قد يستغرب البعض من مضمون هذا المقال الذي يحاول أن يسلط الضوء على الواقع المرير الذي يعيشه أساتذة اللغة العربية والثقافة المغربية بالخارج وكأن المعاناة والنضال من اجل تحسين الظروف المادية لرجل التعليم قدر لازم لمن اختار مهنة الرسل والأنبياء . "" ووجه الاستغراب له ما يبرره إذ أن الاعتقاد السائد والانطباع الشائع عند فئات عريضة من المجتمع أن رجال التعليم الملحقين لدى مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة القاطنين بالخارج أو رهن إشارتها يعيشون في بحبوحة من العيش وينعمون بتواجدهم بكبريات العواصم الأوروبية كباريس وبروكسيل ومدريد.. وهل تخيل احدهم في مهنة الطباشير أن تطأ قدماه يوما الاليزيه أو أن يلج قصر فرساي أو متحف اللوفر..! وهو الذي ما فتئ منذ تخرجه من مركز التكوين في ريعان شبابه ينتقل من فرعية إلى أخرى حاملا معه هم المواصلات” الخطافة” و الاكتظاظ والوسائل وغيرها. والحق أقول انه بعد نجاحي في مباراة لانتقاء نخبة من أجود الأساتذة لتدريس أبناء الجالية المغربية المقيمة بالخارج ،اجتاحتني فرحة عامرة زاد من توهجها الاستقبال الذي خصنا به وزير التربية الوطنية السابق السيد الحبيب المالكي والكاتب العام لمؤسسة الحسن الثاني السيد عمر عزيمان اللذان مدانا بجملة من التوجيهات عملت على شحذ الهمم والتطلع إلى الغد بالكثير من التفاؤل ، واعتبرنا السيد عزيمان السفراء الحقيقيين للمملكة الشريفة لاحتكاكنا المباشر بالجالية سواء في المدارس أو المساجد أو الجمعيات وغيرها !!!!إلا أن شهورا قليلة، لا بل أسابيع بعد وصولنا إلى فرنسا كانت كافية ليتبخر حلم الالدورادو ويتلاشى . نعم، فطبيعة العمل تختلف جذريا عن المغرب و حتى المشاكل، إذ يضطر الأستاذ إلى التنقل بين المدارس والمدن المختلفة، صحيح ان الغلاف الزمني الأسبوعي اقل مما كان بالمغرب لكن حينما تضيف إلى ساعات العمل أمام التلاميذ حوالي 18 ساعة في الأسبوع ما تقضيه أمام مقود سيارتك ذهابا وإيابا إلى المدارس والمساجد المختلفة يتجاوز الغلاف الزمني احيانا23 ساعة في الأسبوع وإذا ما حصل عطب بسيارتك القديمة غالبا فهل ستقدم للمسؤولين شهادة طبية أم شهادة ميكانيكية. للإشارة فنفقات التنقل تتم على حساب الأستاذ ولا يتقاضى أي تعويض على ذلك إلا أن هذا ليس هو المشكل الأهم أو الوحيد. إن أصعب ما يصطدم به رجل التعليم هنا هو هذا الراتب الهزيل(بالنظر لواقع المعيشة بأوروبا) الذي يتقاضاه على رأس كل شهر أو على رأس كل شهر ونصف فأحيانا لا نستلم رواتبا إلا في10 أو 12 من الشهر الجديد خصوصا في شهري شتنبر و يناير، إذ أمام معضلة الكراء الذي ينهب نصف الراتب تقريبا ومصاريف البيت والأولاد والسيارة والهاتف ... و غيرها اقسم لكم أن العديد من زملائي يكملون الشهر بالكريدي وإذا أضفنا إلى كل هذا أن الترقيات في السلالم والأجور مجمدة منذ إلحاقنا بالمؤسسة حيث لم يزداد هذا الراتب سنتيما واحدا وفي غياب إطارات نقابية يمكن أن تدافع على هذه الفئة المعول عليه هو حسن نية الإدارة تجاهنا وإذا تكلمت مع اي مسؤول يجيبك بالجملة المشهورة” اتحمل مسؤوليتك” أو “اذا ما اعجبك حال ارجع بحالك حتى واحد ما بزز عليك." كيف أعود و انا اعلم ان الصندوق الوطني للتقاعد لم تدفع مستحقاته منذ سنوات و حينما أسال يجيبوني نحن نعلم بالوضعية..; حينما تتحسن ميزانية المؤسسة سنسدد المستحقات التي في ذمتنا. ثم كيف السبيل لنيل مستحقات الترقية في السلالم والرتب والتي تجاوزت عند بعض زملائي18 مليون سنتيم،ولايلوح في الأفق القريب ان المؤسسة بصدد تسوية هده القضية. كانت هذه معاشر قراء هسبريس المحترمين ملامح عن طبيعة عمل و حياة رجال تعليم اللغة العربية والثقافة المغربية في بلاد المهجر وربما يلاحظ البعض أنني ركزت في هذا المقال على المعاناة المادية والاجتماعية لهذه الفئة وواقع الحال انه حتى الأمور البيداغوجية التي تتعلق بهذا التعليم تحتاج إلى تقويم و إعادة النظر لكن على الأقل في هذه النقطة ورغم الاكراهات السالف ذكرها نجد الاجتهادات المتواصلة للسادة الأساتذة والمفتشين والتي تستحق التنويه صراحة، خاصة عندما نجد مشاريع تربوية ونماذج لمقررات تعليمية تصدر من هنا وهناك تواكب المستجدات التربوية وتعمل على زيادة إشعاع المغرب في قلوب أبنائه وفي فضاءات هذا العالم الغربي . * أستاذ ملحق بفرنسا