المغرب وكازاخستان نحو تمتين العلاقات بعد قرار إلغاء التأشيرة    اعتقال فلسطيني شهّر بفتيات وابتزّهن بالفيديوهات    نجاح باهر للمشاركة المغربية في المعرض الدولي للفلاحة بباريس    فليك يراهن على هذه الخطة للحفاظ على صدارة برشلونة    حماس تحمل إسرائيل "مسؤولية" عواقب قرار تعليق دخول المساعدات إلى غزة على مصير الرهائن    البرلمان الإيراني يقيل وزير المالية جراء طريقة معالجته أزمة التضخم    باحثون صينيون يطورون جهازا لفصل البلازما عن الدم بدون طاقة    تسابق أوروبي محموم لتزويد المغرب بغواصتين عسكريتين متطورتين    المغرب يراهن على تحقيق 52% من الطاقة المتجددة بحلول 2030 والتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 42%    تساقطات ثلجية مرتقبة يومي الاثنين والثلاثاء بعدد من مناطق المغرب    الثلوج تحاصر من جديد خيام ضحايا الزلزال.. واستنكار متواصل للتهميش وإخلاف الوعود    بعد الحديث عن "أزمة الصامتة" بين البلدين.. اتفاق ثنائي بين المغرب ومصر    اتفاق نهائي بين المغرب الفاسي والألماني توميسلاف لقيادة الفريق خلال الفترة المقبلة    أموريم يفرض عقوبة "غريبة" على نجم مانشستر يونايتد    ليفربول يستسلم أمام صلاح.. "لا يمكن التخلي عن صلاح.. وهناك تفاؤل كبير بخصوص استمراره في الفريق"    حملة "خليها عندك" تغزو مواقع التواصل رفضا لغلاء الأسعار في رمضان (فيديو)    تنصيب ياماندو أورسي رئيسا جديدا للأوروغواي    هذه توقعات الأرصاد الجوية في أول أيام رمضان    ميناء الناظور.. إحباط محاولة تهريب 26 كيلوغراما من "الحشيش""    وزارة التربية الوطنية تشرع في مراجعة المناهج الدراسية للابتدائي والإعدادي    مركبة فضائية أمريكية لشركة خاصة تهبط على القمر وتحقق ثاني إنجاز عالمي    وكالة بيت مال القدس تطلق عملية "إفطار رمضان" بضواحي القدس    صدور عدد جديد من مجلة "القوات المسلحة الملكية"    تصفيات مونديال 2026: الحكم المغربي الكزاز يقود مباراة بوروندي وكوت ديفوار    "فيفا" يمنح القنوات التليفزيونية حق استغلال الكاميرات الخاصة بالحكام في مونديال الأندية    الصين: سوق النقد الأجنبي يسجل معاملات بقيمة 3,11 تريليون دولار في يناير    ماكرون يدعو ترامب وزيلينسكي إلى الهدوء والاحترام عقب مشاداتهما الكلامية    المغرب والعرش العلوي .. بيعة راسخة ودعاء موصول    مواقيت الصلاة لشهر رمضان المعظم 1446 ه    زيلينسكي: دعم ترامب حيوي لأوكرانيا    "دكاترة العدل" يكرمون الوزير وهبي    الوقاية المدنية تنفذ أزيد من 61 ألف تدخل بجهة بني ملال-خنيفرة خلال سنة 2024    دياز يُسجل في خسارة الريال ضد بيتيس    كلية الحقوق بطنجة تحتضن يوماً دراسياً حول المنهجية القانونية وأخلاقيات البحث العلمي    "رمضانيات طنجة الكبرى" تقترح برنامجا غنيا ومتنوعا في دورتها الرابعة    ألبانيا تعتبر المبادرة المغربية للحكم الذاتي "أساسا جادا وموثوقا لحل النزاع الإقليمي"    فنربخشة يحسم قراره حول مستقبل أمرابط    عامل اقليم الحسيمة يدعو المواطنين للتبليغ عن التلاعبات في الأسعار والغش في الجودة خلال رمضان    "ذاكرة السلام" شعار الدورة 14 الناظور للمهرجان الدولي للسينما بالناظور    عمالة شفشاون تحدث خلال رمضان ديمومة لتلقي شكايات حول المس بالقدرة الشرائية    تحديات عيد الأضحى: أمير المؤمنين يرفع الحرج    نمو القروض البنكية للقطاع غير المالي ب3,3 في المائة في يناير (بنك المغرب)    فاعلون سياحيون يبسطون أهمية الخط الجوي الجديد بين مراكش وأتلانتا    كتاب يتناول علاقة الدولة بالأمازيغية    رحيل محمد بنعيسى .. وزير الخارجية الأسبق الذي صيّر أصيلة قبلة للمثقّفين    