تنظم وزارة الثقافة خلال الفترة الممتدة من 13 إلى 22 فبراير 2009، الدورة الخامسة عشرة للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدارالبيضاء. ولا يقتصر طموح الوزارة، كما أكدت في بلاغ رسمي، توصلنا به من مدير المعارض والمخطوطات الشاعر حسن نجمي: « في هذه الدورة على تحصين التراكم الكبير الذي حققه المعرض على امتداد مسيرته، وهو التحصين الذي انخرط وينخرط معنا فيه كل شركائنا الثقافيين والمهنيين والإعلاميين والعموميين منذ انطلاق الدورة الأولى، بل يسعى طموحنا أيضا إلى تسجيل إضافة نوعية من شأنها تعزيز وتوسيع القدرات الاستقطابية للمعرض، سواء لدى مقاولات النشر الوطنية والعربية والدولية ، ودوائر الإبداع والفكر والنقد بالمغرب والعالم العربي وبعض أقطار العالم، أو لدى الأوساط الإعلامية والتربوية وعموم الزوار المتوافدين على هذه التظاهرة بأعداد كبيرة ومتزايدة سنة بعد أخرى، وهو ما يطوق عنقنا، باستمرار، بمسؤولية التميز المتجدد الذي تقتضيه مكانة هذا المعرض ضمن صفوة المعارض الدولية». وفي هذا السياق، يضيف ذات البلاغ « الذي ظل دائما يموقع هذه التظاهرة ضمن خريطة الامتدادات الثقافية للمغرب أفقيا وعموديا، يطيب لنا أن نؤكد سعادتنا باستقبال السينغال كضيف شرف لهذه الدورة ومن خلاله مجموع البلدان الأفريقية جنوب الصحراء، وهو استقبال يروم الاحتفاء خصوصا بثراء وعمق الروابط السياسية والثقافية والاقتصادية والوجدانية التي تجمع قيادتي وشعبي المملكة المغربية والجمهورية السينغالية، مثلما يبتغي عموما تكريس الارتباط التاريخي والثقافي العربي الأفريقي المتواصل منذ ما ينيف على أحد عشر قرنا. وإنها لفرصة ثمينة للمثقفين وجمهور الزوار على السواء للتدبر في حاجتنا الماسة والاستعجالية، عربا وأفارقة، إلى تعميق وأجرأة علاقاتنا الثقافية، وتفعيل مختلف أشكال التعاون الثقافي بين بلداننا إذا شئنا أن نقف أمام عالم اليوم بهوية متكاملة المشارب والجذور. مثلما هي فرصة لمهنيي النشر وكافة المختصين لبحث إمكانيات الترجمة المتبادلة لأبرز الأعمال الإبداعية والفكرية الأفريقية إلى اللغات الوطنية لبلدان هذه القارة الزاخرة بالقدرات. وحيث إن المبدأ المؤسس للمعرض هو الانشغال بالكتاب وقضاياه، وما يرتبط بها من تحفيز القراءة العمومية وترسيخ المقاربة المقاولتية للنشر، محورنا هذه الدورة حول شعار «في مملكة الكتاب» تأكيدا، مرة أخرى، لقناعة الوزارة بوجود الكتاب في صميم التنمية الثقافية التي نبتغيها لبلداننا وكل البلدان، وبضرورة تعبئة كل الطاقات المثقفة المعنية وتحريك كل الآليات اللازمة لدى القطاعين العمومي والخاص على السواء لتدارك الوضعية المقلقة لهذا المنتوج الثقافي، وهو ما حدا بنا إلى تشكيل مجموعة عمل من الباحثين المختصين للاشتغال على خطة وطنية للكتاب والقراءة تطمح الوزارة إلى رفعها إلى جلالة الملك لتصير معبرة عن إرادة الدولة لا عن وزارة الثقافة وحدها. وضمن هاجس احتفائنا المستمر بالكتاب ومبدعيه ونقاده وقرائه، سطرنا برنامجا ثقافيا متكاملا حاولنا من خلاله أن نقبس الضوء من بؤر أساسية عديدة، باستدعائنا لأسماء وتجارب ومسارات تنتسب لجغرافيات فكرية وإبداعية متنوعة ومتشابكة في آن. هكذا برمجنا ندوات