اختارت وزارة الثقافة الترويج لشعار "في مملكة الكتاب" بمناسبة الدورة الخامسة عشرة للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالبيضاء، وهذا ما يجعل المرء يحس بأنه إزاء شعار شاذ وهو يحاول عبثا الإيمان بأننا نحيا في مملكة الكتاب. فلاشيء يوحي بواقعية اللوحة التشكيلية الساحرة التي تود الوزارة عبرها تمرير وهم وجود الكتاب في زمن قل فيه هذا الأخير وأوشك على الاضمحلال والزوال. "" قد تتحدث الوزارة المعنية عن انتعاش "صناعة الفرجة" ومايرتبط بها، فنؤمن بتواجدنا "في مملكة الفرجة"، لكن الحديث عن مملكة الكتاب ليعد تمظهرا للطوباوية في أعلى تمثلاتها. إذ لو كنا حقا في رقعة جغرافية يسود فيها الكتاب كمشروع تنويري شمولي يروم تشكيل أفكار وقناعات لاتنضب، لكان الواقع المعاش عكس ما هو كائن، ولما وصلنا إلى حالة جفاف ثقافي يتسم بإصابة ما يرتبط به من قطاعات مجالية متفرعة عن شجرة إنتاج المعنى بالسكتة القلبية. بيد أن الكتاب لايمكن حصره في شكل مادي ملموس، وإن كان كذلك، فالكتاب رسالة وموضوع، أفكار ومواقف، تباعدات وتقاربات... الكتاب علاوة على حضوره الكمي حضور كيفي، وانمحاء الكمي يقودنا مباشرة إلى طمس للكيفي. وإلا فما الجدوى من مطبوعات صورية لا تؤثر ولا تتمكن من خلق إنسية جديدة تسير حثيثا نحو النمو والتقدم وتقطع مع التخلف والوصولية... ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نقوم بفصل الحديث عن واقع الكتاب بالمغرب دونما استحضار للواقع الثقافي وارتباطه بالسياسي والاقتصادي والاجتماعي... من خلال تأثيره إيجابا أم سلبا، اعتبار لحضوره أو غيابه. وأعتقد في هذا الصدد أن ألبير كامي يفسر هذا بقوله:" من دون ثقافة وما تعنيه، ويقترن بها من حريات، يغدو المجتمع غابة، حتى وإن بدت صورته متكاملة... لذلك فالإبداع الأصيل هبة للمستقبل". أليس هذا حال مجتمعنا ونظامنا؟ فقانون الغاب هو الحاكم وعلاقات القوة والضعف هي العامل الحاسم في توجيه الاستراتيجيات والمخططات. ربما تكون القيمة المالية التي ينفقها المغاربة على حاجياتهم الفكرية خير معبر عن درجة الانحطاط الغير مسبوق التي وصلنا إليها، فحجم الإنفاق على الثقافة لايتعدى 0,60 سنتيم لليوم!والخطير أن مجتمعنا يعد مجتمعا استهلاكيا بامتياز، فلماذا تنتعش أسواق أخرى كسوق التبغ والنبيذ ويوزاي ذلك إفلاس للكتاب وللثقافة وصناعة المعرفة عموما؟ أعتقد جازما أن الإجابة عن هذا السؤال لايمكن أن تستثني السياسات العامة للدولة، فالأمية تنخر مجتمعنا بنسبة 50 في المائة وواقع التربية والتعليم على كف عفريت... كان بإمكان مؤسسة كوزارة التربية والتعليم أن تسهم إيجابا في نشر ثقافة القراءة لدى التلاميذ والطلبة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، التزامها باقتناء نسبة محددة من الكتب المنشورة وتوزيعها على المكتبات المدرسية لتسهم بذلك في إنعاش الكتاب. إن التواجد "في مملكة الكتاب"يفرض على المؤسسات المعنية والمشرفة على التسيير الفوقي أن تخوض ثورة حقيقية ضد الأمية والجهل وأن تعمل جاهدة على إصلاح واقع التعليم لأنه الباب الذي يمر عبره أي إصلاح وأي تغيير منشود... قد يحدث هذا حينما نتواجد حقا "في مملكة الكتاب" وإلى حين تحقق ذلك الرهان لا يسعنا إلا نقول "ليتنا كنا حقا في مملكة الكتاب". http://elaouni.wordpress.com