لم يكن الواحد منا يعتقد أن هناك من يستغل الظروف الاقتصادية الصعبة، ليركب الموجة خدمة لأغراض سياسية أو انتخابية. الجميع يُقر بوجود أزمة ارتفاع الأسعار، أكيد قد نختلف في تحديد أسبابها، ليس مفترضا أن يكون لنا رأي مشابه، فمنا من يقول بأن أزمة غلاء الأسعار هي مستوردة.. ومنا من يعتبرها بأنها محلية.. وهناك من اعتبر أن الجزء الأكبر منها مستورد.. في حين قال البعض بأن الجزء الأكبر منها محلي وهو ناتج عن ارتفاع الكلفة الداخلية لعوامل محلية وأضحى بنيويا.. وهناك من قال إن الإشكال يوجد في العرض لأنه ضعيف.. وهناك من أكد على أنها تعود بدرجة أولى إلى عوامل طبيعية، كالجفاف وموسمية المواد الفلاحية. والبعض الآخر قال في البداية كان مستوردا، ثم أضحى محليا و"تَمَغْرَبَ". تتعدد الأسباب ومسمياتها وبتلاوين مختلفة، لكن الإشكال الذي يؤرق المواطن المغربي، وبالخصوص ذلك المواطن البسيط، هو كيف نتجاوز هذه الظرفية الاستثنائية، الأمر الذي يجعل الحكومة والمعارضة، أمام تحدٍ كبير، من أجل تقديم تصور وإجابات لتجاوز هدر الزمن السياسي والتنموي، وتجاوز هذا السياق الصعب، فالبلاد اليوم بحاجة لكل قواها السياسية، لمواجهة كل التحديات، لأن الضحية هو الشعب والاقتصاد المغربي، والخاسر الأكبر هو الوطن. والحكومة والمعارضة والأغلبية وكافة الفاعلين السياسيين في سلة واحدة. وهذه ليست دعوة إلى تقويض دور المعارضة وتقزيمها، أو دعوتها بالتخلي عن دورها في ممارسة حقها الدستوري، في توجيه انتقادات بناءة للحكومة، بالعكس بلادنا في حاجة إلى معارضة قوية، وإلى ممارسة نقاش حقيقي وشامل بين الحكومة والمعارضة، من شأنه الوصول إلى إيجاد حلول واقعية، من أجل صياغة مستقبل البلاد، في ظل وضعية صعبة، بعيدا عن خطابات التأجيج والكراهية والضرب تحت الحزام، وبعيدا عن النزعة الاتهامية، وبعيدا عن كل توظيف سياسي مغرض. لكن وفي الوقت نفسه لا يجب اختزال دور المعارضة في إعادة إنتاج ثقافة النقد من أجل النقد، والإنكار، والتنكر، والرفض من أجل الرفض، والعرقلة. المشهد السياسي المغربي بحاجة إلى حوار سياسي راق، مبني على الاحترام والإصغاء المتبادل، لتخطي العقبات وتبديد الصور النمطية من أجل تعزيز الحوار بصفته جانبا أساسيا من جوانب صنع السياسات الساعية إلى معالجة الإكراهات، والمساهمة الفعالة في خلق واقع سياسي جديد مَبني على الاحترام وتعزيز الثقة بين جميع الأطراف السياسية في جو سياسي صحي يحتل فيه كل فرد موقعه باستحقاق وتناغم. حتى لا يتجرد الفاعل السياسي من مبادئه وقيمه وأخلاقه ليتحول إلى إنسان حاقد، محاولا بشتى الطرق تحويل الفعل السياسي إلى حقد سياسي، وجاعلا من هذا الحقد المؤطر الرئيسي للعملية السياسية، وهو الدافع المحفز لكل الأفعال؛ مستعملا كل الحسابات التكتيكية والمناورات من أجل "تدمير وجود خصمه السياسي"، وهذا ما يتعارض مع الأخلاق والقيم السياسية، وهنا تستحضرني قولة مارسيل موس: "يجب على الأفراد أن يعرفوا كيف يعارضون دون أن يدمروا بعضهم البعض".