تتوقف بعضها عند الرهانات الخصبة لمجمل علائقنا بضيف الشرف وبعمقنا الأفريقي عموما، فيما تتوزع أخرى على محاور حيوية كتدبير القطاع الثقافي، وحوار الثقافات، والأزمة المالية العالمية، والمسألة اللغوية في المغرب، وقراءة المسرح المغربي، والكتابة للأطفال، والديني والسياسي في المجتمع العربي الإسلامي، والحاجة إلى نقد ثقافي عربي، وغيرها مما لا يسمح المجال بتفصيله ها هنا. كما برمجنا ندوات تذكارية لتأكيد استمرارية إصغائنا واستلهامنا لأسماء رمزية كبيرة رحلت عنا بالجسد فقط بعدما تركت شعلتها وقّادة في عهدتنا، وهي أسماء كل من الشاعر العربي المتوهج محمود درويش، والأديب والناشر اللبناني الفذ سهيل ادريس، والرمز الثقافي الزنجي والإنساني إيمي سيزير ، والشاعر المغربي المتجذر محمد الحبيب الفرقاني، والكاتب المغربي المتميز محمد لفتاح والزجال المغربي المجدد حسن المفتي؛ وكذا ندوات تكريمية احتفائية بمسارات فكرية وإبداعية وازنة من عيار الشاعر العربي الكبير سعــدي يــوسف، و الأساتذة عبد الكبير الخطيبي، وعبد الفتاح كيليطو، ومحمد مفتاح، وأحمد اليبوري، إضافة إلى العديد من القراءات والمحاضرات والجلسات النقدية والتقديمية للإصدارات الحديثة، ومن ضمنها جديد إصدارات الوزارة في الإبداع و الأعمال الكاملة، فضلا عن فضاء الطفل الذي نحرص كل سنة على أن يكون في مستوى الشريحة الطفولية والتلاميذية التي تؤم المعرض بكثافة، واليوم المهني المخصص لتوطيد أواصر الحوار والتعاون بين مختلف المتدخلين والفاعلين المغاربة والعرب و الأجانب في مجال صناعة الكتــاب وتسويقه وتداوله. والآن ، في ظل الذاكرة والتراكم اللذين تحققا على امتداد الدورات السابقة، يمكننا التأكيد على أن أحد الرهانات الأساسية التي وضعها هذا المعرض نصب عينيه منذ البداية تمثل في المقاربة المتدرجة لتعبئة العرض التجاري لفائدة القضايا والأسئلة الثقافية، مما جعل منه، مع توالي الدورات، مختبرا مفتوحا لاستقبال الأفكار والمقاربات والإبداعات الوافدة من الخرائط القريبة والبعيدة، وحوّله إلى قوة اجتذابية لجمهور القراء الراغبين في التعرف عن قرب على كتّابهم المدعوين والمشاركة المباشرة معهم في صياغة الأسئلة وتشخيص التوجهات وإضاءة أسئلة المرحلة. وإنني إذ أنوه كثيرا بالجهد الاستثنائي الذي بذلته و تبذله اللجنة التنظيمية ومسؤولو وأطر الوزارة لتعميق التميز الدولي لهذه التظاهرة، وتوسيع مكانتها الاستقطابية ضمن الجغرافيا الثقافية لبلدنا، لأتوجه بجزيل الشكر وصادق العرفان إلى كل شركائنا الماديين والمعنويين في إنجاز هذا الحدث، من مسؤولي وطواقم مكتب معارض الدارالبيضاء، وكتاب وفنانين وصحافيين وناشرين ومثقفين ومؤطرين تربويين وزوار، مثلما أعبر عن عميق الامتنان للدعم التنظيمي الهام الذي نجده في كل دورة لـدى المسؤولين العموميين، وخاصة ولاية الدارالبيضاء الكبـرى وعمالاتها والمصالح التابعة لها، ومجلس المدينـة ومكوناته، مما يؤكد أن التنمية الثقافية المستدامة، التي ينخرط هذا المعرض في حركيتها، ليست شأنا قطاعيا يهم وزارة الثقافة وحدها بقدر ماهي تعبئة وطنية وجهوية تدرك الوقع العميق لمثل هذه التظاهرات الثقافية الكبرى على الهوية التاريخية والحداثية لبلادنا».