في الأسبوع الماضي، إهتمت الصحف المصرية، بإدعاء نشر على لسان أحد كبار الحاخامات في إسرائيل، حول أسباب وفاة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وكيف أنه توفى من خلال سحر أسود قام به ثلاثة من اليهود المتصوفين أدى إلى وفاته. "" من بين تلك الصحف كانت صحيفة "المصري اليوم" التي تناولت الموضوع بإهتمام بالغ، حيث قالت أن الغموض يحيط بأسباب وفاة الرئيس جمال عبدالناصر فى الثامن والعشرين من سبتمبر 1970، وقد عرض بعض المقربين من الزعيم الراحل سيناريوهات مختلفة ترجح اغتياله، وتشير إلى طبيبه الخاص، وعملاء روس، بل إلى قيادات فى النظام المصرى الحاكم آنذاك، وإن كانت معظم هذه السيناريوهات تتفق على توجيه أصابع الاتهام نحو أجهزة مخابرات أجنبية يأتي فى مقدمتها الموساد، ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية. وقالت أن أحدث الروايات حول وفاة رئيس مصر الراحل، وأغربها، يلقى بالتهمة على أشخاص لم ولن يخطروا على بال شخص عاقل، إنهم رجال الدين اليهود الذين يزعمون مسؤوليتهم عن اغتيال عبدالناصر بعد الاستعانة بقوى غيبية، ومهارات خاصة فى الشعوذة والسحر الأسود. وبهذه الطريقة هيأت الصحيفة المتلقي لتصديق الرواية، التي لم يكن هناك داع للإلتفات إليها من الأساس لأنها بذلك ستحقق الغرض من تسريبها في إسرائيل، وإن كان التسريب في البداية تم على نطاق محدود وفي موقع للقابالاه (التصوف اليهودي) لا يعرفه الكثيرون، وكان من الصعب أن يصل إلى المتلقي العربي، هذا قبل أن تنشره الصحف المصرية، لافته بذلك إنتباه الصحف الرسمية الإسرائيلية التي نقلت ما نشرته الصحف المصرية وحولته إلى مادة جادة تعكس مخاوف المصريين، وهو ما سيتضح في السطور القادمة. وعموما، تحدثت الصحيفة المصرية ومن ورائها عشرات الصحف والمواقع العربية والمصرية، عن المشاهد المصورة التي يتحدث فيها الحاخام بنياهو شموئيلي، رئيس الأكاديمية التلمودية العليا بالقدسالمحتلة، بمسؤولية ثلاثة حاخامات عن تصفية عبدالناصر عام 1970. والحاخامات الثلاثة هم إسحق كدورى، وشاؤول داوود حي معلم، ويوسف زاروق، وينتمون جميعا لحركة القبالاه (التصوف اليهودى) المشهورة بإتقان أعمال السحر الأسود والدجل والشعوذة. وروت كيف يبدأ بتقرير مصور عن عبدالناصر، والذعر الذى كان يسببه لإسرائيل بسبب مواقفه السياسية اعتبارا من سنة 1956، وحتى وفاته وكيف كان مسؤولا عن تحريك رتل من الدبابات العراقية والجنود الكويتيين والجزائريين والسعوديين نحو حدود إسرائيل. ويتحدث الحاخام شموئيلي، عن كيفية اغتال ثلاثة حاخامات بقيادة كبير المتصوفين اليهود الحاخام (إسحق كدورى) الرئيس جمال عبدالناصر، حيث اجتمع ثلاثة حاخامات متبحرون فى العلوم الدينية اليهودية، وتشاور الحاخامات الثلاثة فيما بينهم لاغتيال عبدالناصر، لكن شاؤول دافيد معلم هو الذى قام بالمهمة الأساسية، فقد أحضر كبد حيوان، وقلبه ورئته، وقرر الثلاثة قتل عبدالناصر عقابا له على الكوارث التى حلت بإسرائيل نتيجة مواقفه السياسية. واتفق الثلاثة على استخدام أسماء