جاء في تعليل تبني طرح تعديل تسمية قانون خطة العدالة، بتسمية "قانون مهنة العدول" بمسودة المشروع أن التسمية جاءت بناء على معيار الجهة الممارسة أي "العدول"، على غرار "القانون المنظم لمهنة المحاماة"، إلا أن هذا المعيار يبقى انتقائيا في طرحه، بدليل أن هذا التعليل يجب أن يسري على مهنة الموثقين أيضا، أي أن يتم تسمية قانونهم "بالقانون المنظم للموثقين"، حسب هذا المعيار المعتمد من طرف الوزارة الوصية، وليس اسم "قانون التوثيق"، لأن كلمة التوثيق عبارة عامة وشاملة، علما أن كل عدل هو موثق، وليس كل موثق عدل، ودون الخوض في التعريف اللغوي والاصطلاحي، وضرورة ضبطه تشريعيا وفق ضوابط الصياغة اللغوية المعتمدة من أهل التخصص، لا بد من الإشارة إلى اللقاء التواصلي الذي نظم أخيرا بين الأمانة العامة للحكومة ولجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، حول موضوع: "صياغة القانون في التشريع المغربي بين الإعداد والتطبيق"، بالرباط في تاريخ 28 فبراير 2023، والذي خلص إلى مجموعة من التوصيات منها "إيلاء الأهمية القصوى لمرحلة تصور وإعداد النصوص القانونية"، وفي ضوء هذه التوصية الهامة، والاختصاصات المخولة للأمانة العامة للحكومة في هذا الباب، نطرح السؤال التالي، هل بالفعل القطاع الوصي أولى أهمية كبرى لهذه المرحلة بإشراكه للمعنيين بالنص التشريعي؟ تجدر الإشارة إلى أن "مسودة مشروع قانون مهنة العدول"، قد أحيلت على الأمانة العامة في إطار مسطرة التشريع و(التسريع...). هذه الإحالة تطرح العديد من الأسئلة الموضوعية، حول مرحلة إعداد النصوص التشريعية عامة، وقانون خطة العدالة خاصة، وتنويرا للرأي العام أولا، وإشعارا أيضا للأمانة العامة للحكومة ومن خلالها لكافة المتدخلين في عملية التشريع سواء تعلق الأمر بالحكومة أو البرلمان، ندلي ببعض الملاحظات حول مرحلة الإعداد لهذه المسودة والتي لا محالة أنها ستؤثر سلبا على جودة وعدالة هذا النص التشريعي، تستدعي أخذها بعين الاعتبار أثناء ممارسة هذه الجهات لمهامها الدستورية والقانونية، وهي تتمحور أساسا حول التأكد من مدى مطابقة النصوص المقترحة مع دستور 2011 والاتفاقيات الدولية، وتوصيات إصلاح منظومة العدالة.. أولا: بخصوص مبدأ التشاركية في إعداد هذا النص التشريعي ظل غائبا من طرف الوزارة الوصية مع باقي المكونات الموازية لهيئة العدول، فالنقابة الوطنية للعدول المنضوية تحت لواء الاتحاد العام للشغالين بالمغرب مثلا، وجمعية العدول الشباب، وجمعية المرأة العدل تم إقصاؤهم كليا من الحوار الذي فتحه القطاع الوصي مع المعنيين بالنص، فهل هذه الأجهزة الموازية المعترف بمكانتها الدستورية على الأقل كمكون من مكونات المجتمع المدني لا تستحق الإشراك والمساهمة في إعداد النص، ولو على سبيل الاستئناس كقوة اقتراحية بهدف تجويده؟ فبدل توسيع دائرة المقاربة التشاركية، ظل الحوار محصورا في جهاز واحد من أجهزة الهيئة "المكتب التنفيذي لهيئة العدول" لغرض في نفس يعقوب، والذي بدوره استفرد كليا بالحوار المغلق ولم يشرك بدوره باقي مكونات الهيئة الوطنية للعدول أثناء الحوار مع الوزارة الوصية، بل إنه تغول في هذا الاستفراد حيث لم يكلف نفسه عناء عرض هذه المسودة على الجمعية العامة التي تعتبر أعلى جهاز تقريري يحدد التوجهات الكبرى داخل الهيئة الوطنية للعدول، طبقا للمادة 59 والمادة 60 من قانون خطة العدالة، فيكون بذلك قد تجاوز بدوره أعلى جهاز تقريري داخل الهيئة الوطنية للعدول، فضلا عن تغييب تام لمقاربة النوع أثناء عملية الإعداد.... ثانيا: تغييب طلب آراء المؤسسات الدستورية