تعيين أعضاء دعم الإنتاج السينمائي    أكرد بخصوص كيفية الحفاظ على لياقته: "رمضان شهر مقدس بالنسبة لنا ومع خبراء التغذية فإنه يسير بشكل جيد للغاية"    النائب البرلماني محمد لامين حرمة الله يشيد بهذا القرار الملكي    هذا هو موضوع خطبة الجمعة    في بلاغ توضيحي لأعضاء المكتب التنفيذي لاتحاد كتاب المغرب: أغلبية الأعضاء قدموا اقتراحات لحل الأزمة، لكن الرئيس المنتهية ولايته لم يأل جهدا لإجهاضها    في الحاجة إلى مثقف قلق    الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين يستغرب فرض ثلاث وكالات للأسفار بأداء مناسك الحج    المياه الراكدة    "حضن الفراشة" .. سلاح فتاك لمواجهة التوترات النفسية    شبكة صحية تدعو إلى تكثيف الحملات التطعيمية ضد "بوحمرون"    بعد مليلية.. مخاوف من تسلل "بوحمرون" إلى سبتة    متى تحتاج حالات "النسيان" إلى القيام باستشارة الطبيب؟    دراسة علمية تكشف تفاصيل فيروس جديد لدى الخفافيش وخبير يطمئن المواطنين عبر "رسالة24"    









بين الجابري والعروي.. سجال من بعيد!
نشر في هسبريس يوم 05 - 02 - 2023

إن أي سجال بين رواد الفكر المغربي والعربي المعاصر يشكل، من الناحية الفكرية، قيمة في حد ذاته، ولذلك فإن نقل أجواء سجال حصل خلال السبعينات، من بعيد وبشكل غير مباشر، بين الجابري والعروي سيقربنا من طبيعة النقاش الذي كان يشغل النخب آنذاك، مغربيا وعربيا، حول إشكالات وقضايا العالم العربي. كل ذلك كان من منظور إصلاحي، وطني، وقومي غيرةً على أمة كان لها ما كان، وآلت إلى ما آلت إليه.
السجال إذن بدأ "جابريا"، وبالضبط في الخامس من دجنبر 1974، حينها سيجد قراء تلك الفترة أنفسهم أمام مقال سجالي للجابري في الصفحة الثقافية لجريدة "المحرر" المغربية، ونُشر أيضا في مجلة "اليوم السابع" الفلسطينية، مقال بعنوان: "مع الاستاذ عبد الله العروي في مشروعه الإيديولوجي". أول ما يثير الانتباه هو العنوان الفرعي الذي اختاره الجابري في قراءته لمشروع العروي، وكان حرفيا على الشكل التالي: "إشكالية تفتقد أهم عناصرها!".
إن أول ما يتبادر إلى ذهن أي قارئ لهذا العنوان الفرعي هو السؤال التالي: عن أية إشكالية يتحدث الجابري؟ وبأي معنى تفتقد أهم عناصرها؟ سنترك الجواب عن هذه الأسئلة وامتداداتها إلى مقال لاحق، ونكتفي فقط، في هذا المقال، بعرض صورة عامة مختصرة عن طبيعة السجال بين الرجلين خلال تلك الفترة.
إن أول ما يمكننا ملاحظته بخصوص هذا السجال أنه لا يخلو من بعض العبارات التي يمكن وصفها ب "بالقاسية" في حق بعضهما البعض، من قبيل وصف الجابري الصريح للعروي بكون "تفكيره مهزوز ومقطوع الصلة أو يكاد بالواقع"، وبنفس القسوة يرد العروي قائلا: "ذلك كلام رجل لا يعي ما يقول". يستمر الجابري بالقول: "إن العروي يستند إلى عموميات، جرد عموميات ليس إلا". ردود العروي أيضا لا تنقصها الصراحة واصفا الجابري بكونه يكرر فقط ما يقوله الزعماء دون نقد أو تأويل، فهو "يسبح في بحر من الإيديولوجيا ككل المتفقهين، ومن المستحيل أن يستوعب الفقيه مفهوم الإيديولوجيا".
يُصدر الجابري حكما جازما على العروي بالقول: "إن طرح الأستاذ العروي للمشكل هنا طرح خاطئ.. غير منهجي، غير علمي، غير ماركسي"، وبنفس الحزم والجزم يرد العروي عن الجابري معتبرا أنه وقع تحث تأثير الانتماء إلى إيديولوجية سياسية جعلته يرى الأشياء طبقا لذاته وليس طبقا لذاتها. يقول العروي في هذا الصدد: " كم من ناقد لي كدّ ليجعل مني مُنظّر الليبرالية العربية. ماذا يقول هؤلاء اليوم وهم يرون ما حدث في أوروبا الشرقية و في البلاد العربية التقدمية؟.. من استنطق الأحداث، ومن اكتفى بتأويل النصوص ومعارضة بعضها ببعض؟".
