أصبحت المياه القريبة من ميناء سبتةالمحتلة، شمال المغرب، عبارة عن مركز جديد لتجارة النفط ضمن ملامح العالم الجديد الذي صنعه الهجوم الروسي على أوكرانيا. وأوردت وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) أن روسيا تلجأ إلى مياه سبتةالمحتلة لمبادلة ناقلات النفط الخام الروسي؛ وهو أسلوب يسمح لها بخفض تكاليف الشحن والالتفاف على القيود والعقوبات الغربية، وتسهيل الإمدادات للعملاء الباقين للنفط الروسي. حسب تصريح المحلل الاقتصادي خافيير بلاس، لوكالة بلومبرج للأنباء، فإن تدفق النفط الروسي إلى الأسواق العالمية قد استمر بكميات كبيرة، تقترب من مستويات ما قبل فرض العقوبات الأمريكية والأوروبية على قطاع النفط الروسي. ولم تلجأ روسيا إلى استخدام المياه القريبة من ميناء سبتة كنقطة توقف لصادرات نفطها حتى غزوها لأوكرانيا، حيث كانت في السابق تشحن النفط مباشرة إلى المصافي الأوروبية بناقلات صغيرة، لتقرر استخدام المياه القريبة من مدينة سبتةالمحتلة كقاعدة لنقل الخام من ناقلات كبيرة إلى ناقلات أخرى أصغر بشكل متقطع، ثم أصبحت تستخدمها على نطاق واسع. الحسين اليماني، الخبير المغربي في مجال الطاقة والكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز، قال، في حديث لهسبريس، "إن الأمر يشهد على تغييرات كاملة في مسارات توزيع النفط عبر العالم نتيجة الحظر المفروض على الخام الروسي مع بداية دجنبر من العام الماضي والتحضير للحظر على المنتجات الصافية في فبراير". مسار الشحنات تقوم روسيا بتحميل الخام في ناقلات صغيرة الحجم تسمى "أفاراماكسيس" في موانئ بحر البلطيق، وتمر هذه الناقلات عبر ثلوج القارة القطبية خلال فصل الشتاء، متجهة إلى ميناء سبتة. وبالقرب من المدينة تنتظر هذه الناقلات التي تحمل الواحدة منها حوالي 700 ألف برميل، وصول ناقلة عملاقة من فئة "في.إل.سي.سي". وبعد ذلك، تقترب الناقلة الصغيرة من الناقلة العملاقة لنقل الخام من الأولى إلى الثانية. تحتاج كل ناقلة عملاقة إلى ثلاث ناقلات صغيرة لملء مستودعاتها التي تسع حوالي مليوني برميل، وبعد ذلك تبدأ الناقلة العملاقة رحلتها نحو آسيا بالدوران حول إفريقيا، حسب ما نقلته وكالة الأنباء الألمانية. منذ دجنبر الماضي، جرى تحميل 6 ناقلات عملاقة بحمولة أكثر من 15 ناقلة صغيرة، ويوجد ضمن العاملين في هذا النشاط عدد النشطاء القدامى في السوق السوداء، حيث كانوا يقومون بشحن النفط الخام الإيراني والفنزويلي للالتفاف على العقوبات الأمريكية، حسب شركة "فورتيكسا لميتد" لاستشارات النقل البحري، وفق "د ب أ". القانون الدولي تحرص روسيا على ألا تنتهك القانون الدولي بهذه الممارسات في بحر سبتة، حيث تنتظر الناقلات على بعد 12 ميلا بحري من الشاطئ، أي خارج المياه الإقليمية للميناء. كما تلتزم روسيا بالقواعد الدولية، من خلال الإبقاء على منارات الناقلات مضاءة أثناء عمليات المبادلة. من ناحيتها، تحرص السلطات الإسبانية المحتلة على تسيير الدوريات البحرية بالقرب من المنطقة، لضمان عدم ارتكاب أي مخالفات. وهناك سبب يمنع روسيا من استخدام نقاط مبادلة الشحنات بين الناقلات الأخرى، ومنها سكاو في الدنمارك وساوث وولد في إنجلترا؛ وهو أن السلطات المحلية هناك لا ترحب بمثل هذه المناورات. وأشار الحسين اليماني إلى أن حظر الخام الروسي سيكون له أثر على ضمان الإمدادات على العالم وعلى أسعار النفط وكلفة نقله. وأضاف الخبير المغربي في مجال الطاقة والكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز أن "ممارسات الخلط في البحر وتغيير بلد الإنتاج ستستمر وتزدهر؛ لأن السوق العالمية، في المحصلة، لا يمكن لها التخلي عمليا عن النفط الروسي الذي يمثل أكثر من 12 في المائة من الإنتاج العالمي". ولفت اليماني إلى أن "أوروبا ستمارس الضغوط على المغرب حتى لا يسهل الرواج للنفط الروسي"، مرجحا أن تكون الورقة الحقوقية الأخيرة، المتمثلة في قرار البرلمان الأوروبي، ضمن أوراق الضغط الممارسة في هذا الصدد. 3 أسباب أفادت مختلف التحليلات بأن هناك ثلاثة أسباب تجعل منطقة سبتة مناسبة للنشاط الروسي؛ أولها أنه رغم إنفاق روسيا مئات الملايين من الدولارات لبناء أسطول من الناقلات الصغيرة أفاراماكسيس غير محددة الملكية، فإنها لا تمتلك الكثير من الناقلات القادرة على اختراق الثلوج، وهي من أغلى أنواع الناقلات. لذلك، فإن إرسال هذه الناقلات من روسيا إلى الصين أو الهند مباشرة يعني استنفاد كل قدرات الشحن لديها بسرعة بسبب طول زمن هذه الرحلة؛ في حين أن الناقلة الصغيرة لا تحتاج إلى لأكثر من 10 أيام حتى تصل إلى سبتة، مقابل 50 يوما لتصل إلى الصين. السبب الثاني هو تقليل النفقات بشدة، حيث نقل النفط إلى آسيا باستخدام الناقلات العملاقة أقل تكلفة من نقلها باستخدام الناقلات الصغيرة. ونظرا لوجود عدد كبير من الناقلات الكبيرة في السوق، فإنها أرخص حاليا. وتبلغ تكلفة إيجار الناقلة العملاقة أقل من 20 ألف دولار يوميا؛ في حين يبلغ إيجار الناقلة الصغيرة 55 ألف دولار يوميا. أما السبب الثالث، فهو أن مدينة سبتة هي المكان المناسب، لوجودها داخل البحر المتوسط بعيدة عن الرياح القوية والأمواج العالية في شمال المحيط الأطلسي. كما أن المدينة المغربية المحتلة قريبة من مضيق جبل طارق، حيث تستطيع الناقلات العملاقة بعد تحميلها بالنفط العودة السريعة إلى المياه المفتوحة في المحيط الأطلسي للوصول إلى آسيا.