يظل سعر الفائدة الرئيسي (المديري) أداة مهمة في للبنوك المركزية للتأثير على خفض زيادات الأسعار في سلة المستهلك؛ وهذا ما قامت به الولاياتالمتحدةالأمريكية وجل الدول الأوروبية وبعض دول الشرق الأوسط (المنتجة للنفط) بعدما أن تجاوز التضخم نسبة 9 في المائة. لذا، لا يمكن لبنك المغرب الابتعاد عن هذه القاعدة حيث يمكن اعتبارها إجراءً "عاديا" في مواجهة التضخم من أجل تقليص الطلب، وبالتالي ضبط العلاقة بين العرض والطلب، وبعدها خفض أثمان الأسواق. أي أن ارتفاع سعر الفائدة الرئيسي هو سياسة للتعامل مع ارتفاع القدرة الشرائية ونقص السيولة في الدورة الاقتصادية. هناك العديد من العوامل التي تسبب التضخم. لذلك، من المفيد معرفتها قبل اتخاذ أي قرار من البنوك المركزية. لا يبدو أن بنك المغرب قد تغاضى عن هذه المسألة حيث أكد في تقريره الدوري (السياسة المالية، دجنبر 2022) أن التضخم في المغرب يمكن تفسيره بأسباب داخلية وخارجية، هل رفع نسبة الفائدة الرئيسي خطوة آمنة؟ من وجهة نظر البنك المركزي يعد هذا القرار خطوة آمنة لأنها تتفق مع مهمته الرئيسية في التحكم في معدلات التضخم، وكسر دوامة التضخم (spirale inflationniste)، حيث سيتم بذلك الحد من السيولة وخفض الطلب الداخلي وبعدها ضبط ارتفاع الأسعار. لم يكن أمام بنك المغرب من خيار سوى اتخاذ هذا القرار خاصة مع ارتفاع قيمة الدولار وتكلفة الديون وضغوطات البنك الدولي. هل يتوافق هذا الإجراء مع الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للمغرب؟ لا أظن ذلك. تتمتع الولاياتالمتحدةالأمريكية بالقدرة على التأثير في السياسات الاقتصادية العالمية لأنها، من جهة، لديها الدولار كعملة عالمية مؤثرة؛ ومن جهة أخرى، تحقق نموا اقتصاديا مرتفعا، ولديها قدرة شرائية قوية وبطالة منخفضة. أما في بلد مثل المغرب، من الصعب تطبيق هذا الإجراء وانتظار أن يكون له تأثير إيجابي على الاقتصاد والمواطنين(ات)، خاصة وأن التضخم يفسر بعوامل خارجية وليس بارتفاع الطلب الداخلي. السياسة النقدية وحدها لا تكفي للخروج من الأزمة الحالية، وربما لا ينبغي لبنك المغرب تطبيق هذا القرار خلال هذه الفترة خصوصا في ظروف اجتماعية متدهورة جراء مخلفات الأزمة الوبائية، والظروف المناخية غير الملائمة (الجفاف / قلة التساقطات) وارتفاع نسبة البطالة وزيادة عدد الفقراء. كما أن الاقتصاد المغربي يعاني، إضافة إلى ضعف الطلب الخارجي، من ضعف الطلب الداخلي أي من ضعف القدرة الشرائية. ومن المفروض إذن تشجيع الطلب الداخلي (كمكون أساسي للناتج الداخلي الخام) لرفع الإنتاج وبالتالي خلق مناصب الشغل (200 ألف منصب شغل سنويا)، حتى تتمكن للحكومة من الوفاء بوعودها الانتخابية. كما سيؤثر ارتفاع نسبة الفائدة الرئيسي على بعض القطاعات مثل البناء والأشغال العمومية والحرف والسياحة مما يؤدي إلى انخفاض معدلات النمو ل2023 و2024، وهو بدوره سيؤثر على البطالة؛ وهذا يتعارض مع البرنامج الحكومي الطامح إلى الزيادة في مناصب الشغل ورفع نسبة النمو الاقتصادي وتعميم الحماية الاجتماعية!! علاوة على ذلك، فإن قرار بنك المغرب في هذه الظرفية يتعارض مع البنية الاقتصادية للمغرب التي تتسم بالتبعية، وضعف الطلب، والبطالة، واقتصاد الريع، والتبعية للأسواق الخارجية. لذا يجب الانتباه. ما العمل؟ – أولا: يجب التنسيق بين السياسة النقدية والسياسة الاقتصادية. من المستحيل مواجهة التضخم والتحديات الخارجية من خلال فقط رفع أسعار الفائدة الرئيسية. لا يمكن الفصل بين السياسة النقدية والسياسة المالية والسياسة الاقتصادية (وغيرها)، هناك تأثير متبادل في ما بينهم. أي توتر اجتماعي أو ركود اقتصادي سيكون له تأثير مباشر على هذه السياسات. – ثانيا: ضرورة دمقرطة المؤسسات وتحقيق العدالة الاجتماعية. التضخم الخارجي هو السبب المباشر للتضخم في المغرب ولا يمكن حله برفع سعر الفائدة الرئيسي. بدلا من ذلك، يجب الحد من تأثير هذه الأسباب الخارجية من خلال تدخل قوي للدولة في النشاط الاقتصادي على غرار ما حدث خلال كوفيد-19. يمكن للدولة القيام بعدة سياسات ماكرو اقتصادية مواكبة (على المدى القصير) واستراتيجية (على المدى المتوسط والطويل) للتحكم في ارتفاع الأسعار والحد من البطالة والقضاء على اقتصاد الريع الذي ينخر المجتمع اقتصاديا واجتماعيا (تسقيف أسعار المنتجات الرئيسية، وإلغاء قانون تحرير الأسعار، ودعم القدرة الشرائية للمواطن(ة)، وتخفيض تكاليف الإنتاج، والسيطرة على القطاعات الاستراتيجية (الطاقية، والفلاحية، والصناعات التحويلية والتكنولوجية)، وتوجيه الإنتاج الفلاحي نحو الاستهلاك الداخلي، وتشجيع الأنشطة الفلاحية التي تحافظ على الأمن الغذائي، ومحاربة اقتصاد الريع... إلخ). كما لا يجب أن ننسى بأن الدولة تستمد قوتها بالأساس من دمقرطة الحياة السياسية حيث تعتبر وسيلة فعالة للخروج الآمن من أزمة النظام العالمي الحالي. الإجراءات الاقتصادية والمالية لا يمكن أن تحقق نجاعتها إلا في مناخ سياسي ديمقراطي. أهم عوامل التنمية هي الثقة والاستقرار السياسي والسلم الاجتماعي. في الأخير، يمكن للاقتصاد المغربي تحمل رفع نسبة الفائدة أو رفع دعم الدولة عن المواد الأساسية (صندوق المقاصة) إذا ما واكبتها إرادة سياسية حقيقية للتخفيف من آثارها على القدرة الشرائية للمواطن(ة)، لكن ما أخشاه هو استمرار اتخاذ مثل هذا القرار مستقبلا في ظرفية عالمية غير مستقرة وفي ظل حكومة فاقدة لروح المواطنة والغيرة على استقرار المغرب، مما قد يؤدي إلى ركود اقتصادي طويل الأمد. يجب توخي الحذر لأنه لا يوجد نموذج مثالي في الاقتصاد، فليس هناك عامل واحد متحكم في الأزمة بل هناك عدة عوامل متداخلة تتحكم فيها خصوصا عندما تكون السياسة المراد اتباعها قد تبلورت في مناخ اقتصادي مختلف تماما عن المناخ المغربي. في هذه الفترة، من الأجدر معالجة الأزمة من خلال الضغط على المستفيدين المحليين من ارتفاع الأسعار العالمية، وبالتالي الحد من تأثيرات التضخم المستورد.