المختصة، والتي وجدت للاطلاع بأدوارها الدستورية، مؤسسة الوسيط، المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مجلس المنافسة، على سبيل المثال لا الحصر، خاصة أن رئيس مؤسسة الوسيط نبه في مداخلته بإحدى الندوات المنظمة أخيرا في 10 مارس 2023 بالرباط، في هذا الإطار الى مجموعة من النقط في غاية الأهمية، ومنها أنه يجب أن لا ينظر إلى الإصلاح من "زاوية أنه مشروع فئوي" بل يجب استحضار حقوق المواطنين وجودة الخدمة المقدمة في سياق عصر الرقمنة، وتحديات الأمن التوثيقي وعلاقته المباشرة مع مناخ الاستثمار والعقار وغيرها من التحديات...، والمصلحة الفضلى للاقتصاد الوطني. ثالثا: توظيف رأي المجلس العلمي الأعلى بشكل فضفاض وغامض وغير شفاف، لتبرير رفض المطالب الأساسية ومنها استمرار خطاب القاضي المكلف بالتوثيق على الشكل الموجود به حاليا، مع تغييرات طفيفة...، دون مراعاة للمستجدات الدستورية والتطورات التي يعرفها العالم، وكأننا نشرع لمرحلة ما قبل دستور 2011، فمبدأ التشاركية الفعلي يقتضي الاطلاع على هذا الرأي أو الفتوى من طرف الجهة المعنية بالنص "العدول"، وكذلك الأمانة العامة للحكومة التي يلزمها أيضا الاطلاع عليه، والوقوف على شكلياته، وضوابطه، وحيثياته، وسياقه...، ومناقشته فقهيا وعلميا...، كما هو الشأن بالنسبة لباقي النصوص، مدونة الأسرة على سبيل المثال النقاش حولها مفتوح وبشكل شفاف وديمقراطي مع مراعاة الثوابت طبعا، للخروج بحلول تشريعية توافقية تحترم مبادئ دستور 2011 وتنتصر للمشروعية والمساواة وقواعد الإنصاف والعدالة. دون تغليب فئة على أخرى، والتحكم في أجندة الإصلاح. فهل يعقل إخفاء هذا الرأي عن الجهة المعنية به؟ ونحن ننشد التغيير والإصلاح؟ *مما يدفعنا إلى طرح السؤال التالي، لمصلحة من يتم إخفاء هذا الرأي؟ *أليس من حق العدول الاطلاع على هذا الرأي ومناقشته فقهيا وعلميا؟ أليس من حق الأمانة العامة للحكومة الاطلاع على هذا الرأي أيضا، والتأكد من مدى مطابقته للدستور في علاقته مع مطالب العدول المشروعة والجهات المنافسة لهم؟ ثم أين نحن من قانون رقم 13.31 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة، خاصة أن المعلومة لها علاقة مباشرة بمطالب مفصلية، ومؤثرة في عملية الإصلاح. رابعا: رأي مؤسسة السلطة القضائية بخصوص موضوع خطاب القاضي المكلف بالتوثيق، شأنه شأن رأي المجلس العلمي الأعلى، يجب أن ينشر ويفتح فيه نقاش دستوري حقوقي من طرف الجهات المتدخلة في عملية الإعداد وكذا عملية التشريع أيضا في ضوء الفصل الأول من دستور المملكة، "... التشاركية، الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة"، والفصل 154 أيضا وباقي الفصول ذات الصلة. خامسا: التأكد من مدى مطابقة نصوص مسودة مشروع قانون العدول مع مبادئ دستور 2011، مسؤولية دستورية، تاريخية، أخلاقية، قانونية، حقوقية، مسؤولية لها أبعاد عديدة وتشكل ضمانة دستورية مهمة ضد أي تعسف أو شطط يطال أي شريحة مجتمعية معينة وتحت أي مبرر كان، فهل يستساغ منطقا وعقلا أن تعيش هذه المهنة على تعدد أشكال الوصاية والتحجير- وصاية وزارة العدل/ووصاية السلطة القضائية ممثلة في مؤسسة القاضي المكلف بالتوثيق دون ضابط عادل ومنصف، وفق المعايير المعتمدة في إعداد النصوص التشريعية، يحدد الحقوق، والواجبات، والجزاء؟ وأخيرا وليس آخرا، نطرح السؤال التالي، هل ستتدخل الأمانة العامة للحكومة أثناء مرحلة إعداد النص، وتتصدى لبعض النصوص المتوافق عليها بين المكتب التنفيذي والقطاع الوصي في إطار تبادل المصالح، والمشتبه في عدم مطابقتها لأحكام دستور 2011؟