أكد والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، أمس الثلاثاء 27 شتنبر الجاري، بالرباط، أن قرار مجلس بنك المغرب برفع سعر الفائدة الرئيسي بما قدره 50 نقطة أساس إلى 2 في المائة يروم كبح جماح التضخم على المستوى الوطني، مشيرا إلى أن التضخم لا يزال مدفوعا بضغوط من أصل خارجي، إضافة إلى الضغوط الداخلية، موضحا أن أحدث المعطيات المتاحة تظهر انتقالا واسعا نحو أسعار المنتجات غير المتبادلة. وأوضح الجواهري أن "انتقال الارتفاع آخذ في التوسع. فمن بين 116 فرعا للسلع والخدمات التي تشكل سلة مؤشر أسعار الاستهلاك، شهدت 60,3 في المائة زيادة بأكثر من 2 في المائة في شهر غشت مقابل 42,2 في المائة في يناير 2022 و23 في المائة في المتوسط بين سنتي 2018 و2019" مبرزا أن "استمرار ارتفاع أسعار المواد الخام الغذائية والطاقية سيدفع التضخم إلى مستوى مرتفع في سنة 2022، أي 6,3 في المائة عوضا عن 1,4 في المائة في سنة 2021".
وفي هذا السياق، تداول جُملة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي منشورات مُتسارعة، للاستفسار عن مفهوم قرار بنك المغرب، ومدى تأثيره على المستهلكين خاصة، وكذا على الاقتصاد؛ ولأجل توضيحات أكثر، حاورت "الأيام 24" أحمد أزيرار، مؤسس الجمعية المغربية لاقتصاديي المقاولة، وأستاذ سابق للاقتصاد والتجارة الخارجية بالمعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات.
بداية أستاذ، ماذا يُقصد بالرفع من سعر الفائدة؟ السياسة الاقتصادية تمشي عل رجلين، السياسة الموازناتية (budgétaire ) وهي من تدبير الحكومة في ميادين المداخيل والنفقات مع كل ما يتصل بهما من تدابير وسياسات ظرفية وهيكلية، أما السياسة النقدية والمالية (monétaire) فهي من اختصاص السلطات المالية يدبرها تقنيا بنك المغرب، تحت إشراف وزارة المالية.
سعر الفائدة المرجعي هو الثمن التوازني بين الادخار والاقتراض، أي ثمن التوازن بين طلب المال وعرضه في السوق المالية الداخلية؛ وهذا السعر له تأثير فاعل على توازن السوق الأولى، وهي سوق السلع والخدمات أي على مستوى الأسعار المطبقة في السوق؛ من هنا تأتي أهمية سعر الفائدة في الاقتصاد الوطني الحر، بحيث يعد المؤشر الهام لاستتباب التوازن الاقتصادي العام.
هل سيكون للقرار انعكاسات على الاقتصاد بالمغرب؟ في حالة التضخم، وبشرح مبسط، يتجه بنك المغرب نحو رفع سعر الفائدة المرجعي (ضمن إمكانات أخرى متاحة له) وذلك قصد رفع ثمن الاقتراض، مبتغيا من ذلك التأثير على طلب السيولة، وذلك ابتغاء انخفاض الطلب في سوق السلع ومن ثم هبوط مستوى الأسعار. إذن هذا التدبير المالي غير كاف وحده لمحاربة التضخم الذي غالبا ما تكون أسبابه متعددة داخلية وخارجية وتهم العرض والطلب وهياكل الاقتصاد عامة. يجب إعمال تدابير أخرى موازناتية ظرفية وكذا تدابير هيكلية.
المهم هو أن المسؤولين همهم كذلك أن لا يؤثروا على الاستثمار والتنمية الاقتصادية بالرفع المبالغ فيه لنسبة الفائدة. مشكل البطالة الذي قد ينجم عن ذلك هو أخطر اقتصاديا واجتماعيا.
هل سيكون لقرار بنك المغرب تأثير مُباشر على المستهلكين المغاربة؟ نعم، لكن بدرجات متفاوتة بين الأجراء من جهة، ومن لهم دخول متنوعة؛ كما أن الأثر يختلف حسب موقع الشخص، هل هو في موقع المدخر أم المستثمر، هل يحتاج إلى سيولة أم له سيولة زائدة؟ معروف أنه في زمن التضخم تتغير أولويات الأشخاص والمقاولات.
الاستهلاك قد يرتفع لما قد تفقد النقود من قيمتها، كما أن الادخار قد يحبذ الاتجاه نحو ميادين أكثر أمانا وربحية كالمواد الأولية أو الذهب أو العقار؛ كما أن المقترضين يستحب لهم أن يطلبوا قروضا بسرعة، لما قد يربحونه إذا استمر التضخم في التنامي وقبل ارتفاع جديد لسعر الفائدة.
المشكل هو أن سعر الفائدة وحده غير فعال خصوصا في اقتصاد فيه نسبة كبيرة من القطاع غير المهيكل، والذي لا يدخل كليا في الدورة المالية للبلاد؛ كما أنه يجب دائما سياسة متعددة التدابير، المالية والموزناتية منها قصد محاربة ناجعة للتضخم، كما أنه يجب الموازنة بين محاربة التضخم ودعم التنمية الاقتصادية، كما أن هناك التنافسية الخارجية التي تبتغي دائما أن نحرص على أن تكون نسبة التضخم الداخلي أقل من نسب التضخم عند الدول المنافسة لنا خارجيا، هناك كذلك تأثير لسعر الفائدة ومترتباته على سعر الدرهم يجب متابعته.
كلها أمور تحتاج إلى تتبع احترافي دائم وحذر، خصوصا وأن المناخ الجهوي والعالمي يؤثر جدا نضرا لانفتاح اقتصادنا، ولتغير هذا المناخ بسرعة.
ما العمل إذن؟ ما قام به بنك المغرب مهم وسوف يستمر في مراقبة الأمور، هناك من جهة أخرى تدابير مالية واجتماعية سوف تتخذ في إطار قانون المالية، كما أن إصلاحات هيكلية هي قيد التطبيق يجب الاستمرار في إعمالها بنجاح (التغطية الاجتماعية، السجل الاجتماعي الموحد، محاربة جادة للاحتكار والفساد كما تشير الورقة الأخيرة من تقرير مجلس المنافسة. ثم إصلاح الأسواق، تسريع إصلاح القطاع العام، والدعم الفعال للاستثمار المنتج والمجدد…).
نعم، الارتفاع المقرر ملائم لدعم السياسات الأخرى المحاربة للتضخم، كما أنه لا يعيق سير المقاولات والاقتصاد ولا يعيق جدا الادخار البنكي، تغير المناخ الداخلي المرتقب خصوصا إذا تهاطلت الأمطار، وكذا استمرار نزول أسعار الطاقة، وتحرك الاستثمار الخاص، قد يعيد نمو الاقتصاد سنة 2023 إلى سكته التصاعدية.