الجلالة اليهودية الواردة فى مخطوط ديني قديم، نسخه الحاخام حاييم فيتال تلميذ الحاخام اسحق لوريا مؤسس القبالاه المتوفي فى القرن السادس عشر، وبعد مناقشات كثيرة، اتفقوا على كتابة الأسماء القدسية على الكبد، لاستخدامه فى قتل عبدالناصر. ويقول أنه فجأة هبطت عليهم ملائكة من السماء ودق هاتف فى أذني الحاخام "شاؤول داود حى معلم"، وقال له لا تفعل هذا الأمر، إياك واستخدام أسماء رب العزة، فقال الحاخام "حسنا، لن أستخدم الأسماء المقدسة، لكن عليكم أن تقوموا بهذه المهمة، فليمت عبدالناصر، ويختفى اسمه من سجل الأحياء". وأخذ الحاخام شاؤول دافيد، والحاخام إسحق كدورى مائة مسمار صلب، وشرعوا يغرسونها فى قلب الحيوان، وكانوا يرددون بعض الكلمات المبهمة مع كل مسمار يغرسونه فى هذا القلب، وفى النهاية وضعوا القلب على موقد طبخ لمدة ثلاثة أيام، حتى تفحم تماما، وصار أسود اللون ولا يمكن التعرف عليه، وبعد ذلك دفنوه، وأعلنوا لتلاميذهم أن عبدالناصر مات. من جانب آخر نشرت صحيفة "معاريف" أمس تقرير تحت عنوان (اللعنة السرية التي ألقاها المتصوفون على ناصر) قالت فيه أن هناك حالة من الغضب في مصر، بعد أن إكتشفوا أن ثلاثة حاخامات من بينهم الحاخام "كدوري" قاموا بعمل لعنة ضد رئيسهم السابق، الذي مات بعدها بفترة قصيرة. وأضافت أن أحد الطقوس التي قام بها ثلاثة حاخامات متصوفون من القدس قبل 38 سنة، أثارت غضب المصريين بعد أن إكتشفوا أن ناصر مات بعد أن أصيب بلعنة سرية، وأن الأمر تسرب من خلال مشاهد فيديو تحدث خلالها الحاخام "بنيهو شيمويلي" وكشف عن الأمر، كما نقلت الصحيفة الإسرائيلية ما أوردته الصحيفة المصرية بالنص، لتجعل الموضوع وكأنه بالفعل يشغل الرأي العام المصري!. وبصفة عامة، تنشر مثل هذه الموضوعات في عشرات المواقع الإلكترونية الخاصة بما يطلق عليه "القابالاة" أو التصوف، وهناك الآلاف من الخرافات التي تنشرها مثل هذه المواقع عن النبؤات والخلاص والتوقعات وتفسير الأحلام، وتطرق حتى للأوضاع الحالية على سبيل المثال أن مصير أولمرت سيكون غيبوبة على غرار شارون، وأنه بوفاة صدام حسين بدأ الخلاص اليهودي ويتتبعون تطوراته، وهكذا. ومن الصعب الإلتفات إلى تلك المواضيع وتضخيمها كما فعلت الصحيفة المصرية، ودفعت الصحيفة الإسرائيلية إلى الإقتباس منها فصنعت موضوعا من لا شئ، وحققت الغرض من تلك الخرافات التي تنشرها مواقع التصوف العبرية، وهي أن نسبة من القراء العرب قد يصدقون تلك الخرافات، وهو ما قد يحدث حالة من البلبلة. والحقيقة أنه من السهل أن يطلق شخص ما مزاعم بعد وقوع الحدث، بدون تقديم دليل واحد عليها، فمثلا كان الحاخام "عوفاديا يوسيف" قد قال في أعقاب خطة الإنسحاب من غزة التي نفذها شارون وفي أعقاب كارثة "تسونامي" في شرق أسيا، أن الكارثة وقعت بسبب تأييد العالم لخطة الإنسحاب من غزة، ولو كان لديه ذرة واحدة من الصدق لكان قد أطلق تصرحيه قبل كارثة تسونامي وليس بعدها، وهكذا بالنسبة لعبد الناصر، فالرجل توفى منذ سنوات، ومن السهل أن يخرج أحد المخبولين عقليا ليضع مثل هذه المزاعم.