يتساءل الجابري مستنكرا: "هل يقبل العروي بوعي التبعية الثقافية؟ أليس وعيه هنا مسلوبا؟"، يستمر العروي في وصف الجابري بعدم الوعي بما يكتب قائلا: "لو كان واعيا لأدرك أن شعار الاشتراكية للديمقراطية وبالديمقراطية، وهو الشعار الذي تبناه التقرير الإيديولوجي، الذي صاغه الجابري في مؤتمر حزبه. هذا الشعار يقول عنه العروي: "هذا هو ما يسميه الجميع الديمقراطية الاجتماعية وأن لا أصالة ولا انفراد في ذلك"، وبالتالي فعن أي استلاب أو تبعية ثقافية يتحدث؟
يستمر السجال وتستمر معها العبارات. يصف الجابري العروي بالنخبوية لكونه يحمل مفهوما بورجوازيا للنخبة، مؤكدا أن النخبة الحقيقية هي "الطليعة الفكرية المناضلة والمرتبطة بالجماهير، والساعية إلى تغيير عقليتها، لا نخبة أبحاث ودراسات كما هو الشأن عند العروي". يعود العروي من جديد إلى فكرة تناقض الجابري في ما يكتب ويقول: "لو كان واعيا لأدرك أن ما أقوله عن النخبة ودورها التثقيفي هو بالضبط ما تبناه تلقائيا المؤتمر الاستثنائي عندما قرر إنشاء مدارس للأطر الحزبية في كل جهات المغرب".
يتساءل الجابري مرة أخرى وباستنكار: "من يخدم العروي، موضوعيا، عندما يطلب من المثقفين الانعزال والاشتغال بالنقد الإيديولوجي؟" و"هل تريد الفئات الحاكمة أفضل من هذا الاستنتاج؟". يجيب العروي ملاحظا عدم إدراك الجابري، من جديد، لتناقضاته، ويرد: "لو كان واعيا لأدرك التناقض بين حالته الشخصية، هو الذي يقدم نفسه كمفكر ثوري ملتزم، وحالة الحصار التي أعيشها أنا رغم أني، حسب تحليله، أخدم موضوعيا الطبقة الوسطى".
حاول الجابري في الأخير التخفيف من نقده اللاذع عندما قال: "إن الأستاذ العروي مفكر عربي يكتب عن معاناة وعن اطلاع". لكن قلمه استدرك وكتب: "ولو أن معاناته معاناة ذهنية فقط، واطلاعه غربي أكثر منه عربي".
رفض العروي ذلك منتقدا الجابري وواصفا نفسه بالقول: "أنا لا أستنبط الأفكار من المطلقات، وإنما أرصد وأؤول ما يفعله العرب، لا سيما الزعماء، دون الاكتفاء بما يقولون ويكررون، في حين أنه لا يتجاوز النقل والشرح".
قد يبدو للبعض أن هذا السجال الذي وقع خلال السبعينات أصبح الآن متجاوزا، لكن إعادة نشر الجابري لمقالته النقدية سنة 2003 مع تقديم مقتضب لم يُظهر فيه أدنى تراجع عن ما تم قوله، بل قام فقط بتوضيح السياق التاريخي الذي جاء فيه ذلك النقد، والأمر نفسه يمكن قوله عن العروي عندما ترجم كتابه "الإيديولوجيا العربية المعاصرة" في التسعينات، وأصدر خواطر الصباح سنة 2003، وضمّنها تلك التعليقات التي أوردناها في هذه المقالة حرفيا في العبارات التي وضعناها بين مزدوجتين، مبرزا رأيه الواضح في ما ذهب إليه الجابري من تأويلات حول مشروعه. تلك التأويلات التي دفعت بالجابري إلى اعتبار إشكالية العروي تفتقد لأهم عناصرها، وذلك من خلال وقوفه عند مناقشة المفاهيم الأساسية التالية: الليبرالية، التاريخانية، النخبة والسلفية. هذه المفاهيم التي كان ومازال الجدل مستمرا حول كيفية تَمثّلها والتموقف منها، كما يظهر ذلك من خلال هاذين المشروعين الفكريين الرائدين، وفي مشاريع أخرى أيضا.
سنعود إلى هذه المناقشة "المفاهيمية" وآراء العروي حولها لاحقا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.