المقلقة، يمر أولا عبر إشهار "سيف" ربط المسؤولية بالمحاسبة وتعقب الفاسدين والعابثين والحد من كل أشكال الريع واستنزاف المال العام، ويمر ثانيا عبر بوابة الأحزاب السياسية التي أسست طيلة سنوات لمفهوم للسياسة مرادفا للفساد والعبث والريع والكراسي والمناصب، لم ينتج إلا النفور والعزوف وفقدان الثقة في العمل السياسي، وهي مطالبة اليوم بالارتقاء بمستوى ممارساتها وتحمل مسؤولياتها في التأطير المجتمعي وإعداد الكفاءات القادرة على الإصغاء إلى نبض المجتمع وإحداث التغيير المأمول، وإذا كنا نعول اليوم على "النموذج التنموي المرتقب" لإعطاء نفس جديد للتنمية الاقتصادية والبشرية، فنرى أن التنمية بكل أبعادها ومستوياتها لا يمكن إدراكها، إلا في ظل مسؤولين مواطنين لا تستهويهم كراس ولا مناصب ولا ريع ولا تسلق الدرجات، إلا خدمة الوطن، وفي خدمة الوطن خدمة للمواطن واستجابة لانتظاراته وتطلعاته، في إطار "ربط المسؤولية بالمحاسبة".
وما دمنا في سنة انتخابية، فلا يمكن إلا نحمل المسؤولية للأحزاب السياسية التي تطل علينا كل انتخابات بنفس الوجوه وببرامج انتخابية تكاد تكون نسخة طبق الأصل، وعينها منصبة على ما ستجود به الانتخابات القادمة من مقاعد وكراس ومكاسب، بدل أن تكون حاملة لبرامج ومشاريع قادرة على الارتقاء بمستوى عيش المواطن، وهذا المواطن بدوره، يتحمل مستويات من المسؤولية، لأنه هو من يمتلك سلطة التصويت والاختيار، وأية إساءة في استعمال هذه السلطة، لن تكون إلا تكريسا لواقع العبث والانحطاط السياسي، وحرمانا للوطن من أية فرصة للنهوض والارتقاء.
ومجمل القول، فما حدث في الفنيدق من مأساة، وما يحدث هنا وهناك من احتجاجات ومطالب شعبية بالحق في الشغل والكرامة والعدالة الاجتماعية، هو مرآة عاكسة لمغرب يتحرك بسرعتين مختلفتين تماما: مغرب البراق وطنجة المتوسط والبنيات الصناعية والأوراش التنموية والبنيات التحتية الكبرى والإشعاع الدولي والحضور الوازن في إفريقيا والقوة الأمنية والاستخباراتية الناجعة من جهة، ومغرب الهروب الجماعي والإقصاء الاجتماعي والتواضع السياسي والأخلاقي والقيمي والاحتجاج والاحتقان من جهة ثانية، ولا مناص من ضبط السرعة وتوحيد الإيقاع بشكل يسمح بتحرك عجلة التنمية في الشمال كما في الجنوب وفي الشرق كما في الغرب، في إطار من المواطنة الحقة والالتزام والتضحية والوفاء للقيم والثوابت الوطنية المشتركة.
وبقدر ما نثمن وننوه بما تحقق ويتحقق من منجزات ومشاريع تنموية طموحة ورائدة، بقدر ما نتطلع إلى إدراك مغرب أنيق يتحرك بسرعة البراق، وإدراك ذلك، يمر قطعا عبر استئصال شوكة كل من يعيق الحركة ويفرمل السرعة ويحدث الارتباك وينتج التفاهة والعبث والانحطاط... فاتقوا الله في الوطن، فيكفي قولا إن الأعداء المتربصين بنا كثر، ومواجهتهم تقتضي أن نرفع من جرعات المواطنة والالتزام والإخلاص والانضباط... أن نزرع بذور الأمل والحياة في طريق شبابنا وناشئتنا، حتى لا ينفروا من حضن الوطن ويفروا هاربين يائسين، بحثا عن أحضان أخرى لن تعوض إطلاقا أحضان وتراب ونسمات الوطن... فعشت يا وطن .. ولا عاش من خانك وعاداك..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.